بعد تعيينها رسميا على رأس وزارة الثقافة خلفا للوزيرة السابقة خليدة تومي بموجب تعديل الدستور الأخير الذي مسّ تغييرا كبيرا على مستوى الحقائب الوزارية، ينتظر من الوزيرة الجديدة الدكتورة والمخرجة السينمائية نادية شيرابي، استكمال ومراجعة ملفات ثقافية وفنية ضخمة كانت محلّ جدل في عهدة تومي. مشاريع كثيرة بدأت فيها تومي، التي يرتقب أن تتولى إدارة المركز الثقافي الجزائري بباريس، خلفا للروائي المعروف ياسمينة خضرا واسمه الحقيقي محمد مولسهول، الذي رجح استبعاده بسبب انتقاداته للرئيس بوتفليقة، ولم يسعفها الحظ في استكمالها، إثر إنهاء مهامها، أول أمس، بعد حكمها 12 سنة لوزارة الثقافة. عاصمة الثقافة العربية امتحان صعب وفي السياق، تشكلّ تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، أكبر تحدّ وأقوى امتحان يعترض طريق الوزيرة الجديدة نادية شيرابي، حيث عليها مسابقة الزمن لإنهاء المشاريع التي انطلق في تجسيدها منذ أكثر من سنة ولم تستكمل بعد، سيما وأنّ الوقت المتبقي عن موعد الحدث 11 شهرا فقط. فما ينتظرها إذن استكمال أشغال نسبتها 50 بالمائة مع مراعاة عامل الجودة والنوعية، منها 25 منشأة ثقافية كبيرة، و74 مشروعا لترميم التراث، ناهيك عن أشغال التحسين الحضري عبر عديد الأحياء التي تتطلب استثمارا عموميا قدر ب 60 مليار د.ج. كما يجب على الوزيرة الجديدة، فيما يخص اعتماد الجانب المتعلق بتنشيط هذه التظاهرة، أن تنظم اجتماعا تشاوريا مع مختلف المتدخلين ”فنانون وشخصيات ثقافية وأدباء وأديبات” من أجل ضبط البرنامج النهائي لهذا الحدث العربي الذي لا يفصلنا عنه إلا القليل. السينما: شيء من الظلم وشيء من الظلام قضية تراجع السينما بالجزائر مشكل كبير ما يزال معلقا بين المحسوبية والتهميش وقلّة الدعم، ينبغي أن يكون له حلّ وهاذا ما ينبغي أن تعمل عليه الوزيرة نادية شيرابي، وتتدارك ما أخطأت فيه تومي رغم جهودها المبذولة لتحسينه، كونها متخصصة في السينما وابنة القطاع ولها باع طويل فيه، كإصدار القانون الخاص بالفن السابع وتفعيل صندوق دعم للإنتاج السينمائي، وتنشيط تسيير قاعات السينما من طرف وزارة الثقافة بدل سلطات البلدية بعد تصريحات تومي السابقة باسترجاعها. فالخطوات المتعلقة بهذا الشأن باتجاه تنشيط قاعات السينما بعد أن احتكرت تسيرها لزمن طويل البلديات، من أجل إعادة ترميمها وفتحها أمام الجمهور، تحتاج إلى مزيد من الدعم لمواجهة عزوف عشاق السينما عن دخول قاعات العروض، بما يتطلب إعطاء اهتمام أكبر في القانون لموضوع الضرائب وفتح المجال أمام الخواص للاستثمار في بناء قاعات العرض، وضرورة النظر في بعض التلاعبات، حسب الوزيرة السابقة تومي، التي تهدف إلى الحصول على أموال من خلال صندوق الدعم ”لوفداتيك”، دون تقديم أي إنتاج سينمائي أو رفض فكرة أن العمل ملك للدولة، وغيرها من النقاط السوداء التي تعيق تطور السينما الجزائرية. وفيما يخص ما ينتظره السينمائي من الوزيرة الجديدة، يقول المخرج حميد بن عمرة الذي تعرض للإقصاء في وزارة تومي من خلال منع فيلمه ”شيء من الحياة، شيء من الحلم” من العرض في الجزائر: ”أذكرها بقول المتنبي: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره... إن استوت عنده الأنوار والظلم”. مشيرا أنّه يفتح قوسا يقول فيه ”أفتح رسالة عنوانها... شيء من الظلم، شيء من الظلام”. سوق الكتاب وفوضى النشر والتوزيع هاجس آخر سيشكل عقبة مخيفة في طريق نادية شيرابي، وأحد أبرز اهتمامها، إنّه الكتاب وسوق النشر والتوزيع، حيث يكون ضمن أجندتها الثقافية الجديدة التي يؤمل أن تحمل خيرا للمجال، من خلال رفع السحب والتوزيع ممّا يؤدي حتما إلى تخفيض الأسعار وتسهيل وصول القارئ إلى الكتاب. لكن يرى بعض المثقفين أنّ الوضع سيكون كسابقه دون تغييرات أو تطوير في هذا القطاع الحساس الذي ظلّ يعاني ومبدعوه من مشاكل كثيرة أرقتهم، وجعلت الكتاب الجزائري غائبا عن