* ” بوتين يراهن على تحالف مع إيران التي يقودها رجال دين فاقدين للوعي السياسي” اتصلت ”الفجر” بالكاتب والباحث التركي محمّد زاهد جول، المهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية وما يتعلق بتجربة حزب العدالة والتنمية للوقوف عن كثب عن مضمون بيان الأركان الروسية، وتداعيات الإجراء الرّوسي، بوقف جميع الاتصالات العسكرية مع أنقرة على خلفية إسقاط سلاح الجو التركي طائرة ”سو-24” الروسية وإمكانية تعديه إلى مجالات أخرى للتعاون بين البلدين. الفجر: صدر مؤخرا بيان عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية تحدّث عن قرار موسكو وقف جميع اتصالاتها العسكرية مع أنقرة على خلفية إسقاط طائرة ”سو-24”،صاحبه، إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن إلغاء زيارته إلى تركيا، كانت مبرمجة يوم أمس. ما تعليقكم؟ زاهد جول: العلاقات التركية الروسية كانت دائما على المحك. كثيرة هي القضايا التي اختلفت فيها السياسة التركية مع السياسة الروسية في العقود والسنوات الأخيرة، ومنها في سنوات الحرب الباردة، ومشكلة البوسنة في بداية التسعينيات، والحرب الشيشانية، ومشكلة شبه جزيرة القرم عام 2014، فضلا عن خلافات كثيرة في العديد من المسائل الدولية، ومن أهمها الاختلاف على الصراع في سوريا، فروسيا قادت تحالفها في المسألة السورية مع إيران على حساب تحالفها مع تركيا، بالرغم من أن تركيا أقدر من إيران على حفظ المصالح الروسية في سوريا، ولكن بشرط تغيير نظام الحكم في سوريا وإبعاد بشار الأسد، وهو أمر لا محالة متحقق ولو بعد سنوات، فلن يستطيع بشار الأسد الصمود مهما قدمت له إيران من مرتزقة مقاتلين، ومهما قدمت له روسيا من دعم جوي فلن يستطيع البقاء في الحكم، وهو بالفعل خارج الحكم، حيث لا يسيطر على أكثر من 17٪ من الأراضي السورية، بعد مجيء روسيا إلى حمايته وتثبيت حكمه في سوريا. الفجر: هل ستتأثر العلاقات بين البلدين لتشمل أصعدة أخرى؟ علما بأنه توجد علاقات تعاون بين البلدين في كثير من المجالات؟ زاهد جول: بالرغم من وجود مسئولين روس يدعون للتقارب مع تركيا، عقب التوترات التي عرفتها العلاقات الروسية التركية، خلال الشهرين الماضيين، نتيجة انتهاك الطائرات الروسية للمجال الجوي التركي، في المناطق المتاخمة للحدود السورية أكثر من مرّة، إلاّ أن السلوك العسكري الرّوسي ”المريب” تواصل في انتهاك الحدود التركية، فالطائرات الروسية تواصل انتهاك الأراضي التركية وكأنها ”تتقصد” فعل شيئا ما، أو لديها خطة مخفية، وكأن لديها أهدف من تهديد الحدود التركية السورية، وقد يكون منع إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، ومنع أي تحرك للمعارضة السورية عبر الحدود التركية السورية، وكان روسيا تحاول السيطرة على الحدود السورية التركية وتريد إحكام سيطرتها على هذه الحدود، باعتبار أن الجيش الروسي هو المهيمن على الأراضي السورية، ويعمل على منع أي تحرك على الحدود السورية الخارجية. لقد دعا عدد من المسؤولين الروس إلى تهدئة الوضع والعمل على المصالحة مع القيادة التركية في الانتهاكات السابقة، ومنها تصريح ممثل روسيا الدائم لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ”ألكسندر غروشكو” حيث قال بتاريخ 7أكتوبر2015 :” إنّ روسيا لا تكنّ العداء للدّولة التركية وإنّ القيادة الروسية تنظر لتركيا على أنها دولة صديقة”. وأكّد: ”أنّ القيادة الروسية لا تمتلك خطط عسكرية تجاه الدّولة التركية”. وكذلك قال الممثل الروسي الدائم لدى الاتحاد الأوروبي ”فلاديمير شيجوف”: ”إنّ تركياوروسيا لا يوجد بينهما عداء وإنّ روسيا تعتبر تركيا من الدّول الصديقة وتربطهما شراكات واسعة في مجالات عدّة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ العلاقات التركية الروسية لا تنحصر في مجال الطاقة فحسب، بل هناك العديد من المجالات الأخرى التي تتعامل فيها الدّولتان مع بعضهما البعض”، وأكد أن المسؤولين العسكريين الروس يراقبون الوضع العسكري في سوريا عن كثب، وأنّهم جاهزون للجلوس مع نظرائهم الأتراك لمناقشة كافة التطورات هناك. الفجر: فلماذا تأزمت الأوضاع بين الدولتين إلى هذه الدرجة إذن ؟ زاهد جول: هنا يتم طرح سؤال مهم على القيادة العسكرية الروسية، وهو لماذا أصرت الطائرات الروسية على انتهاك الحدود التركية؟ بالرغم من تحذير الأتراك لهم مراراً؟ وهل سعت القيادة العسكرية الروسية إلى إرسال الطائرة الروسية سوخوي 24 إلى انتهاك الحدود التركية لافتعال هذا الإسقاط؟ أم أن القيادة الروسية العسكرية في سوريا قد حصلت على إحداثيات خاطئة من جيش بشار الأسد، لاختلاق صراع تركي روسي؟ فالجميع يتذكر أنّ العلاقات التركية الروسية شهدت نوعاً من التوتر عقب اختراق طائرة روسية للمجال الجوي التركي في الأسبوع الأول للتدخل العسكري الروسي في سوريا، وكان ذلك في ولاية هاطاي الجنوبية وما أعقب ذلك من تحرش الطائرات الروسية التي تنفذ طلعات جوية في سوريا، بالطائرات التركية التي تقوم بدوريات على طول الخط الحدودي، فالتحرك الروسي على الحدود التركية مثير للريبة والشك!!. لقد كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واضحا مع روسيا منذ الانتهاكات الأولى للطائرات الروسية للحدود التركية، فقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معلقا على الانتهاك الروسي للمجال الجوي التركي، ”إن حلف شمال الأطلسي (ناتو) اتخذ موقفا حيال ذلك، ونثق أنه سيستمر في اتخاذه بعد الآن، لأن أي هجوم على بلادنا يعد هجوما على الناتو”، وأضاف أردوغان ”ينبغي على روسيا أن تعرف أنها إن فقدت دولة صديقة كتركيا، التي تربطها بها علاقات تعاون في الكثير من المجالات، فإنها ستفقد أشياء كثيرة”، مذكرا أن بلاده تستضيف أكثر من مليوني لاجئ سوري، ونحو 300 ألف عراقي في أراضيها، دون التمييز بين مسلم، وإيزيدي، ومسيحي، مضيفا ”بشار الأسد تسبب بمقتل نحو 350 ألف شخص، ويمارس إرهاب دولة، غير أن هناك من يحميه، مثل إيرانوروسيا. الفجر: اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ إسقاط سلاح الجو التركي طائرة ”سو-24” الروسية طعنة في الظهر من الجانب التركي ما تعليقم؟ زاهد جول: لقد صرح رئيس الوزراء التركي ”أحمد داود أوغلو” قبل إسقاط الطائرة الروسية بمدة غير قصيرة: ”بأنّ القيادة التركية أصدرت تعليمات بوجوب إسقاط الطائرات التي تخترق المجال الجوي التركي، وذلك دون النظر إلى هوية الطائرة والجهة التي قامت بعملية الاختراق”. فالروس لا ينبغي أن يعتبروا إسقاط الطائرة الروسية المنتهكة للحدود التركية طعنة بالظهر، لمجرد كونها لم تقم بعمل عدواني، لأن دخولها الأراضي التركية بعد كل تلك التحذيرات عمل عدواني سافر. لقد تعمدوا تجاهل التحذيرات التركية. والتصريحات السياسية التركية لم تنفك تحذر من السياسة الروسية الجديدة في سوريا، فقد قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، ”إبراهيم قالين”: ”إن التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية بذريعة محاربة ”داعش”، خلق ديناميات جديدة في أحد أكثر الحروب دموية في الذاكرة الحديثة، وستكون له تداعياته على النظام العالمي الحالي الهش”، وقد بين قالين: ”إن روسياوإيران تستخدمان تنظيم ”داعش” مبررا لإنشاء تحالف جديد في الشرق، محذرا من أن التوترات الطائفية في المنطقة تتصاعد”، ومشيرا إلى تحذير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن المشاركة الروسية في الحرب السورية، ستخدم نظام الأسد فقط، وستزيد من عزلة روسيا في العالم العربي والإسلامي. وأكد قالين: ”على ضرورة إعطاء الأولوية لتمكين المعارضة السورية المعتدلة، لإنهاء الحرب في سوريا، والقضاء على ”داعش”، وبدء عملية جديدة من التحول الديمقراطي والتعددية السياسية في سوريا”. كما أشار لأهمية إنشاء منطقة آمنة في سوريا، خالية من ”داعش”، ومن هجمات نظام الأسد”. وكذلك قال نائب رئيس الوزراء التركي ”يالجين أكدوغان”، تعليقًا على حادثة انتهاك الطيران الروسي للمجال الجوي التركي، إن ”الحدود هي شرف الدول، وانتهاكها بهذا الشكل يأتي بمثابة انتهاك لسيادتها”، وقال: ”إن القضية السورية، هي ضحية ميزان القوى العالمية. وتشهد اليوم، حرب داخلية كبيرة. وتحولت إلى معادلة معقدة جدًا. الفجر: كيف تنظرون إلى التدخل الروسي في سوريا؟ زاهد جول: من الواضح أن العمليات الروسية الأخيرة ليست ضد تنظيم الدولة الإسلامية ”داعش” كما تدعي موسكو، وهذه المواقف الرسمية التركية شاركت فيها المعارضة التركية أيضاً، فقد أفاد نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري المعارض، بأن: ”انتهاك الطيران الروسي للمجال الجوي التركي أمر غير مقبول”. وقبل إسقاط الطائرة الروسية قامت الطائرات الروسية بقصف مواقع التركمان السوريين في ريف اللاذقية، وقد احتجت تركيا على ذلك واعتبرته عملا غير مبرر حيث لا يوجد في تلك المناطق تنظيم داعش ولا فصائل سورية مسلحة، فهي منطقة مدنية، فلماذا تقوم الطائرات الروسية بقصفها إلا بهدف توتير العلاقات مع تركيا، وفي صباح اليوم الذي أسقطت فيه الطائرات التركية الطائرة الروسية وجهت الحكومة التركية طلبا إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لتأمين الحماية اللازمة للمدنيين السوريين والتركمان منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، وذلك عبر رسالة بعثتها بهذا الخصوص، فقد طالبت القيادة التركية الأممالمتحدة بالتدخل الفوري لوقف الاعتداءات التي تنفذها قوات النظام السوري المدعومة بميليشيا حزب الله اللبناني وبغطاء جوي روسي، ضدّ المدنيين العزل