طالما ارتبطت صورة الحوارات الصحفية بين رجل إعلام وبين رجل أدب، بصورة الشرطي الذي يفتش في لسان اللص عن دليل إدانة، يخرج به الشرطي منتشيا بذكائه ''التحقيقي''، ويدخل به اللص المحاوَرُ في الغالب قفص الاتّهام، لذلك فكّرنا أن نستدرج ''لصوص المتعة الأدبية''، لمحاورة بعضهم البعض، في ''محشاشتهم'' البعيدة عن أنظار ''المخبر الصحفي''.. أكيد سيكون الحوار أكثر حميمية وأكثر مكاشفة، ما دام لا يعرف مزاج اللص سوى لص آخر../ وعذرا على هذه التشبيهات اللاسعة/.. في عدد اليوم، صافح الشاعر رابح ظريف الشاعرة منيرة سعدة خلخال، وبعد المصافحة كان هذا اللقاء.. هل تبدع منيرة سعدة خلخال القصيدة أم تعثر عليها؟؟ بطريقة أخرى.. الكتابة هل هي اكتشاف أم إبداع عندك؟ أن تعثر على قصيدة ؟ أمر صعب..، ربّما يحدث أن تقابلها وتصادقك وأنت منشغل بعملية تنقيب بداخلك، وأنت تزيح ستائر الغشاوة عن عينك المصابة بغبار الوقت، لتفتح باب الصّحو لعين روحك امتدادا رهيفا، حليما بإنسانيتك وما تبقى من شرود الفراشات في بال الحسن.. غير أنّني أمثل القصيدة في هذه المرحلة بالجنين الذي تزرعه حالة القلق، الانطباع الدقيق الذي يأتلف مع الذات نتيجة المعايشة، المكابدة، والتواصل العميق والبارّ بالواقع ، بالراهن، بأوضاعه وشخوصه التي باتت أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، ثمّ ما يمكن أن يسمح به الشعر كمتنفّس يرتدي لبوس الحلم في بعض الأحيان، من تطلع وتوق إلى أفق أرحب تتحقق من خلاله أسباب الحياة الممكنة "ونحن نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا".. كما أوجز وأحاط شاعرنا الكبير محمود درويش. أين تفضلين كتابة اسمك.. في أوّل قصائدك أم آخرها؟؟ أتحدث عن الكتابة الأولى.. الكتابة الأولى مثل الأخيرة، كالانطباع الذي يطبع الحسّ الشفيف المتبصّر.. ثمّ إنّها ليست مسألة تفضيل.. أنا أكتب اسمي عادة في آخر القصيدة على اعتبار أنّها "هي" الموضوع الذي بإمكانه أم لا تحقيق أسباب وجوده، بقائه واستمراريته، أحبّ أن يأتي إلي "الآخر" قارئا، متصفحا نبض النص، منصتا إلى دبدبات صوته الموقوفة على أمواج الذات، متشبّعا بأسئلة الفضول إلى المعرفة، فالقصيدة بناء بالأساس تماما كما في الحياة، حيث أجدني حريصة كلّ الحرص على فعل الأثر الذي كم أتعب من أجل أن أخطّه طيبا وارف الظلال، ولذلك أحبّ أن يقتفي " الآخر" أثري هذا من خلال القصيدة السبيل الواضح برأيي، سليم التهيئة ليبلغ مقصده في معرفتي على دراية فصيحة الرؤية. حيث لا أعتبر نفسي أبدا واجهة أنيقة لوجه نجمة من "النجمات" سريعات العطب ومنتهيات الصلاحية.. أقصد أنني أعتزّ بكوني إنسانة رفيعة الروح، أجتهد لتقديم ما يدوم محبّة، صدقا وإيمانا بعيدا عن أمراض النفس المتفشية في سياقات السباق نحو التسلّح بعملة الشطارة، نظيرة الزيف، التملّق، الوصولية.. وجميعها برأيي مفردات سليلات الجهل الضارب أطنابه كما لم يكن في الجاهلية الأولى.. عندما اختارك أولو الأمر لمقابلة الرئيس.. ألم تشعر الورود بالندم لتأخرها في اختيارك لمقابلة العطر؟؟ ربّما كانت المرّة الوحيدة التي لم يكن فيها "القدر أحمق الخطى".. على رأي المغني، لأن تلك الورود هزّت جذع الحياة بداخلي حقا خاصة بعد فترة غياب وإحباط شديد عانيت تفاصيله لفترة طويلة.. ثمّ إنّ الورود هدية نفيسةفي جوهرها دائما فما بالك عندما يقدّمها لك سيّد القوم، رئيس الجمهورية، سأسرّ إليك بشيء صديقي رابح، بعد عودتي من ذلك التكريم في 09 مارس 2008 كان السؤال المتكرر ممن حولي: كم مبلغ التكريم؟؟ وكنت في كل مرة أردّ مبتسمة: قيمته تساوي وأكثر عودة الابتسامة أخت الرضا (أن تقول للمحسن أحسنت..) وما أثمنها مكسبا، وتعرف رابح، نحن الشعراء يقتلنا الحسّ ولا تحيينا المادّة أبدا.. أمّا عن ندم الورود لتأخرها، فذلك لطف كبير من لدنك وكرم جميل أيّها المحاور المشاكس.. إلى أي مدى يمكن أن تكون القصيدة المفتاح الوحيد الذي يحررك من الزنزانة 25..؟؟ إيه، ما عادش المفتاح يفتح يا صديقي، يمكنك أن تعتبره مفتاحا افتراضيا لزنزانة حقيقية.. من وراء حجاب.. أرى المدينة، سيرتا، تعيّرني بقلبي رهيف النّبض: " فيك النّية".. !! لست الغرور الذي يواكب خطوي نحو مزار التفرّد.. حاولت أن أتحرّر منها، لكن عندما تعذّر علي ذلك، رحت أأثث صبحي بها وليلي بما شاء لي الشعر من فسح التودّد لكائنات الله الأخرى، مصادقة وتصديقا.. تعلّقت ببال العمر أسئلة جسور سبعة توارثت أجيال النسيان أسرار نجمة أفل المجيء إليها وشاع الدوار المقصور على غواية السباحة نصب طموحات "الريميس".. و"سيدي مسيد" يرفع تواشيحه البلسم عن أماني اللواتي تكحّلن بماء "النشرة" فتتفرّك عند بوّابة الحصن الثامنة عناقيد ألغام متفاوتة الغدر من كهوف البقاء من يذكر سيرتا؟.. الكتابة النسائية ليست حكرا على المرأة والذكورية ليست حكرا على الرجل.. ما رأيك؟ وها أنت تعود بنا إلى إشكالية المصطلح، وأنا أستسمح ابن عربي في أن أضيف: "النص الذي لا يؤنث لا يعول عليه".. ثمّ إنّني أؤمن أن الكتابة تأتي على قدر عزم الروح،التجربة، القدرة على التبصّر والاستشراف، وعلى قدر المحبّة التي تسبقها (الكتابة) ثمّ تورّثها هي بعد ذلك.. كيف يمكن أن تجمعي بين اختياراتك كمحافظة وشاعرة للمدعوات لمهرجان الشعر النسوي.؟؟؟ بداية اسمح لي أن أستفهم - بدوري - عن علامات الاستفهام الثلاث في آخر سؤالك، ألا تكفي واحدة؟! لأقول، إنني قبل تعييني محافظة للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي في 16 مارس 2008، شغلت منصب رئيسة مصلحة النشاطات الثقافية بمديرية الثقافة، وذلك منذ جويلية 2003، هذا المنصب وذاك (المحافظة) لا يوافق بالنسبة لي سوى معنى المسؤولية، وما تقتضيه من حزم وموضوعية في التعامل وكيفية التعاطي مع مختلف الموضوعات والمتعاملين في القطاع الثقافي بشكل عام وفئة الكتاب والمبدعين على نحو خاص. لذلك أنا في المهرجان مسؤولة وشاعرة عاشقة للنصوص ذات التميّز والشعرية العالية، ومحبّة للشاعرات، صديقاتي، أخوات الروح، إضافة إلى أنني أستعين في مهمتي الثقافية الرفيعة والصعبة في آن بلجنة استشارية تضمّ نخبة من الأساتذة والأكاديميين للاختيار الأمثل للأسماء المشاركة التي عملنا على مسحها عبر الخارطة الإبداعية الجزائرية منذ البدء، ونخلص دورة فدورة إلى الأجود من النصوص الشعرية التي تحرص صاحباتها على عامل الاستمرارية من خلال رهانات النص، المشروطة بمدى عزمهن على تكريس أسمائهنّ كشاعرات يمثلن ذواتهن وانشغالاتها، هواجسها وتطلعاتها في الداخل ويمثلن الجزائر في المحافل الأدبية والفنية بالخارج. الشعراء في نظر الآخرين يحلمون كثيرا.. والآخرون في نظر الشعراء لا يحلمون أبدا.. كيف نعثر على شاعر لا يحلم.. أو آخر يحلم حتى يقرب بينهما؟ ربّما في أزمنة أخرى،، كان الشاعر يعرف بذلك الشخص " المرفّه" الذي يغنم من حاضر "اللحظات" لذّات الحلم ليطلق العنان بعد ذلك لجموح خياله وصهيل الجياد في أرض روحه الأولى.. لكن هذا الشاعر هو نفسه الإنسان، الفرد، من يلامس الحياة اليومية بمجمل تفاصيلها المتعبة، المربكة، المثيرة، المفزعة، الغريبة.. فهو إن قدّر له أن يحلم، تقاسم "حلمه" مع باقي الناس والكائنات التي وإن تنافرت تنافرا مهولا، بشعا، تآلفت تآلفا جميلا في نزوعها الصادق والعميق إلى حلم الأمن، السلام، والاستقرار الذي بات العالم، القرية الصغيرة يتوجّس خيفة حول مستقبله اللّغز إثر فقدانه شيئا فشيئا هويّة التواجد الصحيح على سطح الأرض (الخلافة).