كان البحث عن أشخاص بدون مأوى رحلة إنسانية بالدرجة الأولى، فرغم أن مقر ولاية تيبازة الساحلية لم يسجل منذ بداية التقلبات الجوية منذ شهر جانفي الفارط، أي حالة لأشخاص بدون مأوى أو مشردين، إلا أن القائمين بهذه العملية لم يمنعهم من البحث عنهم في دوائر الولاية، انطلاقا من العمل على جمع معلومات عن المناطق التي تضم هذه الفئة بالتنسيق مع رؤساء البلديات والدوائر، حيث أسفرت النتيجة عن وجود 17 حالة موجودة في كل من بلدية القليعة، حجوط وبواسماعيل، ومن هنا تم إعداد مخطط عمل للبحث عنهم خاصة وأنهم لا يتخذون مكانا واحدا نظرا لكثرة تنقلاتهم. في حدود الساعة السابعة من مساء أول أمس، إاطلقت ”الفجر” رفقة قافلة ولاية تيبازة المتكونة من رجال الأمن الوطني والحماية المدنية والهلال الأحمر، وممثل عن مديرية النشاط الاجتماعي ومديرية الشؤون الدينية، بالإضافة إلى رئيس بلدية بواسماعيل، حيث جبنا مختلف أحياء مدينة بواسماعيل باحثين عن أشخاص بدون مأوى وفي كل مرة نبحث فيها عن شخص يتخذ من الأرض فراشا ومن السماء لحافا، نسرق بعض الدقائق للحديث مع رئيس الخلية، حاج بشير ناصر، محافظ شرطة بالمحافظة الولائية لمصلحة الاجتماعية والرياضية، سألناه لماذا يتم التركيز دائما على عامل الليل للبحث عن الأشخاص بدون مأوى، فأجابنا بأن الليل يتميز بخصوصية الهدوء والسكون، عكس الصباح فالحركة تميز الجميع وفي كل الأمكنة ولا يمكن وفقا لذلك التفريق بين من سيعود لمنزله ومن سيبقى في الشارع، مررنا من الواجهة البحرية لبواسماعيل قبل أن نتخذ وجهتنا نحو طريق مقر البلدية القديم، وغير بعيد عن محطة سيارات الأجرة لمح رجال الأمن شخصا جالسا على الرصيف، فترجلنا من السيارة واقتربنا من شخص في العقد السادس، بيده سيجارة، بدت على ملامحه كثرة التفكير، ممَ،؟ لا أحد يدري، عندما فتح محافظ الشرطة حوارا معه، تمكنا من فهم القليل من الكثير الذي تحدث عنه، أفاد أنه موجود في الشارع منذ سنة 2003، لايزال ينتظر طلبا رفعه للرئاسة، ومطلبه الوحيد الحصول على حقوقه، وحاليا ينام في مزرع. محافظ الشرطة أكد له أن الجميع هنا موجود لمساعدته، لكنه رفض إلى درجة أنه كاد ينتفض للتعبير عن رفضه منحه فراشا وأكلا لأن ذلك حسبه مساس بشخصه وبكرامته. عجوز بدون مأوى: ”حلمي سكن لأعد الطعام بنفسي وأغسل ملابسي” تركنا الكهل يواصل تدخين سيجارته وتوجهنا بسيارة نحو طريق الباتوار، في ظل وجود معلومات تفيد بوجود ثلاث بنات في الشارع، انطلقنا للبحث عنهن لكننا لم نجدهن، خلال بحثنا عن أشخاص بدون مأوى لاحظنا وجود حركية لدى المواطنين رغم برودة الجو، البحث قادنا إلى امرأة عجوز في العقد السادس، كانت مفترشة ”الكارطون” بالقرب من مقر أمن دائرة بواسماعيل، تقربنا منها وطلب منها محافظ الشرطة أن تتنقل معه إلى دار العجزة، لكنها رفضت، رفضها لم يكن لشيء سوى لإصرارها على منحها حقها في السكن، أو منحها قطعة أرض لتشيد عليها سكنها، وتضيف العجوز أنها إن غادرت المكان سيضيع حقها في الحصول على السكن، لأنها تنتمي لبلدية بواسماعيل، العجوز التي تكون أحست باليد الممدوة لمساعدتها كشفت عن مكنونات قلبها وحلمها في الحصول على منزل، حيث قالتها بنبرة جعلت بعض الحضور يذرف دموعا: ”تمنيت منزلا لأطبخ بنفسي وأغسل فيه ملابسي”. فالعجوز يعرفها العامة هنا بقيامها بغسل ملابسها في حديقة صغيرة موجودة بالبلدية، وأمام هذا الجو البارد الذي خففت منه حرارة الموقف، ترفع العجوز شكوى للمحافظ، وتخبره بإقدام شخص على سرقة محفظتها التي تحوز على معاشها الذي ورثته من زوجها بعد وفاته، الشباب التفوا حول المحافظ ومنحوا هوية الشاب السارق، ليعطي هذا الأخير أمرا لرجال الأمن بالتحرك الفوري لإرجاع الحق لصاحبتها واتخاذ التدابير القانونية اللازمة، وهو ما شجع الشباب على الإدلاء بمعلومات تفيد بوجود أشخاص آخرين محتاجين للمساعدة، على غرار شابة مرفوقة بابنها الرضيع. الشباب رفعوا نداءهم الذي كان أشبه باستغاثة، حيث