إن من يتأمل حياة العظماء في العالم يجد أن كل عظيم يستمد عظمته من قومه. فإن كان هؤلاء القوم قد أخذوا بنصيب من حرية الفكر ظهر بينهم حكيم يضيء لهم السبيل بثاقب فكره وسديد رأيه، كما ظهر “كونفشيوس” في الصين و”زرادشت” في الفرس و”غوتاما” في الهند. وإن كان هؤلاء القوم يميلون بفطرتهم إلى فتح المدن والبلاد وبسط الملل والنفوذ، ظهر بينهم فاتح عظيم يقودهم إلى الأقطار، كما ظهر “هانيبال” في قرطاجة و”جنكيز خان” في التتار و”نابليون” في فرنسا.. فكل عظيم هو روح عصره. ولكن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن جارياً على هذه السنة. فقد ظهر والعرب قد سقطوا في هاوية الانحلال الاجتماعي، وانتشر بينهم الزنا والربا وشرب الخمر ولعب الميسر ووأد البنات، واضطهاد الفقراء والضعفاء واحتقار العبيد، والتنازع والقتال لأتفه الأسباب. فلم يكن من المعقول أن بيئة وضيعة كهذه فشا فيها الفساد وسادها الجهل تنتج عظيماً كمحمد. ذلك الذي رفع أمة من الحضيض إلي الرقي، وأقام ديناً هو أفضل وأكمل الأديان، وأنشأ دولة من العدم. كما قال القائل: لا تذكر الكتب السوالف قبله... طلع الصباح فأطفئوا القنديلا. لقد قام بما لم يقم به أحد من إصلاحات، وأزال ما في العالم من رذائل، ونشر كل الفضائل من العدالة والحرية وتحرير العبيد، ونادى بعبادة الله وحده وبالسلام وأزال ما كان بين القبائل من تنافر وخصام.