في منطقة جبل التركمان، وأعربت تركيا في رسالتها عن قلقها إزاء التطورات العسكرية الحاصلة في تلك المنطقة، مشيرة إلى وجود قتلى وجرحى في صفوف المدنيين نتيجة إلقاء المقاتلات الروسية للقنابل العنقودية على المنطقة، وقد أوضحت تركيا في رسالتها أنّ منطقة جبل التركمان خالية من عناصر تنظيم داعش وجبهة النصرة، وأنّ الغارات الروسية على تلك المنطقة لا يمكن إدراجها تحت مسمّى مكافحة الإرهاب. الفجر: هل تعتبر أنقرة أن الطائرة أُسقطت في سوريا أم داخل الأراضي التركية؟ زاهد جول: لقد جاء إسقاط الطائرة الروسية صباح يوم 24 نوفمبر 2015، وفق قواعد الاشتباك التي أقرها حلف الناتو قبل شهر، وليس وفق قواعد الاشتباك التركية فقط، وقواعد الاشتباك التي حددها الناتو هي إنذار الطائرات الروسية مرتين خلال دقيقتين فقط، فإن لم تستجب الطائرة المعادية فإن الدولة المعنية يحق لها إسقاطها. ورغم ذلك فإن الطائرات التركية قد حذرت الطائرتين الروسيتين من نوع سوخوي 24 أكثر من مرتين وأكثر من دقيقتين، فاستجابت واحدة، وبقيت الطائرة الثانية تتجاهل الإنذارات التركية لعشر مرات وخلال خمس دقائق كاملة، بحسب الرواية التركية أولا، والتي أكدتها التقديرات العسكرية لحلف الناتو بطلب من تركيا، وقد أصدر حلف الناتو بيانه بعد ثمانية ساعات من وقوع الحادثة لتؤكد بان الطائرة الروسية قد خرقت المجال الجوي التركي. الفجر: بماذا تفسرون ردود الفعل الروسية إزاء إسقاط الطائرة إذن ؟ زاهد جول: للأسف فإن ردود الفعل الروسية على إسقاط الطائرة، تزيد الوضع سوءا، فالتهديد الروسي بأن البارجة الروسية ستقوم بضرب أي مصدر يهدد الطائرات الروسية يعني أن روسيا سوف تكرر ضرب مواقع المعارضة السورية المعتدلة، لسبب أنّ هذه القوى قامت بإسقاط طائرة مروحية روسية بعد ساعات من إسقاط الطائرة الروسية سوخوي24، وإعلان هيئة الأركان الروسية مقتل جندي روسي كان على متن الطائرة المروحية، وبالتالي فإن رئاسة الأركان الروسية إن لم تكن في حالة رد فعل غير عقلاني، فإنها تدفع بالمنطقة إلى مزيد من التدهور والخسارة، بينما الأفضل لها تهدئة الأوضاع، والعمل مع الأتراك لحل الأزمة السورية وفق الرؤية الدولية الكبرى، التي تضمن المصالح الروسية، بينما الرؤية الإيرانية تضمن لروسيا مزيدا من الخسائر العسكرية والمعنوية. الفجر: ما رأيكم في التقارب الروسي الإيراني ؟ زاهد جول: قلت إن العلاقات التركية والروسية على المحك، فإما أن تندفع روسيا وراء التهور الإيراني في الحرب في سوريا ودفع فاتورة قتلى وخسائر عسكرية للجيش الروسي لا حدود لها، وإما أن تعمل وفق الرؤية الدولية والتركية بان بشار الأسد قد فقد صلاحيته كرئيس جمهورية، وهذه الرؤية التركية يؤيدها المجتمع الدولي، الذي يطالب روسيا بأن تعمل معه على محاربة الإرهاب، بينما بوتين يراهن على تحالف مع دولة واحدة في العالم هي إيران، التي يقودها رجال دين فاقدين للوعي السياسي المعاصر، ويعيشون في كهوف التاريخ، وروسيا غير معنية ب”الهرطقة المذهبية الطائفية الإيرانية”، ولا بمغامرات الحرس الثوري الإيراني في البلاد العربية، وإلا فإن خسارة روسيا ستكون اكبر، وهو ما لا ترجوه تركيالروسيا ولا لنفسها.