إذا ما صدقنا الأخبار التي تتداولها الفضائيات هذه الأيام، فإن حربا وشيكة ستنفجر على الحدود السورية - اللبنانية، بل إنها انفجرت حقا، ويوميا يجري الحديث عن سقوط جرحى وقتلى على طول الخط الفاصل بين البلدين. ويبدو أن هذه الحرب لا تدار من قواعد عسكرية ومن قبل قادة عسكريين، وإنما تدار بالفضائيات، وبواسطة إعلام موجه لخدمة خيارات سياسية بعينها. لم تعد "الجزيرة" ولا "العربية" وحدهما تمتلكان الفضاء وتوجهان الحروب الإعلامية بما يخدم الإمارة وخيار ال "سي أي إي"، فها هو حزب الله يطلق هجوما مكثفا على الفضائيات الخليجية من قناته الجديدة "الميادين"، قناة يبدو أنها ستساهم في تأجيج الحرب الإعلامية في لبنان، بل ستصب الزيت على نار الحرب الفعلية التي ما أن تنطفئ حتى تشتعل أخرى في جسد لبنان المثخن بالجراح. من المبكر الحكم على مهنية هذه القناة، ولا على مهنية قناة أبو ظبي الجديدة "سكاي نيوز"، لكن من خلال متابعة برامج هذه القناة في يوميها الأولين، فخطها الافتتاحي واضح، وهو رد الهجومات التي كانت تقودها القنوات القطرية والسعودية على الأقليات الشيعية في المنطقة العربية، وبالعودة إلى أحداث دولة البحرين السنة الماضية، بتسليط الضوء عليها من زاوية أخرى، لإبراز مدى الظلم الذي تعرضت له الطائفة الشيعية في هذه المملكة، وكيف سحق درع الجزيرة ثورة الشارع البحريني بتواطؤ من الفضائيات الخليجية. من حق الشيعة أن يكون لهم فضاؤهم الإعلامي الذي يرفع صوتهم ويعلي كلمتهم في هذه الحروب الإعلامية التي تديرها الفضائيات بالوكالة، لكن أين موقع الحقيقة والمهنية من كل هذه الصراعات الإعلامية؟ "الجزيرة" اتخذت شعار "الرأي والرأي الآخر" الذي لم يصمد كثيرا أثناء انتفاضات "الربيع العربي" وبقي الرأي والرأي الواحد فقط، و"الميادين" اتخذت لها شعار "الواقع كما هو" لكن أي واقع سيعرضه علينا الإعلامي غسان بن جدو، مدير القناة الذي خرج غاضبا السنة الماضية من "الجزيرة" بسبب تحيزها ضد الشيعة في ربيع البحرين وضد مواقف أخرى؟ لكن أين مكانتنا من كل هذه الحروب الإعلامية؟ .. أين مكانة المغرب العربي ونصيبه من الإعلام الفضائي الذي يبدو أنه يدار ضده بتمويل خليجي وبأجندات خارجية؟ ألم يحن الوقت للمغرب العربي الكبير أن يطلق فضائياته بحجم القنوات الخليجية والقناة اللبنانية لحماية نفسه وتراثه وخياراته الاستراتيجية من هذا الإعلام الممسوخ؟ فحتى قناة "نسمة" التي تبقى أفضل القنوات المغاربية، ماتزال بعيدة عن منافسة الفضائيات الإخبارية التي تركز تركيزا كليا على مناطق الصراع العربي وتفرض منطقها على المتلقي المغاربي، مع أن قضاياه الخاصة لا تطرح بقوة، بل لا تطرح أصلا، إلا إذا ما تعلق الأمر بالمؤامرات السياسية على الأنظمة مثلما يحدث الآن في تونس، ومثلما حدث في ليبيا.