طلبوا من المحافظ أن يسرع للبحث عنها لأنها باتت محل أطماع من طرف الذئاب البشرية. كما كشف الشباب عن وجود شاب بالقرب من الملعب البلدي، وقبل التحرك صوبه طلب المحافظ إبلاغ مصالح الأمن عن أي حالات عن هذه الفئة من الأشخاص بدون مأوى، وحقيقة عندما وصلنا للمكان لاحظنا الشاب المطلوب، فتوقفنا أمامه، بدا مضطربا قبل أن يهدئ من روعه محافظ الشرطة، هذا الأخير كان يتقن فن الحديث، لأن صيغته في الحوار تختلف من حالة لحالة، هنا خاطب الشاب وسأله عن مكان نومه، فأجابه بأنه ينام في محطة المسافرين لبلدية بواسماعيل، قبل أن يردفه بسؤال آخر: هل تريد أن تذهب للمركز؟ فكانت إجابته بنعم، قبل أن يطلب منه المحافظ رفقة ممثل مديرية النشاط الاجتماعي، منحه معلومات عن هويته، الأمر هنا عادي، لكن غير العادي في حالة هذا الشاب هو أنه عندما سأله المحافظ إذا كان يعمل أم لا، أكد له أنه أحيانا يعمل كعامل بناء، وأحيانا يقوم برقية الناس، وأخرج مصحفا صغيرا ليثبت صحة كلامه، الحركات التي كان يقوم بها لم تكن توحي بأنه إنسان عاقل، فلا عينه ووقفته وحتى طريقة إجابته كانت توحي بذلك، وكنا نأمل لو كان رفقة القافلة طبيب نفساني ليفسر لنا هذه الحالة ونطرح عليه الكثير من الأسئلة عن الحالات التي التقيناها، على غرار عجوز رفضت مغادرة مكانها رغم قساوة البرد، و كهل في العقد السادس رفض منحه يد المساعدة لأن ذلك مساس بكرامته، وهذا الشاب الذي يرد على الأسئلة. غادرنا المكان متجهين، في حدود الساعة التاسعة والربع، نحو محطة المسافرين، هناك لفت انتباه الأمن وجود شاب جالس على الأرض بالقرب من المقهى، تبين في الأخير أنه حارس المكان، وعن سبب جلوس الحارس وهو شاب على الأرض في طقس بارد، كان رد المحافظ مقنعا جدا بالنسبة لنا، حيث اختصره في كلمة واحدة من خلال تشبيهه ب”الفزاعة”، وهو عبارة عن دمية كبيرة بثياب رثة موضوع على رأسه قبعة يضعها الفلاح في مزرعته لطرد الطيور، بمعنى أن السارقين لا مكان لهم هنا. جبنا جميع أحياء المدينة، ووقفنا على هذه الحالات الثلاث فقط، قبل أن نعود لنقطة الانطلاق أمام مقر دائرة بواسماعيل، هنا اغتنمنا فرصة الحديث إلى السيد نبيل لعيشي، مكلف بالعملية على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي، لنسأله عن سبب عدم أخذ الشاب الذي وافق على دخول المركز وإرجاء ذلك لليوم الموالي، حيث أوضح بقوله أنه في حالة وجود نساء وقصر فإنه سيتم بصفة فورية بنقلهم إلى مركز ديار الرحمة ببلدية حجوط، أو إلى المركز الوطني للنساء في وضع صعب، لكن في حالة هذا الشاب البالغ، فإن الولاية لا تحوز على مراكز خاصة بهم، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات والاتصال بمركز حمام ريغة بعين الدفلى قبل نقل الشاب، وفي حالة وجود أشخاص ذوي أمراض عقلية تقوم مديرية الصحة بالتكفل بهم من خلال مراكزها المنشأة في هذا الخصوص. ”الفجر” تقربت أيضا من ممثل مديرية الشؤون الدينية، وسألنا بلقاسم لعزالي عن دور المديرية في هذا الخصوص، فأكد أن مهمته اليوم تكمن في إعطاء إرشادات، والعمل على توعية الناس وتذكيرهم بأخلاقنا وتربيتنا، ونقيم خطبا يوم صلاة الجمعة للتذكير بأسباب التشرد، وعن خطورة الزواج العرفي غير الموثق وكيف تضيع حقوق المرأة وتجد نفسها في الشارع. ملحقة ديار الرحمة بحجوط تتكفل ب 14 شخص في سياق متصل، كشفت مليكة لعويرم، المكلفة بالإعلام بأمن ولاية تيبازة، أن العملية انطلقت يوم 16جانفي المنصرم على مستوى بلدية تيبازة، ولم يتم خلالها إحصاء أي حالة بدون مأوى، الأمر الذي أدى إلى اقتراح تعميم وتوسيع العملية على مستوى مدن وبلديات الولاية، خاصة في ظل توافر معلومات صادرة عن مصالح البلديات والدوائر تفيد بإحصاء 17 حالة لأشخاص بدون مأوى موجودين خاصة في كل من دوائر حجوط، بواسماعيل والقليعة. وكشفت في السياق ذاته عن وجود 14 شخصا منهم 12 حالة من فئة النساء وطفلين يتم التكفل بهم حاليا على مستوى ملحقة ديار الرحمة بحجوط.