جميل أن يلقى القبض على كمال الدين فخار، أحد المحرضين في أزمة غرداية، لكن أين الآخرين، من الجهة الأخرى، هؤلاء الذين ينشرون الرعب على صفحات التواصل الاجتماعي ويدعون لقتل الميزابيين (الإباضيين) ويكفرونهم، أمثال بوداود وسقلاب وغيرهما؟ يجب تنقية المنطقة من كل رؤوس “الفتنة” وإن كنت أكره هذا التعبير حتى لا أعطي للأزمة طابعا دينيا وعرقيا مثلما يريد السلفيون المندسون في المجتمع الغرداوي بفئتيه الأمازيغية والعربية، أن يصوروه ويجعلون من الصراع صراعا دينيا طائفيا، ويكذبون بأن كل عشرين رمضان يقتل الإباضيون العرب ويحتفلون بمقتل علي؟ لماذا لم نسمع بأحداث قتل من هذا القبيل قبل اليوم، قبل أن يزور الصعاليك أمثال سقلاب المملكة؟! على السلطة أن تكون صارمة ولا تتعامل بالكيل بمكيالين في هذه الأزمة، خاصة وأن الأعيان الكبار من المجتمعين العربي والأمازيغي يرفضون هذا الصراع ويرفضون وصفه بالطائفي ويرفضون أي تدخل أجنبي، حتى أن سفارة سلطنة عمان (إباضية) حاولت الاستفسار عن حقيقة الأزمة، فرفض الميزابيون تدخلها. لا بد أيضا من الإسراع بوضع قوانين صارمة للجريمة الإلكترونية، فالمناوشات كانت ستكون محدودة، لولا الحرب الإلكترونية التي أشعلها الطرفان، بالتحريض على القتل والتكفير، إلى درجة وصف البعض الإباضيين بالخوارج ودعوا إلى قتلهم. لا بد من القبض على كل من كتب ولو حرفا واحدا يحرض على العنف والكراهية، ومنها تلك الصور المفبركة المأخوذة من مواقع أردنية وبحرينية وتونسية وقالوا إنها لضحايا عرب أو ميزابيين. هكذا أشعل الشارع العربي في ليبيا وتونس وسوريا ومصر، بالصور المفبركة وبإعلام مغرض. لأعد إلى هؤلاء الذين يصرون على أن لا حل في غرداية إلا بترحيل العرب، والادعاء بأن الميزابيين هم أصحاب الأرض والمالكيين العرب غزاة جاءوا يسرقون أرضا غير أرضهم. هذا طرح خطير ويدفع به جماعة “الماك” التي هي الأخرى مثل السلفيين تصب الزيت على النار في غرداية. لهؤلاء الذين يتسعينون بالتاريخ لتبرير أحقية الإباضيين في البقاء وضرورة ترحيل العرب، أقول لماذا لا تستعينون بالتاريخ لإيجاد أسباب التعايش السلمي بين المجتمعين مثلما حدث ذلك طوال قرون؟ وأقول للجاهلين بالتاريخ والمنادين بالتصفية العرقية إن الإباضيين ليسوا كلهم أمازيغ، الإباضية أصلا مذهب عربي، والإباضيين جاءوا من الحجاز هروبا من سخط الخلفاء (سموهم بالخوارج)، جاءوا من سلطنة عمان (الإباضية) ثم انتشروا في شمال إفريقيا، مرورا بإقليم زنجبار وإثيوبيا، قبل أن تستقر غالبيتهم في “تيهرت” (تيارت) وتؤسس الدولة الرستمية، ثم انتقلوا إلى سدراته بنواحي ورڤلة، قبل أن يؤسسوا مليكة، ثم بونوة، وبني يزڤن سنة 1050 وغرداية سنة 1053، وقتها احتضنتهم القبائل البربرية الأمازيغية (بني ميزاب) الذين استقروا في المنطقة قبل ميلاد المسيح، فأخذ الأمازيغ عنهم الدين الإسلامي (المذهب الإباضي)، وأخذ الإباضيون العرب اللغة الأمازيغية. فالإباضيون في غرداية ليسوا كلهم أمازيغ وإنما عرب أيضا، حتى وإن كانوا يتحدثون الأمازيغية (الميزابية). فمنطق من خلق الأول البيضة أم الدجاجة، لا يمكن أن يحل المشكلة التي تتفاقم كل يوم بسقوط المزيد من القتلى، وكل شبر من الجزائر ملكنا جميعا، عربا وقبائل وميزابيين وشاوية، ويهود ومسيحيين، ولا أحد من حقه طرد الآخر من بيته مثلما يحدث هذه الأيام، ومثلما يحاول البعض الزج بالميزابيين في تبني تصفية عرقية، لتحقيق مكاسب سياسية على جثثهم، وأعني هنا انفصاليي “الماك” هؤلاء الذين تنشر صفحاتهم الاجتماعية النار، وتريد أن تدفع بانفصال غرداية ليفتح لهم طريق تحقيق مشروعهم الجهنمي. لهؤلاء الذين يناشدون “بان كيمون” والمجتمع الدولي للتدخل لحماية الميزابيين من بطش العرب، أقول سيتدخل بان كيمون لحمايتكم مثلما حما الأيزيديات، وراهبات معلولة، وكل الأقليات التي تسبي داعش نساءها وتذبح رجالها. ألم تستخلصوا الدرس بعد مما يحدث؟ لن يأتي بان كيمون، ستأتيكم “داعش” على دبابات الناتو، وستبيع الميزابيات المصونات والعربيات في سوق السبايا، وستهدم مئذنة بني يزڤن، وسيحرق النخل ويحل الخراب. سيروا وراء فرحات مهني وكمال الدين فخار وسقلاب وغيرهم وسترون الجحيم! لن تبقى وقتها غرداية تلك البطاقة البريدية الجميلة التي تحكي تاريخ المنطقة وعادات مجتمعها العريق؟!