مرّت أمس الذكرى الثالثة لإسقاط بن علي في تونس، أو ما اصطلح عليه إعلاميا، ثورة الياسمين، الأحداث التي ألهبت الشارع العربي، وما زال لم يهدأ حتى الآن، وما زالت بلدان هذا الربيع المزعوم، لم تجد بعد طريقها إلى الخلاص، رغم سقوط الدكتاتوريات. في تونس التي ما زالت تحكمها حكومة انتقالية ورئيس انتقالي، رغم ما يشهده الشارع من غليان ورفض للنظام الإسلامي، قال رئيسها منصف المرزوقي الذي يبدو أن دفء برنوس الرئيس قد سحره، إنه يرفض أن يترك الحكم إلا لرئيس منتخب، مع أن المهلة القانونية للحكومة الانتقالية انتهت منذ أكتوبر الماضي، ومع ذلك ما زال حزب النهضة ذو الأغلبية في الحكومة يحاول ربح الوقت حتى يتمكن من السيطرة على مفاصل الدولة لضمان استمراره في الحكم. كلام المرزوقي فيه تحذير واضح لخصومه، خوفا من انقلاب أبيض مثل الذي حدث في مصر. وعلى ذكر مصر، فقد بدأت هناك معالم سياسة ما بعد 30 جوان تتضح أكثر، إذ بدأت تتعالى أصوات تطالب عبد الفتاح السيسي بالترشح للرئاسيات، مع أنه وعد بعد إطاحته بالرئيس الإخواني محمد مرسي، أنه سيسهر على انتقال ديمقراطي للحكم. وها هو اليوم يلين أمام الأصوات التي تطالبه بالترشح، وسيقبل باللعبة، ويعيد بذلك العسكر من جديد إلى الحكم. وسيكون هذا أسوأ قرار يتخذه السيسي، رغم الدور الإيجابي الذي قام به، بتخليص مصر من خطر الإخوان، وبذلك يصح وصف ما قام به السيسي في جوان الماضي بالانقلاب، بعد أن سعى إلى السيطرة على الحكم. صحيح أن الجماهير الواسعة التي أسقطت مبارك منذ ثلاث سنوات هي التي فوّضت السيسي لإبعاد مرسي، لكن كان على السيسي أن يسهر على تمرير الحكم بطريقة أكثر ذكاء. وكان عليه أن يجري انتخابات شفافة، وأن يترك للجماهير التي أعطته نوعا من الشرعية لعزل مرسي أن تختار رئيسا من خارج المؤسسة العسكرية. فالطبقة السياسية في مصر غنية بالأسماء التي كانت قادرة على قيادة البلاد. وكان بإمكان السيسي أن يبقى بعيدا عن السلطة ليضمن الانتقال السلس للحكم لتجنيب البلاد السقوط في خطر الإخوان أو أي حزب فاشي آخر. على السيسي أن يتجنب هذه المغامرة الخطيرة وأن ينأى بنفسه عن هذا، فمنصبه وموقعه أهم من أن يكون رئيسا للجمهورية. صحيح أن له شعبية جارفة، وإن ترشح سيتفوق على الجميع، لكنه من جهة أخرى سيقزّم نفسه في دور الانقلابي الذي استأثر بالحكم بعد أن كان بطلا قوميا. وأكثر من ذلك ستتسع دائرة خصومه التي لن تقتصر على الإخوان.