تونس مرة أخرى. تونس فجيعة أخرى تضاف إلى سلسلة الفجائع التي هزت العالم هذا الأسبوع. فبعد فجائع باريس ولبنان ومصر، وفجائع العراق كل يوم، وباماكو التي وقعت فيها جماعات الشر بالدم مقتل قرابة العشرين، لتضاف إلى سجل الجماعات الإرهابية سواء اسمها القاعدة أو داعش أو بوكو حرام، أو جبهة النصرة. فالعالم يغرق في الظلام وفي الجنون وكأن الله في حاجة إلى هؤلاء الشياطين لإعلاء كلمته وليكونوا ظله في الأرض. كتب أحدهم على جداره في الفايس بوك يقول كلما سمعنا عبارة ”الله أكبر” إلا وقلنا لطفك يا رب، فالتكبير صار عنوانا للدم والقتل وقطع الرؤوس وحرق الناس أحياء، ”الله أكبر” صارت مرادفا للموت والرعب واقترنت بالسواد الذي يلف العالم. قبل فجيعة تونس التي راح ضحيتها أزيد من 15 ضحية من الحرس الرئاسي، والتي لا أدري جاءت صدفة وتزامنت مع انتقاد الرئيس المؤقت السابق منصف المرزوڤي لهذه الهيئة، أم كان مخططا لها بناء على تلك التصريحات، كانت سوريا مسرحا مثلما كل يوم لمعارك طاحنة، معارك لم يعد عنوانها الديمقراطية في سوريا، وإنما مسرح لحرب كونية تستحيي من أن تقول اسمها. فأول أمس أسقطت تركيا طائرة سوخوي حربية روسية فوق التراب السوري، بأمر من الرئيس التركي الطيب أردوغان، الذي اتهمها باختراق الأجواء التركية، مع أن خريطة مسار الطائرة المنشورة في المواقع الإعلامية أمس، تثبت أن الطائرة السوفياتية لم تخترق الأجواء التركية. والأدهى من كل ذلك أنه بمجرد الإعلان عن الواقعة خرج الرئيس الأمريكي أوباما، مؤيدا العملية، ويقول إنه من حق تركيا أن تدافع على حرمة أجوائها، ما يعني أن الطيران التركي تحرك بإيعاز من الناتو، أو بالأحرى أن أمريكا تريد من وراء العدوان التركي هذا إشعال فتيل حرب عالمية، لأنها تعرف أن بوتين الذي هدد منذ يومين فقط كلا من السعودية وقطر وتركيا بقصفها في حال تعرضت القوات الروسية إلى عدوان من هذه البلدان، أنه لن يسكت وسيرد، بضرب تركيا، وهو ما يبحث عنه أردوغان الذي لم يعد يخفي أطماعه في التراب السوري، ليس بمحاولة تغيير التركيبة البشرية في المدن المحاذية للحدود التركية فحسب، بحيث تصبح غالبية تركية. ومنذ أيام فرضت الجماعات الإرهابية هناك على التجار والسكان السوريين التعامل بالعملة التركية بدل السورية مع تعريض المخالف للتعليمات لأقصى العقوبات، قد تذهب حد القتل، ما يعني أن أردوغان يريد ضم أراضي سوريا عنوة، مستغلا النزاع ليفرض منطقه عند رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، ولن يفعل هذا دون أن يكون تلقى ضمانات من حليفته أمريكا. وأيضا أراد من وراء هذه الضربة التي أثبتت مدى تورط تركيا في دعم الجماعات الإرهابية وداعش، ليس فقط بتزويدها بالسلاح والمال وتسويق النفط المنهوب الذي تبين أن نجل أردوغان متورط في تسويقه، أراد - قلت - أن يقطع الطريق أمام فرنسا التي تريد تشكيل تكتل ضد داعش إلى جانب روسيا، وهذا منذ اعتداءات ”الجمعة 13” التي راح ضحيتها 130 قتيل ومئات الجرحى. لم يعد هناك مجال للشك أن تركيا هي أكبر راع للإرهاب في المنطقة، فقد سهلت للجماعات القتالية والمرتزقة من كل الجنسيات الدخول إلى سوريا، وكانت تزودهم دائما بالمال والسلاح، وهي بإسقاطها الطائرة الروسية، إما فعلت ذلك حماية للجماعات الإرهابية التي يرعاها الرئيس الإخواني، ليس انتقاما من بشار فقط، وإنما يريد إدخال روسيا في حرب استنزاف، بحيث لن يبقى تركيزها على مواقع داعش، وإنما جرها لحرب في تركيا وتشتيت قوتها، ويفتح الطريق أمام قوات الناتو للرد على أي اعتداء روسي على تركيا العضو في الناتو. لكن الخوف، كل الخوف، هو ما يحدث على حدودنا الشرقية والجنوبية، فمنذ أيام تحدثت مواقع إخبارية عن تواجد ما لا يقل عن 5000 مقاتل في صفوف داعش على الحدود التونسية الليبية بصدد الدخول إلى تونس، وكانت أخبار قبلها تحدثت عن نقل تركيا لعناصر داعش من سوريا عبر طائرات تركية إلى ليبيا، وهو ما يرشح منطقتنا إلى خطر أكبر، ليس فقط الجزائر، فحتى المغرب التي دعمت هي الأخرى الإرهاب وحاولت تسريب عناصر إرهابية إلى داخل الجزائر مستهدفة بتفجيرات، في إطار حملة الرعب التي تمارسها داعش ضد كل بلدان العالم، خاصة بعد استهدافها من قبل الطيران الروسي الذي جعل عناصرها تفر من المدن السورية، وتنتشر في الأرض، فيما يشبه خروج عناصر القاعدة من أفغانستان بداية تسعينيات القرن الماضي، لما استهدفتهم أمريكا هناك، مما ألحق الضرر بمصر والسودان والجزائر قبل أن تستهدف أمريكا في ضربات 11/ 9. إنها حرب كونية إذا، لا تعلن اسمها، والمستهدف ليس الغرب وحده، بل المستهدف الأول هو نحن الذين رفضنا الإسلام السياسي، إسلام القتل والسبي؟!