كان بإمكان أمير قطر أن يرسل ب"400 سنتيم" التي تبرع بها إلى غزة عن طريق البنك ولا يكلف نفسه عناء التنقل إلى غزة المحاصرة، والتي ستبقى محاصرة رغم أنف الأمير صديق إسرائيل ورغم أنف كل العرب. لكن الأمير الذي وجهت إليه شتى أنواع الاتهام من طرف الشارع العربي، لتمويله الانقلابات العربية و"ثورتي" ليبيا وسوريا، وتسليحه ذراع المتمردين، في حين لم يهتم بالقضية الفلسطينية ولم يسع إلى مساعدة غزة المحاصرة منذ ست سنوات. لكن شتان بين ما قدمه الأمير وحرمه لثوار سوريا وبين ما جاء به إلى غزة، شتان بين 4 ملايير دولار سلاح لإسقاط النظام السوري وبين 400 مليون دولار لبناء ما هدمه الطيران الإسرائيلي. شتان بين المبالغ التي تبرعت بها قطر لبناء المستوطنات، وبين ما قدمه أميرها وحرمه أمس لبناء وحدات سكنية للأسرى المحررين. لكن ما لم يقله الأمير، الذي زار الحكومة المحلة في غزة مخالفا المواقف المتفق عليها عربيا والتي تقول إن الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني هي السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، أن الرجل جاء لدعم حل الدولتين، لكن ليس حل الدولتين المتفق عليه في أوسلو، والذي تتجاهله إسرائيل خاصة في عهد ناتنياهو، بل تعمل على عرقلته إلى درجة وصلت معها عملية السلام إلى حد الأزمة، خاصة وأن إسرائيل ما زالت تمارس سياسة الاستيطان، وتبني يوميا مستوطنات جديدة تطبيقا لمشروع إسرائيل الكبرى مثلما أكد ذلك أول أمس الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. بل لتطبيق مشروع جديد لحل الدولتين. الضفة الغربية لناتنياهو، وغزة لأمير قطر يقيم فيها حكومة إسلاموية مثل الحكومات الإسلاموية التي نصبها بماله ودعايته في مصر وتونس وليبيا. وبهذا يكون ضرب عصفورين بحجر، فك حصار عن غزة يظهر الرجل زعيم عصره، ويلقي بظلاله على منافسه ملك السعودية، محاولا محو الدور الذي كانت تقوم به مصر عربيا، وفي نفس الوقت يخرس الأصوات المنكتة على الرجل والتي تقول أن الأولى بالمساعدة والتحرير ليس دمشق ولا القاهرة، وإنما القدسوغزة المحاصرة. وفي آن واحد يقدم خدمة لأصهاره بإسرائيل، بل أصهار رئيس وزرائه حمد بن جاسم الذي لم يتخلف أمس عن الزيارة "التاريخية" التي جاءت لتقبر اتفاق أوسلو وحق الفلسطينيين في إعلان دولتهم ويرفرف علمها أمام مبنى نيويورك وإعادة غزة إلى حضن السلطة الفلسطينية. زيارة أمير قطر كرست من جديد شق صف الفلسطينيين، ومرة أخرى غطت غزة على المشكلة الأم، مشكلة فلسطين والشعب الفلسطيني. فما من حديث أمس إلا عن غزة وشعب غزة؟!