متشبعة بروح النضال التي توارثتها عن العائلة المجاهدة، ترمي بثقلها ووزنها بالملتقيات الوطنية والخرجات الميدانية الخيرية لحد الساعة، تملك روح الشباب، وحكمة العقلاء وشجاعة الرجال، من بين 5 فدائيات اللواتي لازلن على قيد الحياة بمدينة بن باديس ومن بين 20 امرأة اللواتي أسسن النواة الأولى للاتحاد النسائي والحركة النسوية بالجزائر في 63 وهي المخضرمة التي ندرت نفسها للتحرير ولم تفصلها عن واجبها ما بعد الاستقلال وممارسة النضال السياسي والاجتماعي مشبعة بأفكار جمعية العلماء المسلمين وهي التي ترعرعت بين أعضاء الجمعية كالبشير الإبراهيمي، العربي التبسي ومبارك الميلي. المجاهدة السيدة سديرة ليلى بنت بلكحل لعروسي من مواليد المدينة القديمة، نشأت في جو عائلي مميز هيأه والدها الذي كان من رفقاء العلامة عبد الحميد بن باديس، إذ كان يملك محلا تجاريا بالقرب من مدرسة جمعية العلماء المسلمين بالمنطقة الشعبية “سيدي بوعنابة “وهو ما جعلها تحتك بأفرادها ومؤسّسها العلاّمة، حيث تحول منزل والدها إلى مزارة لكل الأعضاء ومركز ثوري للمجاهدين والفدائيين. وقد كان ل”الفجر” حديث مطول مع السيدة التي استقبلتنا في بيت والدها العائلي بوسط المدينة وتحدثت بكل تواضع عن مسارها النضالي وحياتها منذ شبابها إلى غاية يومنا هذا، كما تبوّأت الصدارة في أي مجال اقتحمته وبإرادة قوية كان وراءها الوالد بلكحل لعروسي والوالدة المتشبثة بالعادات والتقاليد وعفة المرأة القسنطينية. تركت الدراسة رغم تفوقها واختارت المسار الثوري النضالي السيدة ليلى ولجت عالم التجارة في سن مبكرة، وهي ذات 10 سنوات بمحل الوالد وعوّضت مكانة الابن مع العلم أنها البنت رقم 3 من بين 8 أخوات، ما سمح لها حينها الاحتكاك بأعضاء جمعية العلماء المسلمين، بالمقابل لم تمنعها التجارة وعشقها لجمعية العلماء المسلمين من مزاولة دراستها والوصول لمرحلة الثانوية بجهدها الخاص وإخلاص كبير في تعليمها بعد أن تحكّمت في اللغة الفرنسية، حيث أخذت مكانتها وبجدارة بثانوية الحرية “لافغون سابقا” وافتكت مقعدا من بين 10 جزائريات فقط وصلن إلى الثانوي، واجتهدت رغم العنصرية والتمييز من قبل الإدارة الفرنسية. وقد حدثتنا عن مواقف عنصرية داخل القسم تحمّلتها من أجل مواصلة الدراسة، إلا أن أحداث 19 ماي وإضراب الطلبة غير مسارها الدراسي حين فضلت النضال والتحيز للثورة الجزائرية وتركت مقاعد الدراسة لتدعم وطنها المحتل، في حين أن أختها الشهيدة نفيسة بلكحل بدأت نضالها السري المسلح وانضمت إلى خلية بمدينة قسنطينة بالنظام الثوري عزّزه البيت العائلي الذي كان مأوى ومركز للمجاهدين والفدائيين. وهنا ظهرت نقطة التحول للسيدة سديرة، حيث اقتحمت العمل الفدائي بتسليم الرسائل والأسلحة الخاصة بالعناصر الثورية، إذ كانت في ريعان شبابها الوسيط الذي يقوم بتوجيه الرسائل وتسليم الأسلحة ومواعيد العمليات في فترة الشهيد حملاوي التي أثرت شخصيته الكاريزمية في نفسها مرتدية “الملاية” لتغير ملامحها، حيث وبفعل السرية التي كانت تكتنف العمل الثوري وإلى غاية 1962 كان الكثيرون يعتقدونها سيدة متقدمة في السن، وقد ساعد في نضوجها الثوري شقيقتها نفيسة أقرب أخواتها إليها والتي سقطت في ميدان الشرف في سن لم يتعد 25 سنة. وفي عام1957 وبعد سقوط أحد المجاهدين المنتمين إلى الخلية التي تضم عائلة بلكحل لعروسي بأيدي العسكر الفرنسي بمنطقة عوينة الفول، وبفعل العذاب أفشى بقائمة أسماء كل المنخرطين من بينهم نفيسة، حيث تم اعتقال العائلة ووضعت في سجن امزيان سنة 1957 الذي كانت تحكمه سياسة موليير البشعة، وتعرضت لأشد العذاب بغرض إفشاء باقي المعلومات، إلا أن العائلة بقيت صامدة وهو الأمر نفسه الذي تكرر مع ليلى سنة 58 بعد أن شهدت قسنطينة عدة عمليات فدائية وسنة 59 وظلت متعلقة بالثورة والعمل النضالي إلى غاية الاستقلال. مثلت النساء العربيات في كندا بعد انسحاب الوفود العربية في حرب 1967 تمخّضت في 1963 فكرة إنشاء منظمة نسوية بنشاط تنظيمي وسياسي وثقافي بدأت ب 20 امرأة، كانت محدثتنا أصغر ناشطة بها انطلقت بالشرق وتعمّمت وطنيا، حيث استهلت المنظمة نشاطها بالعمل الخيري من خلال الاعتناء بأطفال الشهداء، فتح مراكز تكوينية للتعليم. وقد أشارت في حديثها معنا إلى أن فرنسا أخذت كل الخيرات، بالمقابل فإن الشعب الجزائري كان صبورا، لتأتي بعدها نقطة الانطلاقة الفعلية بعقد المؤتمر الأول للمنظمة النسائية سنة 1965 تحت إشراف جبهة التحرير الوطني ليتم إنشاء تنظيم جديد بتوسع جبهات المنخرطات بعد التوجه إلى البلديات ومختلف الإدارات. ويتوسع نشاط المنظمة بعد ترأسها لاتحاد النساء الإفريقيات سنة 1974، السيدة ليلى اتخذت موقفا مشرفا كتبت عليه آنذاك الصحافة الكندية في 1967 أثناء انعقاد مؤتمر الاتحاد الدولي للنساء الديمقراطيات في الندوة الدولية للنساء من أجل السلام، حيث مثلت الجزائر بالندوة، وقد تزامنت مع اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية وانسحاب الوفود العربية. وهنا أخذت زمام الأمور وتحدثت باسم كل النساء العربيات ولم تغادر وتحدت حتى الدول الغازية. صفحة جديدة للنضال السياسي من 1963 إلى غاية 2011 السيدة ليلى حاليا عضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات وعضوا بمؤسسة بن باديس، الذي يترأسها الدكتور بوخلخال عميد جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وتشارك في جميع النشاطات النسوية والأعياد الوطنية رفقة وزارة ومنظمة المجاهدين وتمارس نشاطها النضالي والخيري وتسهر على توعية وتحفيز الشباب وتقدم له جميع الإمكانيات، وهي التي تصفه دوما بالفريد من نوعه والشباب رقم واحد في العالم وتقول دائما إن الخير في الشباب. والشيء الملفت في شخصيتها هو أنها لا تسعى إلى المناصب وتفضّل النضال الصامت القائم على الحب العذري للوطن.