المكتبات العربية والأجنبية، إلا ذلك الذي ينشر عن طريق دور نشر أجنبية. الروائي لحبيب السايح: شيرابي ضمن حكومة تسيّر ولا تتصور يعتقد الروائي والأديب لحبيب السايح بأنّ نادية شيرابي، لا تحمل مشروعا شخصيا ولا غيره بل نابع من تكتل أو حزب أو جبهة منظمة، تملك قدراته البشرية ووسائله المالية وفضاءاته الهيكلية وأدوات إنجازه. ويرى بأنّ الوزيرة الجديدة ستكون ضمن طاقم حكومي يسيِّر، لا يتصور. ومن ثمة فستجد نفسها تنفذ ما يجب عليها تنفيذه.. ولا غيره نابعا. مؤكدا في حديثه مع ”الفجر” أنّ هامش المثقف في المؤسسات الرسمية ضيق جدا. من هنا الصعوبة التي قد تواجه السيدة نادية شيرابي في مهمتها الوزارية. الثقافة في الجزائر، باعتبار خصوصيتها، في حاجة إلى تبني مشروع كبير شجاع، جريء وواقعي من أجل تنمية الوحدة الوطنية وترقية الخصوصية وتثمين الكفاءة الإبداعية. عبد الرزاق بوكبة: عليها تنقية القطاع من الطفيليين واستبدالهم بالنخبة بدوره يقول الكاتب عبد الرزاق بوكبة ل”الفجر” بأنّ لشيرابي شبكة علاقات ثقافية واسعة، وتملك الرزانة الكافية في التعامل مع الآخرين، وهي كلها مؤهلات ستساعدها على القيام بواجبها الوزاري، غير أنّه يعتقد بأنّها لا تذهب بعيدا إذا لم تملك الجرأة على تنقية القطاع من الأذرع المكسورة والطفيليين والريعيين باسم الثقافة، واستبدالهم بنخبة حقيقية ذات خبرة وكفاءة ونزاهة في خدمة الثقافة الوطنية. ويؤكد في السياق على أنّ هناك رهانات حقيقية تنتظر القطاع، وهي مدعوة لأن تحققها إذا أرادت أن تكون في مستوى اسمها والمنتظر منها، ومن بين هذه الرهانات التكوين. قائلا ”إذ لا نملك فضاءات عرض محترفة في السينما والمسرح والتشكيل والموسيقى، ولا بد من توفير المعايير العالمية في ذلك، من حيث الفضاءات ومن حيث الكفاءات. كما نحن بحاجة إلى خلق مهرجانات جادة ومحترفة ذات سمعة عالمية في شتى الفنون، لذلك فهي مدعوة إلى توقيف هذا الركام الشعبوي من المهرجانات المستنسخة، واستبدالها بأخرى محترفة وقادرة على صناعة وعي فني وثقافي للشارع الجزائري. أمّا فيما يتعلق بالكتاب فيؤكد بأنّ الكتاب ورهان التوثيق يجب أن يتصدر قائمة الأولويات هو ورهان التسويق الثقافي، فمن العيب كما قال ”ألا تتوفر الجزائر على مجلات محترمة في الآداب والفنون، وعلى جوائز ذات قيمة ومصداقية، إلى جانب مبادرات تصب في تثمين الجهد الإبداعي في البلاد”. داعيا الوزيرة الجديدة إلى التنسيق مع وزارات التربية والتعليم العالي والخارجية والشؤون الدينية لجعل الفعل الثقافي يتغلغل في النسيج العام للمجتمع لا أن يبقى مجرد أحداث تذهب مع الريح. المهرجانات بحاجة لإفراج غير مشروط غياب المهرجانات الفنية والسينمائية والتظاهرات المسرحية عن عديد المدن الداخلية، صورة أخرى تعكس انتهاج نمط المركزية، حيث يكشف بقوة تنظيمها بمدن معروفة وعلى رأسها العاصمة ووهران، هذا الأسلوب يستدعي مراجعة من طرف الوزيرة الجديدة، حسب بعض الفنانين، مع ضرورة تفعليه بعيدا عن تكريس الرداءة، والدليل مهرجان وهران للفيلم العربي الذي يظهر بوجه شاحب في كلّ دورة، وتبرز المركزية بالعاصمة في فعالية السينما المستقلة أو أيام الفيلم الملتزم ومهرجان السينما المغاربية ومهرجان الرقص المعاصر والموسيقى الأندلسية، ومعرض الكتاب الدولي ومهرجان الأدب وكتاب الشباب ومهرجان الموسيقى الكاسيكية وأخرى كلها تحيل إلى اعتماد المركزية، وتهميش مدن أخرى جديرة باحتضان مثل هذه التظاهرات، ولو بتفعيل دور الثقافة فيها وإتاحة الفرصة للشباب المبدع للبروز. هنا نشر الفنان المسرحي هارون الكيلاني على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك تعليقا جاء فيه ”كثير من الأمل في وزيرة الثقافة الجديدة، الأكاديمية نادية شرابي. إنها أكثر من مدرسة، وأتمنى أن تكون الأغواط على موعد مع الثقافة الحق.. ولأنها أكاديمية أستاذة وسليلة النخل والرمل والمدائح الصوفية”.