في الكثير من الأحيان تمكنت التعاونيات المسرحية في الجزائر من إثبات دورها على الساحة المسرحية الوطنية والدولية، وذلك من خلال نيلها العديد من الجوائز في المهرجانات الجزائرية، العربية والدولية، في حين نجد مسارح جهوية تمول إنتاجاتها المسرحية من ريع وزارة الثقافة، لكن في المقابل تقدم أعمالا مسرحية لا ترقى إلى المستوى، وهو ما يطرح السؤال حول الهوة الحاصلة بين مشروع ينجز بصفر دينار وبين آخر تصرف عليه الملايين وينفر الجمهور من حوله، ومع قرب المهرجان الوطني للمسرح للمحترف، يعود الجدل حول كيفية انتقاء الأعمال المشاركة وحتمية إدراج المسرحيات المنتجة من قبل المسارح الجهوية، في حين سيتم الاكتفاء بعدد قليل من مسرحيات أنتجتها التعاونيات. فيصل شيباني
إبراهيم نفناف رئيس ”تعاونية النهضة المنايلية” ”كل من هب ودب أصبح فنانا” قال رئيس تعاونية النهضة المنايلية، إبراهيم نفناف، أن التعاونيات المسرحية في الجزائر تدعم نفسها بنفسها، وهذا بعدما تنتج عملا مسرحيا جيدا، فتبدأ بتسويقه في المسارح الجهوية ودور الثقافة المختلفة عبر ربوع الوطن، كما أنها لا تنال أي منحة من البلدية أو الولاية، رغم هذا يعتبرها نفناف تنتج مسرحيات وتنظم دورات أكثر من الجمعيات الممولة من طرف الدولة أو المسارح الجهوية التي تأخذ الملاير وتنتج مسرحية واحدة في السنة تلعب 15 مرة. وأضاف نفناف أنه رغم غياب التمويل والدعم المالي من طرف الوزارة الوصية، فالكل يدري أن التعاونيات هي القلب النابض للمسرح الجزائري ”يقولون عنا بأننا تجار ولكن هنا أطرح سؤالا وهو هل في الخارج الدخول إلى المسرح يكون مجانا؟”. وفي السياق نفسه، يقول رئيس تعاونية النهضة المنايلية أن التعاونيات المسرحية بقيت وحيدة في العشرية السوداء، منها تعاونية عبد القادر علولة، تعاونية مسرح القلعة، بن ڤطاف، وصونيا وعز الدين مجوبي، تعاونية السنجاب، كل هذا سنوات التسعينات، حيث اغتيل علولة ومجوبي، وكل المسارح الجهوية لم يكن لها إنتاج، واليوم كل من هب ودب دخل المسرح الجهوي وأصبح فنانا محترفا: ”كانت التعاونيات المسرحية رؤساؤها مسرحيون واليوم أصبحنا نجري وراء ورقة من الوزارة، ورقة سماح بالنشاط المسرحي عرقلت عدة تعاونيات في توزيع إنتاجها”.
