بعد أن تجاوز الجزائريون ”طابو” العمليات التجميلية خلال السنوات الأخيرة، وبعد أن تجاوز الكثيرون مجرد الخضوع للجراحة لأجل عمليات تقويمية وعلاج لبعض التشوهات والعيوب الخلقية، إلى تغيير ”اللوك” وتعديل بعض التفاصيل الجسدية التي لم تعد تروقهم، اصطدم هؤلاء بواقع غياب هذا التخصص الطبي في الجزائر، ما يجبرهم على اللجوء إلى أطباء أجانب يعمل أغلبهم خارج القانون. هو واقع يصطدم به جميع الراغبين في إجراء عمليات تجميلية لأغراض مختلفة بين التقويم والتعديل والتغيير، وهو المتعلق بغياب هذا التخصص في الجزائر. بل الأدهى من ذلك أن وزارة الصحة ومجلس أخلاقيات مهنة الطب لا يزالان إلى يومنا لا يدرجانه ضمن التخصصات الطبية المعمول بها، وهو الأمر الذي يدفع مرضى إلى البحث جاهدين عن بديل يمكنهم من تقويم العيوب الخَلقية، أو ما أفسدته حوادث المرور والحوادث المنزلية المختلفة. وخلال رحلة البحث هذه يصطدم هؤلاء بخيارين، كل واحد منهما أخطر من الثاني وأكثر غموضا من الآخر، حيث يستلزم القيام بمثل هذه العمليات التجميلية إما اللجوء إلى عيادة جزائرية خاصة بدكتور تلقى تعليمه في الخارج ولا يستطيع بأي حال من الأحوال تقديم ضمانات أو وعود حقيقة في ظل الفراغ القانوني الذي تعرفه منظومة العدل في هذا المجال، أو السفر إلى الخارج وعلى وجه الخصوص إلى الجارة تونس، وهو ما يتطلب أموالا باهظة تفرضها تكلفة العملية ومصاريف السفر والإقامة في بلاد أجنبية، ناهيك عن الغموض الذي يشوب بعض الجهات والعيادات التي تروج لنفسها هنا في الجزائر عبر بعض المواقع الإلكترونية والدعايات الإعلامية التي باتت الجرائد والقنوات الخاصة تعج بها، ما جعلها تبيع أحلاما زائفة لمرضى يطمحون لإيجاد حل لمشكلة صحية تؤرق حياتهم. عيادات خاصة لأطباء أجانب.. ولا وجود لقانون في ظل منع وزارة الصحة الجزائرية للممارسة مهنة الطب التجميلي من طرف أجانب في عيادات خاصة، وفي وقت لايزال القانون الجزائري يعرف فراغا في هذا المجال، يتحايل بعض الدكاترة العاملون في هذه العيادات الخاصة بطرق مختلفة لأجل تشغيل مختصين تونسيين للعمل بطريقة غير شرعية، مستغلين بذلك إقبال الزبائن الكثيف على مثل هذه العمليات، مفضلين بذلك توفير تكاليف التنقل إلى الخارج، لاسيما أن الأسعار المعروضة عليهم من طرف هؤلاء الأطباء مغرية مقارنة بغيرها، غير مكترثين بخطورة الوضع الذي يضعون أنفسهم فيه، وهو ما يتعلق بغياب نص قانوني يضمن لهم حقوقهم في حال وقوع أخطاء طبية أو تشوهات أثناء القيام بمثل هذه العمليات الدقيقة والحساسة. وفي السياق ذاته كشف الدكتور متيش، المختص في جراحة الأطفال المتعرضين للحروق، أن مثل هذه الممارسات غير القانونية التي ينتهجها هؤلاء الأطباء بإحضار أجانب لإجراء عمليات جد حساسة عمل غير قانوني ويتنافى مع أخلاقيات المهنة، لاسيما أنه يعرض حياة المرضى للخطر. نقص المراكز والضغط لا يسمحان بإجراء عمليات التجميل بالجزائر وفي السياق ذاته، وعند حديثه عن أكثر فئة تستدعي إجراء العمليات التجميلية وهم الأطفال الذي تعرضوا لحروق جلدية، على حد تعبيره، يؤكد محدثنا أنه رغم تواجد 4 مراكز متخصصة في علاج المحروقين بالتراب الوطني، إلا أن هذا العدد يبقى غير كاف للتكفل بالعدد الكبير للمرضى الذين يضطرون للتنقل إلى هذه المراكز مهما كانت ولاياتهم، ما أدى إلى استحالة إجراء العمليات التجميلية في ظل الضغط الذي تعرفه هذه المراكز. وفي هذا الاطار يتأسف البروفسور متيش أن مصلحته غير قادرة على إجراء هذا النوع من الجراحات، ليس للجهل بها فقط وإنما نظرا للاكتظاظ الدائم الذي يعرفه المركز نتيجة استقبال المرضى من 48 ولاية، لذا تكون أولوية إنقاذ حياة المرضى بالجراحة الترميمية أسبق من عمليات التجميل. من جهتها أعربت الدكتورة مريم بهلول، عن استيائها من الظروف غير المناسبة التي يعمل فيها الاختصاصيون في هذا المجال مقارنة بالدول المجاورة، وكذا العدد الكبير للمرضى الذي يشكل سببا في عجزهم كفريق طبي على إجراء عمليات التجميل، خاصة إذا تعلق الأمر بالفتيات اللاتي تكنّ أكثر حاجة للجراحة التجميلية، غير أن الأولوية تكون دائما لإنقاذ الأرواح التي تتطلب الجراحة البلاستيكية الترميمية. جمع تبرعات عبر النداءات لتسديد الفواتير نظرا لارتفاع تكاليف العلاج في الخارج، والتي تضاف إليه مصاريف التنقل والإقامة في بلاد أجنية، يلجأ عدد كبير من المواطنين من ذوي الدخل البسيط إلى صفحات الجرائد لنشر نداءاتهم التضامنية من أجل الحصول على أمل في العلاج، من خلال جمع التبرعات من المحسنين لتسديد تكاليف العملية التي تعرف بكونها جد باهظة. وفي السياق ذاته تحدثنا إلى منير، الذي قام بإجراء عملية تقويمية لابنته التي أصيبت بحروق عميقة في الوجهة والرقبة، والذي قال إنه تلقى الصدمة الثانية بعد حادث ابنته حينما اطلع على الفاتورة المقدرة ب67 مليون سنتيم، لاسيما أن دخله الشهري لا يتجاوز 30 ألف دينار جزائري، ما دفعه إلى طلب المساعدة من أقاربه ومعارفه، غير أن المبلغ الذي جمعه بقي غير كاف ليقوم بعدها للجوء إلى الإعلام لنشر ندائه الذي قوبل بتفاعل المحسنين ودفع تكاليف العلاج. ومن جهتها تقول فاطمة الزهراء، البالغة من العمر 35 سنة، والتي يعاني ابنها من تشوه خَلقي يكلف تعديله ما يقارب 60 مليون سنيتم، أنها تمكنت بفضل التبرعات من تجميع المبلغ في وقت قصير، بعد أن نشرت نداءها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو ما أتاح لها تمرير ندائها إلى عدد كبير من المواطنين.