في قضية مواجهة الإرهاب يأتي الموقف الروسي متطابقاً تماماً مع الرؤية المصرية، وتبدو قناعات الرئيس فلاديمير بوتين متناغمة لأقصى درجة مع توجهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، فالإثنان لا يفرقان ما بين جماعات أصولية تدّعي السلمية ك ”الإخوان المسلمين” وبين أخرى تذبح وتحرق وتقطع الأجساد أمام الكاميرات ك ”داعش”. الفارق بين الموقفين الروسي والأميركي في مسألة الإرهاب يبدو واضحاً للمواطن البسيط في أي مكان من العالم، فما بالك في مصر أو الدول العربية التي تعاني، منذ هبت عليها شظايا الربيع العربي، نار الإرهاب، فالروس خاضوا حرباً ضد الإرهاب وواجهوه واحتشدوا ضده، واتخذوا الإجراءات واتبعوا السياسات لمحاربته والتصدي له، وسعوا دائماً إلى معاونة الدول التي يضربها الإرهاب ويعبث بمكوناتها ويهدد استقرارها، ولم يرصد أي طرف تعاوناً خفياً بين الروس والجماعات والتنظيمات الإرهابية، أو استخدامهم الإرهابيين لتحقيق مصالح بعينها، أو لضرب أنظمة تعادي روسيا أو لا يرضى عنها الكرملين. الحال بالنسبة الى الأميركيين بالطبع يختلف، إذ صار معروفاً أن الأجهزة الأميركية تتعاطى مع جماعات إرهابية وفق الأحوال، تحاربها علناً وتحشد الدول ضدها، وتوجه حاملات الطائرات والصواريخ نحو أعضائها وتلقي بقنابلها فوق رؤوسهم في أماكن ومناطق ودول، وتغتال بطائراتها التي هي من دون طيار رموزهم، لكن إذا رأى جهاز أميركي أن من المصلحة التعامل مع هذه الجماعة أو تلك، أو هذا التنظيم أو ذاك، لإيذاء نظام أو شعب فلا مانع! لذلك فمن الطبيعي أن يزور السيسي موسكو أربع مرات في غضون سنتين، ولا يلتقي الرئيس أوباما إلا مرة واحدة، أثناء حضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. الواضح هنا أن الفارق بين السيسي ومن سبقوه أنهم اختاروا دائماً ما بين موسكو أو واشنطن، ودائماً كانت علاقات مصر مع أي من الدولتين العظميين على حساب الدولة الأخرى، بينما يتعامل السيسي مع الدولتين وفق المصلحة التي ستتحقق لبلده. ولا شك في أن الموقف الأميركي المريب من ثورة 30 حزيران (يونيو) وعلاقات أجهزة أميركية عدة ب ”الإخوان المسلمين” حتى الآن يُغضب القاهرة، حتى وإن أبدت إدارة أوباما تسليماً بالأوضاع الجديدة في مصر، وسارت في اتجاه اتفاق استراتيجي معها. التعاون مع روسيا يسير بوتيرة أسرع، فبعد إسقاط ”الإخوان” بأشهر، وتحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2013، تم تفعيل آلية ”2+2” وعقد لقاء بين وزيري دفاع مصر (آنذاك) عبدالفتاح السيسي وروسيا سركي شويكر، ووزيري الخارجية آنذاك نبيل فهي وسيرغي لافروف في القاهرة، أُعلن بعده توقيع اتفاق تعاون مشترك بين الجيشين. وفي شباط (فبراير) 2014 قام السيسي بصفته وزيراً للدفاع بزيارة موسكو والتقى بوتين الذي أثنى على قراره الترشح للرئاسة، وتم التوقيع على صفقة أسلحة تشمل مقاتلات حربية ومروحيات وأنظمة دفاع جوي ومنظومات صاروخية، وعقدت خلال الزيارة جولة جديدة من لقاءات آلية ”2+2”. وبعد انتخاب السيسي رئيساً، زار روسيا في آب (أغسطس) 2014 وردَّ بوتين الزيارة في شباط الماضي، وتم خلال الزيارتين الاتفاق على تعاون وعقود عسكرية لم تعلن بنودها، فضلاً عن توقيع بروتوكولات تعاون في مجالات عدة، منها التوقيع خلال زيارة الرئيس الروسي للقاهرة على بروتوكول مبدئي بخصوص بناء روسيا محطة للطاقة النووية في الضبعة. وزار السيسي موسكو في أيار (مايو) الماضي، لحضور احتفالات موسكو بانتصارها في الحرب العالمية الثانية. ورغم التأكيدات أن تطور التعاون مع روسيا ”ليس موجهاً ضد أحد”، ورغم تحسن العلاقات مع الولاياتالمتحدة عمّا كانت عليه إثر رحيل ”الإخوان” عن الحكم، إلا أن القاهرة تجد التعامل مع الروس أكثر سلاسة، ومن دون ”لف ودوران”، وإذا أقدمت القيادة الروسية على إجراء أو قرار فإنها تنفذه، بينما تختلف الحال مع الأميركيين، إذ يحتاج إلى أعصاب فولاذية وقدرات خارقة على تحمل الألاعيب والمؤامرات، ناهيك بالطبع عن المقايضات. زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري مصر في آب الجاري، ورأس مع نظيره سامح شكري الحوار الإستراتيجي بين البلدين، الذي تم تقليصه من يومين إلى يوم واحد، وانتهى بمؤتمر صحافي أكد فيه الوزيران الاتفاق على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري. إنها العبارات التقليدية التي تعكس مستوى العلاقات ”التقليدية” أيضاً. المحصلة أن وجهة النظر المصرية الرسمية والشعبية تقوم على أن روسيا قد تمارس أحياناً سياسات لا ترضيك لكنها لا تتعمد الإضرار بك، بينما الأميركيون يتسببون في إيذائك عمداً ويطلبون منك أن تكون سعيداً.