عقباوي الشيخ رئيس تعاونية ”فرسان الركح” التعاونيات المسرحية لا زالت تتأرجح بين قانون التعاونيات الفلاحية وقانون الجمعيات يعتبر المخرج المسرحي ورئيس تعاونية فرسان الركح أن للمسارح فرص نجاح واستمرار أكثر من التعاونيات والجمعيات، لأنها تحوز الاعتراف القانوني والمعنوي من أعلى سلطة في البلد، فمدراء المسارح يعينون بمراسيم رئاسية ولها استقلاليتها المالية والإدارية وميزانياتها ثابتة، ناهيك عن توفر الفضاء وملاءمته تقنيا وفنيا، وهي الهياكل ”المسارح”، أما التعاونيات فلا زالت تتأرجح بين قانون التعاونيات الفلاحية وقانون الجمعيات الذي يعدل دائما وفيه ثغرات كبيرة ومقيدة لتحرك هذه الفرق، كما أنها تشحت أماكن التدريب والفضاءات وتبقى رهينة مزاج هذا المدير أو ذاك، وتنتظر وتتنافس على فتات الدعم المقدم من الوزارة أو السلطات المحلية، وأغلب إبداعاتها تكون افتراضية لغياب الوسائل التقنية والفنية اللازمة، إضافة لعدم استقرار المنتمين إلى هذه الفرق، لأنه ليست هناك أي إغراءات مالية أو تحفيزات اجتماعية، لذلك ترى الذهاب والرواح دوري في صفوفها، وهي في الغالب فرق الشخص الواحد إذا زهق توقفت المجموعة. المخرج المسرحي هارون الكيلاني ”الأعمال المسرحية المحترفة في الجزائر بعمر الفراشات” إن المتجول في سجل المسرحيات سيقلب بسرعة صفحاته بقدر العدد الكبير للأعمال تبقى أعمارها قصيرة ومسافاتها أقصر، وتنتهي ديكوراتها وألبستها إلى مقبرة النسيان فتتكئ إلى بعضها كاليتامى يموتون في صمت. رغبة طيبة عند أغلب مدراء المسارح الجهوية في احتضان تجارب جديدة ونيل أكبر قدر من تقرير آخر السنة، يبين فيه عدد الأعمال وعدد الجمهور والفنانين المتعاقد معهم، ولكن غول الإحصاء لا يرحم ويوهم الكثير أن العدد هو إنتاج وبرهان عمل، في حين عالم الفن يحتاج إلى الجودة وتشجيع الإبداع وفتح حقول البحث لدولة عمرها الاستقلالي نصف قرن، فمن حقها البحث عن ملامح جديدة فيها الوفاء للرعيل السابق، وتفكير باعتبار للأجيال القادمة. إن أعمال المؤسسة العمومية وإن كان هدفها الأول الخدمة العمومية، تبقى مسؤولية التربية والترفيه والتعليم الاجتماعي من مهامها الأكثر ترقبا وارتكازا، وبغض النظر عن الكثير من النوايا الطيبة لأغلب مدراء المسارح، كما أسلفت، يؤلمني كممثل أولا أن أفارق دوري ولباسي وأكسسواراتي ولم أثبت فيها عرق ما بعد 30 عرضا، ويؤلمني ثانيا كمخرج أن تساق ألواح وأقمشة العرض وغيرها إلى مخازن ومحاشر المسرح وإلى الأبد، وثالثا ورابعا و...، يحزنني أيضا أن لا تشاهد كل مدن وطني ما نصنعه من المتعة الإنسانية. ما العمل إذن ؟ تبقى تراودني نفس الحيلة، إذ أعدني مخرجا يحمل فكرة، بأن أتوجه بفكرتي إلى الجمعيات والتعاونيات لأضمن لأطفال أفكاري نموا متينا وعمرا مديدا، ولكن صدقني حتى في هذه الطريق تحفنا مخاطر سوء الذبح في أولادنا بقدر التقرب بقربان الفرجات، بقدر ارتكاب ذنب في طريق لا يحمل معالم التنبيه والإرشاد، في طريق محفوف بالمفاجآت، أولها فريق العمل، ثم التنقل، ثم لجان التحكيم التي يا ما قتلت إبداعا، ومن الردة غير المنتظرة لقانون الدعم أو الرعاية. ويمكن إن اقترحت الآن فيما يشبه الدواء بأن تشترك المؤسسة العمومية مع التعاونيات أو الجمعيات الفاعلة في دعم المشاريع الجادة والأفكار المتينة الواعية وخاصة الإنسانية، حتى لا تموت النصوص في دائرة الزمن أو المكان، وتشترط المؤسسة أن تصمد الأعمال عبر الزمكانية وتؤسس للفكر والوعي الجمعي، وكل هذا لا يتأتى إلا باهتمام من رأس الحكم ورغبة المجتمع في كسب قوته العقلي. عبد الغاني شنتوف رئيس جمعية المسرح الجديد لمدينة يسر ”بعد 2006 خلقت حركية مسرحية في الجزائر” ما هي المشاكل والعراقيل التي تعترض التعاونيات والجمعيات المسرحية في الجزائر؟ العراقيل التي نواجهها كجمعيات تكمن في البدايات، خاصة فيما يخص استخراج الأوراق وتكوين الملف وكذا طلب الاعتماد، بحيث تستغرق العملية الكثير من الوقت، ما يشكل صعوبات على الجمعيات في الانطلاق في مجال المسرح بالجزائر. كيف يتم تمويل الأعمال المسرحية بالجزائر؟ بعد سنة 2006 شهد المسرح الجزائري انتعاشا فيما يخص عملية التمويل، ما خلق حركة نشاط مسرحي عبر التراب الوطني، فنجد بوزارة الثقافة صندوقا لتطوير الفنون وترقيتها، يتم من خلاله تدعيم الجمعيات والتعاونيات والمسارح الجهوية التي تقدم وتنتج أعمالا مسرحية، إضافة إلى البلديات التي تمنح 5 بالمئة، إلى جانب دور الشباب والرياضة التي تقدم هي الأخرى بعض المساعدات. وهل تعتمد التعاونيات والجمعيات على المال الخاص لتمويل الإنتاج المسرحي؟ نحن نختلف عن المسارح الجهوية، فهي تابعة لهيئات الدولة الثقافية، ونحن كجمعيات لدينا نشاطات مسرحية حرة، هدفنا إعادة الجمهور الجزائري إلى المسارح وقاعات العروض، ومن هذا المنطلق نقوم كجمعيات بإنتاج أعمال فنية مسرحية نحاول تمويلها بمالنا الخاص، ونشارك عبرها في العديد من التظاهرات والفعاليات عبر الوطن أو خارجه، ونحاول أن نصنع إنتاجا محترفا يمكننا من نيل جوائز ومكافآت مالية، وبعدها نقوم بإنتاج أعمال مسرحية أخرى والعملية تتواصل. كيف يمكن اليوم إعادة استقطاب الجمهور الجزائري إلى قاعات العروض والاهتمام بالمسرح؟ الخطوة الأولى تكمن في التكوين، فيجب اليوم إعادة النظر في هذه النقطة الجد مهمة، والتي تعد الأساس في المسرح، ثانيا يجب تقديم المشاهد النوعية للجمهور في العمل والإنتاج المسرحي الذي يجب أن يرتقي إلى الجودة، كما يجب الاهتمام بكل الجوانب التي نبني عليها عملا مسرحيا، على غرار الجانب التقني الذي يعد اليوم شيئا جد مهم في المسرح المحترف، وفي الأخير يجب تخصيص جانب كبير من الاهتمام بالإشهار، فاليوم يجب الاستثمار في الإشهار لاستقطاب أكبر عدد ممكن إلى المسرح ومن ثم تمويل الأعمال المسرحية. هل أنتم مع إخضاع المسارح الجهوية للأدوار التصفوية المؤهلة لدخول المسرح المحترف بالجزائر العاصمة؟ يجب على الجميع الدخول في تصفيات مؤهلة، فالكل سواسية، ليس هناك محترف وهاو، يجب على الجهات المنظمة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف إعادة النظر فيما يخص عملية انتقاء المشاركين، النقطة جد مهمة، خاصة أن المسرح المحترف ليس مرآة المسرح الجزائري، لذا يجب على الجميع الدخول في تصفيات، فنحن نعرف أن الاحتراف الحقيقي يكمن في التكوين والعمل المتواصل، ففي الجزائر لا نجد مدارس ولا مؤسسات للتكوين، وفي الجزائر هناك نوع من الاستصغار بالجمعيات والتعاونيات، نحن نؤمن بعروض جيدة وعروض رديئة، كلنا خريجو المعاهد الجزائرية، فعلى الجميع القيام بالتصفيات، لماذا نحن نذهب إلى ڤالمة وبلعباس والمسارح الجهوية لا.