يبحث عدد كبير من الصائمين في شهر رمضان عن وسيلة لقتل الوقت والانشغال عن تأثير الجوع والعطش إلى غاية موعد الإفطار، وكل واحد من هؤلاء يمتلك عادات تجعل الوقت لديه يمر بالسرعة المرغوب فيها. ينقسم السواد الأعظم من الجزائريين إلى ثلاث مجموعات، الأولى وجدت في الأسواق والمساجد أماكن مفضلة للتسكع، في وقت لجأت المجموعة الثانية إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث هناك عالم آخر وزخم كبير من الصفحات لتداول نوادر الجزائريين والتعبير عن آرائهم تجاه واقع الصائم في الشهر الفضيل. كما يحلو لصنف آخر، خاصة من ذوي الراحة ومن هم في عطلة سنوية، الركون إلى النوم لغاية ساعات متأخرة، فيتحول ليلهم إلى نهار ونهارهم إلى ليل.. هكذا يجد جزائريون الدقائق طويلة وثقيلة وتمر ساعات وكأنها دهور، و في كل لحظة تشرئب العيون لساعة الحائط أوتتحسس ساعة في اليد أو الهاتف.. أين وصل الوقت؟!. الأكل بالعين قبل الفم.. يشهد القطاع التجاري أوج نشاطه خلال هذه الفترة، حيث يعتبر من أكثر المستفيدين من إقبال الصائم على قضاء وقته، حيث يرتاد جحافل من المواطنين رجالا ونساء، صغارا وكبارا، الأسواق ويتجولون بنظرهم بين الخضر والفواكه واللحوم والأسماك والحلويات والخبز وغيرها من المواد الاستهلاكية، التي تستهوي الصائم وتدفعه إلى إلى إدخال يده في جيبه، وقد ينتهي به الأمر إلى ترك السوق بعد أن يكون قد صرف كل ما لديه من مال.. وكم من صائم يحدثك أنه أقدم على شراء بضاعة لم يكن يفكر في شرائها ولا يحتاج إليها اطلاقا، وأنه اشتراها ولم يأكلها، لا لشيء إلا لأنه رآها فاشتهاها. في مشاهدة طرائف الصائمين.. متعة! ويجد أغلب الصائمين المتعة في التسكع بالأسواق المزدحمة، لأن ذلك يشعرهم، كما قال السيد زوبير، بالسعادة في متابعة الحركة التي يكون عليها بعض الصائمين ومشاهدة بعض المواقف الطريفة التي تحدث يومي. ومن عادات السيد ”علي” الذي يعمل موظفا ببلدية تالة ايفاسن شمال ولاية سطيف، التوجه مباشرة إلى السوق عندما يغادر عمله ليس لغرض الاقتناء بل لمشاهدة طرائف الجزائريين من شجارات ونعرات وملاسنات، ليقضي هناك أكثر من ساعتين، حاله حال العشرات من الصائمين الذين وجدوا ضالتهم في الأسواق الشعبية اليومية لقتل وقتهم خلال يوميات الشهر الفضيل. وقد أبدى هؤلاء امتعاضهم الشديد تجاه بعض المظاهر السلبية في هذه الأماكن التي تعكر صور سعادتهم، مثل سماع بعض الألفاظ المخلة بالحياء بين البائع والمشتري وبعض التصرفات غير الأخلاقية التي لا تليق بالصائم. مساجد تتحول إلى مراقد.. يفضل الكثير من المصلين أخذ استراحة القيلولة في المساجد، لاسيما المزودة بالمكيفات الهوائية التي تتحول إلى شبه مراقد في رمضان في ظل الحرارة العالية وطول فترة الصيام، فالزائر لمساجد عاصمة الهضاب العليا مثلا هذه الأيام يرصد الأعداد الكبيرة للمصلين المترامين هنا وهناك في مشهد أشبه بالجنائز. ورغم تعليمات الوزارة الوصية التي تمنع تحويل المساجد إلى مراقد، إلا أن إصرار الصائمين على هذه العادة حال دون تطبيقها، حيث أكد لنا عدد من أئمة ومسيري المساجد بعاصمة الهضاب العليا أن المصلين، خاصة عقب صلاتي الظهر والعصر يمتنعون من مغادرة المساجد عقب انقضاء الصلاة، لاسيما أن البعض منهم يمكث في المسجد بحجة قراءة القرآن، وسرعان ما تجدهم في سبات عميق.. .. وزخم كبير في العالم الإفتراضي وفي الوقت الذي تتسم الأجواء بالبرودة في الشوارع بعيدا عن الأسواق والمساجد، تجد ثورة عارمة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة ”الفايسبوك”، حيث يعمد كل من يتقن أبجديات الأنترنت إلى الاستئناس بهذا الفضاء الذي يجمع بين الملايين من الأشخاص في ساعات من الجنون والدردشات اللامتناهية مصحوبة بالتعليقات الساخرة، التي تترجم واقع الصائم في الجزائر. ففي صفحة ”يوميات شاب جزائري في رمضان” مثلا، والتي تستقبل آلاف الزوار، يستمتع الصائمون بمقولات منسوبة إلى الزعيم الألماني الراحل أدولف هتلر وكلها مرتبطة بالصيام، إلى جانب اقحام رياضة كرة القدم والمنتخب الوطني في التعليقات الساخرة، وكذا التغني بطاولة الجزائرين التي تحوي كل أنواع المأكولات..