ما من عام يمر على الناس إلا ويأتيهم فيه ضيف كريم وشهر مبارك جعله الله عز وجل موسماً لاستباق الخيرات.. النافلة كالفريضة والفريضة كسبعين فريضة في غيره، شعاره: “يا باغي الخير أقبل”.. الشياطين فيه مُصفّدة، وأبواب النيران مُغلّقة، والأجواء مهيّأة لنيل المغفرة والرحمة والعتق من النار.. تزيّنت فيه الجنّة، ونادت خطابها أن هلمّوا إليَّ وأسرعوا الخطى، فالسوق مفتوحة، والبضاعة حاضرة، والمالك جواد كريم. هذه الفرصة العظيمة التي لا تأتي إلا مرة واحدة في العام لا يتعامل معها المسلمون بالمستوى نفسه، فمنهم من يعتبر مجيء هذا الشهر عبئاً ثقيلاً يتمنّى زواله فلا يرى فيه إلا الحرمان!.. هؤلاء دخل عليهم رمضان ثم خرج دون أن يترك فيهم أثراً أو يُحدث لهم ذكراً. ومن الناس من استشعر قيمته فشمّر عن سواعد الجد، واجتهد غاية الاجتهاد في الإتيان بأكبر قدر من الطاعات فأكثر من ختم القرآن، وأداء الصلوات والقربات، وتعامل مع كل وسيلة على أنها هدف في حد ذاته، ولم ينظر إلى الهدف الأسمى الذي يرنو الصيام إلى تحقيقه. ومما لاشك فيه أن هؤلاء يشعرون بأثر طيّب في قلوبهم لكن هذا الأثر سرعان ما يزول بعد انتهاء رمضان بأيام قلائل. إحياء القلب وهناك صنف اعتبر رمضان فرصة نادرة لإحياء القلب، وإيقاظه من رقدته، وإشعال فتيل التقوى والخوف من الله فيه.. فتقوى الله عز وجل هي مقصود العبادات. ولقد وضع الإسلام في هذا الشهر من الوسائل ما يعين المسلم على الوصول إلى هذا الهدف ولكن كيف يعلم العبد أنه قد وصل إلى الهدف المنشود من رمضان؟ عندما تتمكّن تقوى الله والخوف منه من القلب فإن أمارات الصلاح تظهر بوضوح على الجوارح مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”، فترى صاحب هذا القلب مسارعاً في الخيرات معظماً لشعائر الله. تهجد واستغفار والأفضل بجانب أدائنا لصلاة التراويح أن نستيقظ قبل طلوع الفجر بوقت كافٍ للتهجد والاستغفار، لنتذوّق طعم الحياة الحقيقية باستنشاق نسيم الأسحار، ونحن نناجي الرحمن، قال إقبال: “كن مع من شئت في العلم والحكمة، ولكن لا ترجع بطائل حتى تكون لك أنّة في السحر”، وقال بعض الصالحين: “ليس في الدّنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل الإيمان في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.. فجهّز مطالبك، وحدّد أهدافك، وكن خفيف النوم تنتظر دقات الساعات للخلوة بالحبيب”.