مازالت الحدائق العمومية في بلادنا تعاني من التهميش واللامبالاة من السلطات، رغم أنها تتمركز في أماكن خلابة محاطة بالأشجار والورود.. إلا أن بعض المتطفلين عليها أفقدوها بريقها وعكروا صفوها، لتتحول إلى وكر للمنحرفين والمدمنين أمام مرأى الجميع. زيارة قادتنا إلى هذه الحدائق العمومية في ثالث يوم للعيد لرصد مدى إقبال الناس عليها لقضاء ساعات من الاسترخاء والاستجمام، فكانت الجولة من حديقة بيروت بشارع كريم بلقاسم إلى حديقة الحرية وصولا إلى حديقة تونس بشارع بوڤرة.. المشهد يختلف من مكان إلى آخر ولكن الصورة واحدة.. حديقة بيروت مكان لاسترخاء الجيران والأطفال.. حديقة جميلة مستوحاة من التصميم الفرنسي، تعود بك بمناظرها الخلابة إلى الحدائق القديمة التي تعود بأصولها إلى زمن الكلاسيكيات، أين يجد المواطن فيها راحة البال لما تحتويه من أشجار خضراء تسر الناظرين، يموجها هواء عليل ونسائم تجعل النفس تسترقي في عمقها. ولكن ما يعكر مزاج المواطن بعض المناظر التي تعكر صفو عشاق الراحة النفسية، نظرا لما يعم بها من صور خادشة للحياء بعيدة عن تقاليد بلادنا ومعتقداتهم. في ركن بعيد صادفنا مجموعة من الشبان كانوا يتأهبون لتناول الغذاء، خاصة أن تواجدنا بالمكان صادف الساعة الواحدة زوالا، لكن تواجدنا بعين المكان أزعج هؤلاء، ما جعلنا نغادر المكان بعد أن سلط أحدهم النظر علينا بطريقة غريبة. وبالمقابل صادفنا أيضا عجوز في السبعينات رفقة أحفادها جاؤوا لقضاء سويعات للتمتع بالنسيم العليل وشم هواء نقي واللعب في أحضان الحديقة التي هيأت للأطفال.. لكن وجود بعض الأفراد الدخلاء جعل منها مكانا مشبوها، بل البعض يخاف أن يطأها لكثرة الاعتداءات المسجلة فيها.. حسبما روى (جمال .ك) الذي قال إن هذه الحديقة اصبحت وكرا للمدمنين واللصوص الذين أصبحت لديهم عادة التعدي على الزائرين.. حديقة الحرية ملتقى العشاق في ”عصر الرومان” قادتنا الزيارة إلى حديقة الحرية في أعالي ديدوش مراد بالعاصمة. فرغم ضجيج الطرقات ودخان السيارات المحيطة بها، إلا أنها كسبت مكانة خاصة بها، حيث أن التصميم الهندسي وشكلها المتميز يجعلك في حديقة ساحرة وسط أشجار ونباتات متميزة ونادرة، بالإضافة إلى تصميم الصخور المحاطة بها يجعلك تتخيل كأنك في العصر الروماني الجميل، زينت ببركة من الماء تجعلك تتصور عصر المماليك والأفلام الرومانية الجميلة.. وفي كل مرة تصادف منظرا مختلفا، حيث تصعد السلالم التي تحفها أشجار مختلفة باسقة ممتدة إلى عنان السماء، تنبعث منها زقزقات العصافير التي تعشش فوقها. ولدى وصولنا لاحظنا أنها اصبحت ملتقى العشاق، تطبعها المشاهد المخلة بالحياء، وهو الأمر الذي يمنع العائلات من زيارتها، حسبما أكدته إحدى المواطنات التي تقطن بالحي المجاور..”