تعتبر الحدائق العمومية المتنفس الوحيد للعاصميين الذين يلجؤون إليها، هروبا من ضغط العمل وبحثا عن الراحة من شوارع العاصمة المكتظة والمختنقة بسكانها وزائريها، والإشكال اليوم هو المحافظة على سلامتها واستغلالها في إطار الترفيه والتسلية من أجل تمكين المواطنين من التوجه إليها والاستمتاع بها، لكن النقطة السوداء التي مازالت تعيشها بعض الحدائق هي غياب الأمن وانتشار ظاهرة الإعتداءات، وكذا الإنحلال الخلقي الذي شوه الصورة الجميلة للحدائق. اختارت “المساء” قلب العاصمة كنموذج للإطلاع على وضعية الحدائق العمومية، من خلال جولة ميدانية أخذتنا إلى أشهر أربع حدائق عمومية وهي؛ حديقة تونس، تيفاريتي، الحرية وكذا حديقة بيروت وصوفيا التي أكد بشأنها مدير مؤسسة تسيير المساحات الخضراء، أن أمنها ليس من مسؤوليته، والمواطن وحده المسؤول عن تخريب الحدائق العمومية. وقد كشفت الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى الحدائق الأربع، أن لهذه الأخيرة أوجه تشابه في ضمان راحة المواطنين لما تحتويه من أشجار خضراء تسرّ الناظرين، وهواء نظيف يضمن الإستقرار النفسي لمرتاديها، لكن الإشكال المطروح هو غياب الأمن من جهة وعزوف بعض العائلات عنها، نظرا لما يعمّ فيها من صور خادشة للحياء، بعيدة كل البعد عن التقاليد الجزائرية المحافظة.
حديقتا “الحرية” و "بيروت" ملتقى العشاق والسراق قادتنا الزيارة خلال هذا الروبورتاج إلى حديقتي “الحرية” و"بيروت” في أعالي ديدوش مراد بقلب العاصمة، حيث لاحظنا المزايا التي تتميز بها هذه الحدائق، على غرار الهدوء والسكينة، رغم ضجيج الطرقات ودخان السيارات المحيطة بها، كما أن التصميم الهندسي للحدائق وشكلها المائل يجعلك تتخيل أنك تتسلق جبلا، وفي كل مرة تصادف منظرا مختلفا، وبمجرد دخولك للحديقتين، تلاحظ صخرة عملاقة على شكل شلال، تتوسط بركة من الماء الطبيعي على شكل حوض للأسماك، ومن ثم تصعد السلالم المبنية على الطريقة الرومانية، والتي تحفها أشجار مختلفة باسقة ممتدة إلى عنان السماء، تنبعث منها زقزقة العصافير التي تعشش فوقها، ولدى وصولنا، لاحظنا أن حديقتي “الحرية” و”بيروت” أصبحتا ملتقى العشاق، تطبعها المشاهد المخلة بالحياء، وهو الأمر الذي يمنع العائلات من زيارتها، حسبما أكدته إحدى المواطنات التي تقطن بالحي المجاور، حيث أوضحت ل “المساء” أن الحدائق في السابق كانت ملجأ العائلات للتنزه وتناول الغداء، المرح والهروب من ضغوطات العمل والمشاكل العائلية، لكنها تحولت في الوقت الحاضر إلى أماكن لالتقاء العشاق وفقدت بريقها في غياب الأمن. من جهة أخرى، انتشرت ظاهرة الإعتداءات والسرقة على المواطنين، حسبما أكده أحد أعوان النظافة الذي وجدناه بمدخل حديقة “الحرية”، وأكد لنا أن الإعتداءات تتكرر في كل يوم على رواد هذا المرفق العمومي. من جهته، أكد أحد روّاد الحديقة أن هذا الفضاء الجميل لم تعط له الأهمية اللائقة به، وصار مرتعا للمنحرفين الذين يغتنمون فرصة قدوم الزوار للسرقة والاعتداء بالأسلحة البيضاء على الضعفاء، وحتى عمال الحديقة، مضيفا؛ “أنا أطلب من الجهات المعنية الاهتمام أكثر بالمساحات الخضراء وتوفير الأمن لكي تتمكن العائلات من اللجوء إليها بدون خوف، والاستمتاع بجمال الحدائق وسحرها، بدل حراسة المنحرفين”.
