يقول المثل الشعبي ”يتعاركوا الفراد وينزل السّخط على البرواق”، أي يتناطح الثيران فيداس البرواق، وهي زهرة برية جميلة. اليوم تعيش الجزائر مرحلة حساسة لم تعرفها ربما منذ الاستقلال، وعراك على السلطة يذكرنا بأزمة صائفة 1962 التاريخية حسبما ترويها بعض الكتابات. وربما الوضع أخطر من 1962 لأنه في تلك الفترة لم يكن الشعب الذي خرج من ثماني سنوات حرب، و132 سنة استعمار، مدركا لمعنى السلطة والحكم، ولم يكن يعرف شيئا اسمه الملايير المنهوبة، ولا الفلل والشقق والأرصدة البنكية بالعملة الصعبة، كان فقط يعرف جماعة وجدة، وجماعة تونس ومجاهدي الداخل وما قاسوه من مرارة الحرب. ولذلك فالأمر يختلف اليوم، خاصة وأن جبهة التحرير لم تبق بعفة جبهة التحرير التاريخية، وإنما صارت مومسا تعاشر من يدفع أكثر. البرواق اليوم هم أبناؤنا في المدارس، يواجهون اليوم وحش الإضراب، من جهة والوضع السياسي المتعفن من جهة أخرى، لكن العراك على السلطة، أنسى المسؤولين ما يحصل في المدرسة من كوارث. أبناؤنا اليوم بأيدي الأساتذة الذين في كل مرة يتخذونهم رهينة لقضاء مآربهم، فمع كل دخول مدرسي تتصاعد وتيرة هذا النوع من العنف، ولا أحد يدفع الثمن إلا التلاميذ، إما بسنة بيضاء، أو بخصم نصيب كبير من البرامج الدراسية، والنتيجة التراجع الفاضح في المستوى الدراسي. ومدرسة وجامعة منكوبة لم تعد تبني الإنسان الجزائري الذي سيواكب عصره ويبني الجزائر ويحميها من المخاطر التي تتهددها. منذ أيام روت لي صديقة أن شقيقة الأمين العام لجبهة التحرير الوطني صاحب التصريحات القذرة، وهي عضو منتخب في أحد المجالس المحلية بولاية الوادي، أرسلت ابنها ذا الست سنوات للدراسة في فرنسا، ولما سألتها الصديقة لماذا الدراسة في فرنسا لطفل في السادسة من العمر، ردت هذه السيدة المنتفعة من منافع عصر الفساد ”وأين تريدين أن أعلمه؟ لم أجد مدرسة لائقة هنا”. وما هذه السيدة إلا واحدة من الآلاف الذين دمروا البلاد وأوصلوها اليوم إلى هذه الكارثة، ويعدوننا بتفجيرها في كل لحظة، فهم يتركون أبناءنا في مواجهة المصير المجهول، لأن مشاكل المدرسة لا تعنيهم، فهم اختاروا لأبنائهم وأسرهم أوطانا ومدارس بديلة، واختاروا لنا الخوف والإرهاب، ومدرسة منكوبة تتقاذفها الصراعات السياسية، فلا يهمهم من الجزائر إلا واردات النفط وكيف ينهبونها. أنقذوا المدرسة!؟