المسرح بمدينة البرج يعيش مأساة حقيقية سببها مدير الثقافة للولاية ! دائما ما يثار الجدل حول واقع المسرح الجزائري وكلاسيكيته وكذا اعتماده على الاقتباس والترجمة دون محاولة تغيير نحو الأحسن، لكن يبدو أنّ المسرح الجزائري يشهد ميلاد نوع جديد هو مسرح الشارع يقوده وجه شاب اشتغل طيلة العقدين الأخيرين على رؤية وإستراتيجية جديدة مختلفة في المختبر المسرحي الجزائري وصفه البعض ب”شكسبير جزائري”، إنّه الربيع قشّي رئيس الفرقة المسرحية “تاج” لبرج بوعريريج، الذي أعاد “هاملت” بلغة شعبية جزائرية، يتحدث عن مسرح الشارع وعن المسرح بمدينته والجزائر بشكل عام في حوار ل”الفجر الثقافي”. تترأس حاليا فرقة “تاج” المسرحية المختصة في تقديم مسرحيات في الشارع فكيف اخترت مسرح الشارع كلون مسرحي يعتبر جديدا وفريدا من نوعه في الفن الرابع الجزائري؟ في البداية كانت دراستي في المعهد العالي للإطارات الشباب بمدينة قسنطينة، أين تخصصت في الفن الدرامي لفترة، وبعدها أجريت عدة تربصات أين تأثرت في أحدها بالأستاذ والفنان الإيطالي مارلو بوليتي الفن الدرامي أو كوميديا دلارتي باللغة الإيطالية، الذي درست عنده ومثلت تحت رئاسته في عدة أعمال، لأعود بعدها الى مدينتي ببرج بوعريريج، اين اشتغلت على أعمال منها “جحا” و”زهاد” وهذا الأعمال تركت في انطباعا كبيرا جعلني أحب هذا اللون المسرحي أو بما يعرف بمسرح الشارع. ولو عدنا للحديث عن المسرح الشعبي كما كان في السابق في المسرح الإغريقي أي مع الجمهور، أين تختفي العلبة السوداء أو الفضاء الذي نراه في مختلف ركوح المسرح الجزائرية والعالمية، لكن هنا نرى المسرح عادي جدا من خلال وجود الجمهور والممثل فقط، فهذا هو مسرح الشارع حيث يغب الديكور والموسيقى وباقي العناصر التقنية الأخرى المعروفة في العلبة السوداء، فهنا يوجد فحسب كوميديا ونص وجمهور لا تعرف طبقته أو فئته العمرية أو غيرها، لذا فضلت العمل في هذا النوع والعودة إليه فقمت بإنجاز عرض “جحا “ و”زهاد”، ووقت إنتاجهما كانت القاعات منعدمة تماما. لكن الشيء الوحيد الذي دفعني إلى خوض هذه التجربة هي تجربة كارلو بويليتي باعتبار أنني درست عنده أسس هذا الفن كما أديت مجموعة من الأدوار التي اشرف عليها هو بنفسه، ومنها تجسيد شخصيات “تريتالي” و”بورتشينيلا”، بينما حين عودتي إلى البرج أنتجت مباشرة جحا سنة 2001، وهذه المسرحية لا تزال تعرض إلى غاية اليوم وقدّمت بثلاث لغات. كيف كانت تجربتك الأولى مع عمل “جحا”؟ حتى تقدم عرضا مميزا يجب عليك العمل بشكل كبير، لأنّه ليس من السهل تقديم عرض مسرحي في الشارع فالغرض ليس العمل من أجل العمل وإنّما أن يتضمن العمل إبداعا من حيث النصّ والتمثيل، وحسب اعتقادي كانت تجربتي في إخراج “حجا” إلى الشارع مميزة مع أنني لم أكن الأولى الذي أطلقها فقد سبقني إليها المرحوم عبد القادر علولة وآخرين من رواد المسرح الجزائري. لكن تبقى الاختلاف أنّ كل واحد كيف يتعامل معها وبطريقته الخاصة. بالإضافة إلى أنّ مسرح الشارع يحتاج بالدرجة الأولى إلى ممثلين أكثر ولا يرتكز على وسائل تقنية، إذ يتطلب عليك أن توصل الصوت إلى الجمهور وتبلغه الرسالة كاملة في ظل انعدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية وغيرها من العناصر التي تتوفر على الخشبة. من خلال هذه التجربة الجديدة التي تفضل انتهاجها وتطبيقها في المسرح الجزائري، هل كانت دوافعها الهروب من المسرح العربي إلى المسرح الإيطالي أم ماذا؟ لا اسميه هروبا بمفهومه العام والمحدد وإنما نابع من حبي لمسرح الشارع أو الشعبي وكذا الإغريقي، وهذا لا ينفي عشقي وولعي للأنواع الأخرى، حيث قمت بتجارب في المسرح العبثي والسريالي، كما اشتغلت على نصوصا من عدة مدارس ولكن كممثل باعتبار وجود شيئين يميزان عملي في هذا النوع ولا يمكن تنحيتهما فيما يمكنك تنحية ونزع باقي العنصر الأخرى وهما الجمهور والعقدة لأنّ بداية المسرح كانت بممثل وعقدة أي بمعنى أخر الصراع بين الخير والشر أو ما يعرف عندنا في لغة المسرح ب”التضاد”، حيث يجيب أن يكون هناك تضاد وإلا فلا نتيجة في ذلك. ولو رجعنا إلى الأصل فإنني أدافع كثيرا عن الكوميديا في أعمالي أكثر من الدعائم الأخرى التي يحتويها العرض. ما هي الميزة التي تفرّق مسرح الشارع وأنواع المسرح الأخرى بناء على المعطيات السابقة التي تضم عناصر الإخراج والعرض بشكل عام؟ كما قلت لك سابقا، الشيء الوحيد الذي يميزه هو الارتجالية التي تصنع على الخشبة وكونك في الشارع فإنّك تواجه جمهور غير معروف من حيث عدة جوانب، وبالتالي يشترط هنا توفر شروط منها التدرب والتكون على التجربة والأداء في مثل هذه الأماكن، حتى تستطيع التعامل مع الجمهور وليس سهلا ذلك، كما أنّ تشترط قوة الإلقاء من أجل توصيل رسائلك وصوتك لهم على كم من متر، لذلك يختلف تماما عن فضاء الركح الذي يعتمد على مسافة معينة وقصيرة عادة، وهذه الأمور لا توجد في الخارج. إلى جانب قوة الإلقاء هل يتطلب مسرح الشارع نص قوي؟ العكس تماما، فالنصّ يكون بسيطا للغاية لكن يجب أن يتضمن فكرة بسيطة لا تدخل فيها لغة كبيرة وشاعرية وإنما تستعمل لغة “درجة” يفهمها الجمهور الحاضر معك، ويمكنني القول أن نرجع إلى لغة الشارع من ناحية النص لأنك تتعامل مع أشخاص في الطريق وتتحدث بلغتهم البسيطة العادية أين يجب إيصال ما يحبونه. دعنا نعود إلى واقع المسرح بمدينة “برج بوعريريج” التي تحتضن تظاهرات ثقافية مختلفة عدا مهرجان للمسرح؟ لماذا في رأيك لا توجد فعالية مسرحية بهذه المدينة؟ صراحة المشكل المطروح حاليا هو غياب القاعات المسرحية التي تحتضن العروض، تكلمنا كثيرا مع مدير الثقافة الحالي وأعربنا عن انشغالاتنا له، لكن ضرب ما قلناه عرض الحائط، فهذا الرجل يريد تأخير القطاع الثقافي في البرج، حيث تحدثنا في الإذاعات ووسائل الإعلام عن هذا السبب لكن دون جدوى ولا منصت لانشغالنا كفنانين في المدينة والتي تقابل برفض دائم. وللأسف الشديد ومن على منبركم أقول “هذا هو الواقع نحن نعيش المأساة”. بالمقابل نحن عمل ونتج ولا ننتظر من السلطات تقديمنا الدعم لكن الأسف الجمهور هو من لا يحظى بفرصة لمشاهدة الإبداع المسرحي ومختلف الانتاجات الثقافية. لاسيما وأنّ كل مدينة من الجزائر تميزها عادات وتقاليد للأسف لا يرها الجمهور، بسبب مسؤولي الولاية الذين قتلوا هذه العادات وأغلقوا في وجوهنا القاعات والمراكز الثقافية منها المتحف ودار الثقافة وغيرها. ألم تحاولوا انتم كفنانين أن تحتضنون وتنظموا تظاهرة خاصة بكم بعيدا عن السلطات؟ يمكننا ذلك غير أنّ غياب القاعات والفضاءات، وكذا لا مبالاة مسؤلي مدينة البرج بنا تماما، ولم أفهم لحد اليوم لماذا هذا التعامل التعسفي معنا، حيث بات ينظر إلينا أننا لا نملك الحق فيما نطالب به أو أننا أجانب وليس لنا الحق في أي شيء. ناهيك عن بقاء مراكز الثقافة مغلقة طوال هذا الوقت. أسدل الستار منذ أيام قليلة فقط على فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الثامنة، هل يمكنك أن تقيم لنا مستوى التظاهرة ككل والعروض على وجه الخصوص.؟ بكل صراحة لم أشاهد كل العروض، غير أنني أعجبت بعرضين هما “ما تبقى من الوقت” لتعاونية “كاتب ياسين” لمسرح سيدي بلعابس ومسرح حمام بوحجر، و”ذكرى من الالزاس” التي قدمها المسرح الجهوي لمعسكر وهذا لا يعني أنني أعيب العروض الأخرى بل لدي نظرة واحدة أنّ كل مسرحية فيها إشتغال وجهد لكن يختلف الحكم عليها. وبالتالي يصعب علي تقييم مستوى التظاهرة انطلاقا من المعطيات السابقة. ألا توافقني الرأي بوجود أعمال مسرحية في مهرجان مسرح الهواة مستواها أحسن ممّا قدّم في المهرجان الوطني للمسرح المحترف ؟ لما نتحدث عن المسرح المحترف أو المسرح الهواة فإننا نتحدث عن المسرح فقط بمختلف اتجاهاته وأنواعه، ف”المحترف” حسب رأي هو من يعمل بالمقابل، عكس الهاوي الذي لا يعمل بهذا الشكل، فلو رجعنا إلى هذا المفهوم فإنني هاوي أيضا، غير أنه لا يعني أن اعمل بدون مقابل، حيث كان المسرح اختياري عن قناعة بأنّه حب وعشق، فلو أردنا الحديث فإننا يجب التطرق إلى التعاونيات التي لا تملك إمكانيات كبيرة وتقدم أعمالا مميزة و العكس صحيح. ولماذا لا نطرح إشكالية وجود مخرجين معروفين في الساحة ولا يسمح لهم بالبروز لسبب من الأسباب وكل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة من طرف السلطات. تقصد بقولك أنّه يوجد إقصاء متعمد لأطراف على حساب أطراف أخرى؟ بطبيعة الحال هناك إقصاء، فنحن متشتتين بشكل مخيف والسبب يرجع إلى غياب استراتيجية ثقافية، حيث يوجد هناك ارتجال دائم وسنة تليها سنة وهكذا دواليك، والدليل كم من عرض راح سدى ولم يأخذ حقه من التغطية نتيجة غياب تغطية إعلامية للتلفزيون الرسمي، ولهذا فان كل ما تم عرضه ذهب سدى وضاع، حيث لم يؤرشف وهذا ما يصعب على جيل اليوم من التعرف عليه. الملاحظ على المسرحيات المقدمة في الطبعة الثامنة أنّها تتناول موضوع الثورة بصفة أكبر، من هنا هل وقع الكتّاب والمخرجون في فخ” الخمسينية وأنجزوا أعمالا موضوعها ثوري بحت؟” إذا قلنا الخمسينية فإننا نعني 50 سنة من الاستقلال وليس بالضرورة الكتابة عن الثورة فقط بل توجد مجالات أخرى تحتاج إلى الكتابة عنها، سياسية واجتماعية وثقافية وتربوية وغيرها، كما لا يوجد أي قانون ينص على “بما أننا في إطار الاحتفال بالخمسينية يجب تكون الأعمال ثورية”، صحيح أنّ الثورة فخرنا ومنطلقنا في الكتابة و في أشياء كثيرة لكن ليس ضروري التحدث عن الثورة فقط، بينما يبقى الأمر مرتبط حسب اعتقادي بالمسارح الجهوية التابعة للدولة والتي تكون قد تلقت أوامر أو تعليمات بخصوص إنتاج مسرحياتها عن موضوع الثورة.