اشترط العلماء لمن يتصدّر للفتوى آدابا يجب أن يتحلى بها وقد بيّنها العلماء، منها: أن لا يشدّد فيما يسّره الشرع، ليظهر التمسك بالدين وغلبة الورع وشدة الفتوى واليقين. أن لا يدل من يستفتيه إلا على أهل العلم والتقوى، فإنه إذا دل على من لا يحسن الفتوى فقد تعاون على الإثم والعدوان، فلا بد أن يتحرى من يدل عليه. يجوز للمفتي أن يجيب السائل بأكثر مما سأل، إذا تبيّن له حاجة السائل لذلك، وهذا من الفقه في الدين، فالنبي الأمين صلى الله عليه وسلم قد أجاب الرجل الذي سأل عن الوضوء من ماء البحر؟ بأنه الطهور ماؤه الحل ميتته، فأجاب عن الميتة لعلمه بحاجة السائل لذلك ربما أشد من حاجته للوضوء. الإحجام عن الفتوى إن خفي عليه وجه الصواب، فالملائكة الأبرار قالوا:”لا علم لنا إلا ما علّمتنا” عندما سألهم العزيز الغفار عن أسماء أشياء عرضهم عليهم، يقول جل شأنه:”وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”[البقرة: 31-32]. أن يكثر من الدعاء والابتهال لرب الأرض والسماء أن يهديه للصواب وأن يوفقه للسداد، وأن يكثر من دعاء:”اللّهم رب جبريل ومكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم”. أن يفتي بالحق، ولو أغضب أصحاب الدنيا، وما موقف الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنّة بخافٍ علينا، عندما تحمّل الجلد وأبى أن يوافق من أرادوا له أن يقول بقول المعتزلة في خلق القرآن، فنال رضا الرحمن في سخط أصحاب الدنيا وأهل الأهواء وأتباع الشيطان. أن يرجع عن الخطإ إذا تبيّن له الصواب، فهو في الحالتين مأجور إن كانت الفتوى عن اجتهاد، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل حتى لا يعرّض نفسه لشديد العقاب. أن يختصر الجواب، ولا يدع الإطالة فيما يحتاج إليه البيان، ولكل مقام مقال، والمتهدي من هداه الله إلى الحكمة وفصل الخطاب.