تابعت قبل نحو شهرين على الصحافة منتدى نظمه أحد الأحزاب بعنوان ”الإرهاب المعولم” عكف فيه المجتمعون على دراسة أثر الإرهاب على التنمية وعلى النسيج الاجتماعي في الجزائر. وتوصل الحضور إلى إجماع أن الإرهاب ”فرض على البلاد مضاعفة الإنفاق العسكري والأمني حتى صار أقرب إلى اقتصاد حرب”. وفي الأيام الأخيرة تابعت تعاليق عدد كبير من قراء الصحف عن خبر حول صفقة سلاح جديدة بين الجزائر وروسيا تقتني بموجبها الجزائر أسلحة وتجهيزات للقوات البرية والبحرية والجوية.. معظم التعاليق تتباكى على مليارات الدولارات التي تنفق على العتاد الحربي، فيما الناس يشتكون من نقائص كثيرة في ظروفهم المعيشية. كلا أيها الخبراء، الجزائر ليست في اقتصاد حرب ولا هي قريبة من اقتصاد حرب، لأن اقتصاد الحرب قرار وسياسة، واقتصادنا بلا قرار ولا سياسة. تقديركم إذن خطأ شائع. كان الأحرى بكم أن تقولوا أن البلاد في اقتصاد عبث وتبديد وحرق أعصاب. لكنكم مثل من كبرت فيهم ”حاسة الجوع” حتى صاروا يطالبون بأكل الكلاشنيكوف والصاروخ والغواصة والبذلة العسكرية وقعتم في مطب النظرة السطحية والاستسلام لمسار العبثية المنتهج. هل الإنفاق العسكري هو من يضغط على معيشة الجزائريين ويقلص القدرة على الاستثمار وتوفير حاجات الناس أم نهب وتحول مليارات الدولارات كل عام إلى عواصم الدول الاأنبية عن طريق شركاتها التجارية العاملة في الجزائر؟ لماذا لا نبحث عن طرق مبتكرة لتوفير كل ما نحتاج تحت سقف ”تحريم تحويل دولارات النفط والغاز للخارج مهما كان؟”. نعم يمكن أن نبتكر طرقا توفر لنا المال وترفع القدرة على الاستثمار الداخلي وإيجاد مئات الآلاف من مناصب الشغل الحقيقية. فمثلا لو أغلقنا كل وكالات بيع السيارات الجديدة، واستغنينا عن استيرادها لأننا لا نصنع سيارات، وعوضنا عنها بفتح المجال أمام إقامة وكالات لاستيراد وبيع السيارات المستعملة، سنجد بالتأكيد مئات من رجال التجارة الجزائريين والمغتربين يتكفلون بهذا القطاع، وعوض أن تتحول أموال النفط إلى الخارج، تتحول أموال المغتربين إلى الداخل بشكل سيارات تباع ويعاد استثمار أموالها في قطاعات أخرى كمواد البناء والزراعة والخدمات وما إليها. ابحثوا عن المشكلة في المساحات التجارية الكبرى التي تشتري سلعا جزائرية بالدينار وتبيعها للجزائريين بالدينار ثم تحول الأرباح إلى ”العملة النفطية” في آخر المطاف، كأنما أنتجت لنا ثروة. ابحثوا عن الخلل في شركات المناولة والخدمات التي تسير توزيع المياه وغيرها من الأمور المشابهة ثم تأخذ أرباحا من عائدات النفط، ألا نقدر على تسيير مثل هذه الشؤون وقد سيرناها لعشرات السنين قبل أن نبتلى بما ابتلينا به الآن؟ في شارع ديدوش مراد أو العربي بن المهيدي بالعاصمة أو في أي شارع كبير آخر بكبريات مدن البلاد توجد محلات لبيع أدوات الزينة المستوردة والأحذية والملابس، برر وجودها حضور شراكة جزائرية بقاعدة 51/49. في آخر العام يأخذ الشريك الأجنبي حصته من المال من مداخيل النفط بعدما يحول أرباحه إلى عملة صعبة في البنوك. لو يغلق وكلاء السيارات نوفر المليارات ولو أغلقت المحلات التجارية التي لا مبرر لها لوفرنا المليارات. ولو أوقفنا شركات المناولة والتسيير لكسبنا المليارات. كل هؤلاء يتاجرون بالدينار في الجزائر ويحولون أموالهم بالعملة الصعبة التي يحصلون عليها من مداخيل النفط. ثم يبقى موضوع كبير آخر يخص الاختيارات أيضا، إن واصلت الجزائر ”التصنيع” المزور مثلما حدث مع ”ورشة سمبول وهران”، فإن فاتورة الإفلاس ستكبر. فنحن نشتري سيارات مفككة بأموال النفط. نركبها في وهران ثم تحصل فرنسا على نصيبها المقدر ب 49 بالمائة بأموال النفط أيضا.. ماذا كسبنا في العملية؟ الاقتصاد السليم يقتضي أن لا يستثمر الأجنبي في بلدنا إلا فيما يمكن أن يصدَّر للخارج، يعني أن يأخذ هذا الأجنبي قسطه من المال الذي تصدر به سلعته وليس من مال النفط. أما اقتصاد الحرب فهو بالتأكيد أكثر صرامة من هذا.. فليته اقتصاد حرب.