الحماية مطلوبة في حديقتي”تونس” و"تيفاريتي” زيارتنا الثانية قادتنا إلى حديقة “تونس” بالأبيار، حيث تعتبر من أشهر الحدائق في العاصمة، ولاحظنا أنها أكبر بقليل من الحدائق السابقة الذكر، كما أنها تحتوي على ألعاب ميكانيكية خاصة بالأطفال، وبعض الحيوانات مثل البط والإوز، وعادت الحركة والحيوية إلى هذه الحديقة التي كانت فضاء للإعتداءات سابقا، لكن الأمن مطلوب، حسبما أكده لنا أحد الأعوان، وجدناه بمدخل الحديقة، حيث أكد لنا أن حديقة “تونس” أصبحت تستقطب عددا هائلا من العائلات، خصوصا في أيام العطل ونهاية الأسبوع، لاسيما بعد عملية التهيئة التي خضعت لها، حيث تغتنم العائلات توفر الألعاب بداخلها لاصطحاب الأطفال قصد الّلعب، المرح واسترجاع الأنفاس من أجواء الدراسة، لكنها تحتاج إلى مراقبة دائمة من خلال تخصيص دوريات للشرطة لمراقبة المكان والحفاظ على الهدوء وسلامة المواطنين، يقول محدثنا. من جهته، أكد مواطن وجدناه داخل الحديقة رفقة أطفاله، أن حديقة تونس هي منتزه “العاصميين” لما تحتويه من مناظر طبيعية خلابة، فلابد للعائلات التي تزور هذه المساحة الخضراء أن تحافظ على نظافة المحيط والاعتناء بجمال وسحر الطبيعة، لكن بالمقابل، على السلطات المحلية أن تسهر على حماية العائلات، هذا المطلب وجدناه أيضا عند مرتادي حديقة “تيفاريتي” بحي تيليملي بالعاصمة، حيث أكد أحد رواد الحديقة أن الأمن مطلوب لحماية المواطن من اعتداءات المنحرفين، وعلى الجهات المعنية أن تعطي أهمية للحدائق بالعاصمة، وتخصص أعوان أمن يمنعون دخول المنحرفين إلى الحدائق.
على المواطنين التحلي بالثقافة البيئية أكد مدير مؤسسة المساحات الخضراء بالجزائر العاصمة “اديفال”، السيد كمال يعقوب ل “المساء”، أن المواطن يخطئ في توجيه أصابع الإتهام إلى مؤسستنا فيما يخص توفير الأمن للعائلات التي تقصد الحدائق للإستجمام والإستمتاع بأوقاتها، موضحا أن مؤسسة “ اديفال” لها مخطط سنوي تسطره ولاية الجزائر، ستعمل على تهيئة المساحات الخضراء والحرص على جمال الطبيعة من خلال الحفاظ على الأشجار والأزهار، لاسيما في الفترة الأخيرة التي اختلفت فيها الفصول، كما تتدخل “اديفال” في المناسبات الوطنية والأعياد لتجميل وتزيين الأحياء، إضافة إلى ذلك، تقوم بتحسيس المواطن بضرورة الحفاظ على الإرث الطبيعي للعاصمة بصورة خاصة، موضحا في نفس الوقت أن مخطط عملهم يضم 28 بلدية من أصل 56، والتدخلات تكون فقط على مستوى المقاطعة الإدارية للدار البيضاء، الحراش، حسين داي، سيدي امحمد، باب الوادي، بوزريعة، الشراقة وبئر خادم. واقترح السيد يعقوب تخصيص شرطة للحدائق تسهر على حماية المواطن ومتابعته بصفة قانونية، لأن أعوان الأمن الذين وضعتهم مؤسسة”اديفال”، لم يتمكنوا من السيطرة على المنحرفين الذين يتعاملون معهم بخشونة وأصبحوا يشكلون خطرا على المواطن، خصوصا خلال الفترة المسائية، حين يعملون على تقطيع الخيوط الكهربائية ليعم الظلام ويتسلقون جدران الحدائق للدخول إليها، حاملين قارورات الخمر والمخدرات في غياب المراقبة، مشيرا إلى أنه من غير الممكن أن تمنع أحدا من الدخول إلى الحدائق، فهي مخصصة للمواطنين جميعا، وعليهم الحفاظ عليها لأنها ملك لهم. وختم السيد كمال يعقوب حديثه بأن الحدائق العمومية عادت إليها الروح في السنوات الأخيرة مقارنة بالماضي، وأصبح المواطن يدرك أهمية الحفاظ على البيئة، كما تقوم مؤسسة “اديفال” بتحسيس المواطنين والأولياء من خلال تنظيم أبواب مفتوحة للمتمدرسين والكشافات الإسلامية في أيام العطل، للتحسيس بضرورة زرع النباتات والأزهار والحفاظ عليها، وعدم اقتلاعها أو تكسيرها، كما وجه محدثنا نداء للمواطنين، مفاده ضرورة التحلي بالثقافة البيئية والتردد على الحدائق العامة، فهي أُوجِدت من أجلهم، وحمايتها تكون من مسؤوليتهم. روبورتاج : نسيمة زيداني وتصوير مصطفى /ع