تتجه أنظار العالم اليوم صوب تونس التي تستعد لإعلان نهاية المرحلة الانتقالية التي أعقبت إسقاط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إثر ثورة شعبية اندلعت جراء تراكم مشاكل اجتماعية وسياسية وحقوقية، أدت إلى إقدام المواطن ”البوعزيزي” على الانتحار حرقا، بمنطقة سيدي بوزيد، وهي الحادثة التي فتحت الأبواب أمام التونسيين للخروج إلى الشارع والتعبير عن غضبهم للتهميش والحڤرة التي تطالهم بشكل مستمر على حساب طبقة ضيقة تشمل حاشية بن علي والطرابلسي، وتوسعت الاحتجاجات لتشمل كل بلاد تونس، تطالب برحيل النظام وهو ما حدث. خرج اليوم التونسيون لاختيار رئيس للبلاد من بين مرشحين اثنين تمكنا من المرور إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي عرفت جولتها الأولى مشاركة 28 مترشحا، دون حضور ممثل عن التيار النهضوي الإخواني، في سابقة تركت الجميع في الداخل والخارج، ”مصدوما” على اعتبار أن حركة راشد الغنوشي، مسكت بزمام الحكم بعد سقوط نظام بن علي، وفازت بأغلبية ساحقة في انتخابات المجلس التأسيسي، وشكلت الحكومات وفق فكرة ”الترويكا”، واستحوذت على مختلف دواليب السلطة، لتنسحب إثر تصاعد بوادر أزمة كادت أن تعصف بثورة الياسمين وتحول البلاد إلى فوضى تأكل الأخضر واليابس. وتركت النهضة الأمور إلى حكومة مهدي جمعة، بعد جلسات حوار استقرت على ضرورة منح السلطة التنفيذية لطاقم مستقل يكلف بضمان نجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية وكتابة الدستور، وقد بلغ مرحلته الأخيرة من التكليف، وينتظر انتهاء مهمة مهدي جمعة اليوم عمليا. وقد عرفت الجولة الأولى من الرئاسيات في تونس، تنافسا شديدا تطور في الكثير من الأحيان إلى تلاسن وتبادل اتهامات، وانزلقت الأمور في بعض الأوقات إلى حدوث تصادمات، غير أن وجود بعض المؤسسات المستقلة التي أنشئت لمرافقة العملية الانتخابية حال دون استمرار الانزلاق، كالهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي ضربت بقوة ولم تعتمد على التفضيل والتمييز بين المترشحين، ما جعل الجميع سواسية أمام القانون، سواء كان رئيس الجمهورية أو اضعف مرشح. وخفت حدة الحملة الانتخابية في الدورة الثانية التي انتهت أول أمس، بسبب تواجد منافسين اثنين من جهة، والاستفادة من تجارب الحملة الانتخابية خلال الدورة الأولى من جهة أخرى، حيث أقام المرشح القوي الباجي قايد السبسي، ومنافسه منصف المرزوقي، المتهم باستقطاب التيار الإسلامي، احتفالات ومهرجانات في ختام حملتهما، استعدادا ليوم الحسم الذي سبقه يوم ”صمت انتخابي”، الذي عرف هدوء تام رغم أن شريط الفيديو الذي تم نشره عبر مختلف المواقع الالكترونية المحسوبة على الجماعات المتطرفة، كان حديث المقاهي والصحف وحتى السياسيين والمسؤولين، لما جاء فيه من تهديدات إرهابية من عناصر تونسية متطرفة، كانت بالأمس القريب في ضيافة منصف المرزوقي بقصر قرطاج، انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ”داعش”، بسوريا، بعد فرارهم من بلدهم باتجاه ليبيا أين احتضنتهم الجماعات الإرهابية، لكن وبحكم مستوى المجتمع التونسي ورغبته في الخروج من النفق إلى بر الأمان، وإعلان القطيعة مع الممارسات السابقة، والانطلاق نحو التفكير في مستقبل البلاد والعباد، دفع الجميع إلى الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي في تحدي للتهديدات الإرهابية التي قال عنها وزير الداخلية لطفي بن جدو، إنها لن تثني من عزيمة التونسيين في إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام ونجاح، لأن المقصود من شريط الفيديو إرباك التونسيين والتأثير على سير الانتخابات، وأوضح أنه تم وضع إجراءات أمنية لمنع تحقيق الإرهابيين لمبتغاهم.