الحدائق في السابق كانت ملجأ العائلات للتنزه وتناول الغذاء، المرح والهروب من ضغوطات العمل والمشاكل العائلية، لكنها تحولت في الوقت الحاضر إلى أماكن لالتقاء العشاق وفقدت بريقها في غياب الأمن”. من جهة أخرى، انتشرت ظاهرة الإعتداءات والسرقة على المواطنين، حسبما أكده أحد أعوان النظافة الذي وجدناه بمدخل حديقة الحرية، وأكد لنا أن الإعتداءات تتكرر كل يوم على رواد هذا المرفق العمومي.. اللصوص ينتظرون الزوار في ”تونس” و”تيفاريتي” قبلة العائلات جولة أخرى قادتنا إلى حديقة تونس بالأبيار، حيث استقطبنا تهيئتنا التي أظهرت جمالها بعد أن كانت مهملة، خاصة أنها تقع في قلب العاصمة وتقع في منحدر ”جنان الميثاق” الذي يعتبر من الأماكن الرسمية يستغل في الاجتماعات والمؤتمرات التي تنظمها الدولة. كما تعتبر حديقة تونس من أشهر الحدائق في العاصمة، تحتوي على ألعاب ترفيهية خاصة بالأطفال بالإضافة إلى وجود بعض الحيوانات مثل البط والإوز، لإضفاء جمال خاص على المكان، حيث قابلنا الحاجة ”فاطمة” التي أكدت لنا أن إعادة تهيئة هذه الحديقة سمحت للعائلات التلاقي وفتح مجال للأطفال للتمتع في أوقات الراحة، خاصة في العطل. ولكن ما يعاب على هذه الحديقة هو تواجدها على حافة الطريق الذي عادة ما يكون مزدحما بالسيارات، وهذا ما يشكل نوعا ما خطورة على الأطفال. من جهة أخرى أكد لنا أحد أعوان الأمن بالمكان أن الحراسة متوفرة بالمكان، خاصة أن حديقة تونس تقع في مكان استراتيجي بشارع بوڤرة، وهو من الشوارع الرئيسية بالعاصمة، بالإضافة إلى تواجد ”جنان الميثاق”، ما يعطي طمأنينة في القلوب، إذ أصبحت تستقطب عددا هائلا من العائلات، خصوصا في أيام العطل ونهاية الأسبوع، لاسيما بعد عملية التهيئة التي خضعت لها. وتغتنم العائلات توفر الألعاب بداخلها لاصطحاب الأطفال قصد الّلعب، المرح واسترجاع الأنفاس من أجواء الدراسة، تقول محدثتنا. من جهته، أكد أحد المواطنين كان رفقة أطفاله بالحديقة أن ”حديقة تونس هي منتزه العاصميين لما تحتويه من مناظر طبيعية خلابة، فهي التي تطل على منظر عام للعاصمة يمتد إلى طول شريط بلدية المرسى ببرج البحري، فلابد للعائلات التي تزور هذه المساحة الخضراء أن تحافظ على نظافة المحيط والاعتناء بجمال وسحر الطبيعة، لكن بالمقابل، على السلطات المحلية أن تسهر على حماية العائلات”. وفي طريقنا مررنا على حديقة ”تيفاريتي” بحي تيليملي بالعاصمة، هذه الأخيرة التي عانت من الإهمال واللامبالاة خلال سنوات الإرهاب، إلا أن السلطات تنبهت لجمال المكان وخططت مشروعا كبيرا لإعادة تهيئتها لتصبح مساحة لاستقطاب الزوار من عائلات وأطفال الحي، خاصة أنها تمتد من أعالي الابيار إلى حي كريم بلقاسم، حيث يتقاسم جمال هذه الحديقة البط والعصافير، بل أصبحت أيضا مكانا للتنزه على الأحصنة التي خصصها أحد الخواص مقابل 100 دج للجولة الواحدة، حيث يجوب الأطفال أطراف الحديقة للتسلية والترفيه، ويخيل للطفل أنه في مدينة الاحلام التي كان يتصورها في الأفلام والرسوم المتحركة. من جهة أخرى أكد لنا أحد رواد الحديقة أن الأمن مطلوب لحماية المواطن من اعتداءات المنحرفين، وعلى الجهات المعنية أن تدرج مخططا خاصا لحماية العائلات في الحدائق العمومية.