إلى زمن غير بعيد كان الطب والجراحة التجميلية ضربا من الخيال لدى الجزائريين إلا أنه سرعان ما تغيرت النظرية و أصبح المواطن الجزائري خاصة الجنس اللطيف يفكر بجدية في طريقة لإزالة ما خلفه الزمن من آثار على الوجه والجسم كافة. وانتشر الحديث في الآونة الأخيرة عن الجراحة التجميلية التي انتعشت في الجزائر بصورة ملفتة للنظر من خلال ظهور عيادات خاصة مختصة في هذا النوع من الجراحة. وإلى وقت قريب ظلت صفة الهوس بالجمال والبحث عنه ملتصقة بالمرأة إلا أن الجنس الخشن هو الآخر أصبح لا يفوت هذه الفرصة شأنه شأن الجنس اللطيف والدليل على ذلك زيادة عدد الرجال الذين يترددون على عيادات التجميل. وإن اختلفت الطرق والوسائل بين الرجل والمرأة إلا أنها تجتمع في سبب واحد هو البحث عن الجمال و محاولة إخفاء آثار الزمن و إن كانت المبالغ باهظة و النتيجة غير مضمونة. و تختلف عمليات التجميل التي يقبل عليها المواطن الجزائري فتتباين بين شفط الدهون و إزالة تجاعيد الوجه والرقبة وشد اليدين و البطن وصولا إلى شد الذراع و الأفخاذ أو حتى تجميل الأنف و الأذن إلا أن الهدف يبقى واحدا و المهم هو أن تبدع "الأنامل الذهبية" للجراح في إرضاء عيون المقبلين و المقبلات على مثل هذه العمليات. ومع الإنتشار الواسع لعمليات التجميل مما كانت عليه في السنوات الفارطة و الطفرة النوعية التي أحدثها الإشهار ووسائل الإعلام على مسارها اتضح للمواطن الجزائري جليا الفرق بين الجراحة التجميلية و الجراحة التكميلية حيث تعني الأولى الجراحات التي تجرى لأغراض وظيفية أو جمالية تهدف إلى استعادة التناسق والتوازن لجزء من أجزاء الجسم عن طريق استعادة مقاييس الجمال المناسبة لهذا الجزء. أما الثانية هي محاولة إصلاح أو إخفاء بعض التشوهات الخلقية التي يعاني منها الإنسان أو تلك التي أصيب بها بعد عملية جراحية أو حادث أو تعرضه لحروق كما أن هذه العمليات معوضة من قبل صندوق الضمان الإجتماعي. زبائن قادهم فضولهم لتغيير"اللوك" و آخرين أجبرتهم ظروفهم الصحية المأساوية دخولنا لقاعات الإنتظار لمختلف عيادات طب التجميل بالعاصمة مكننا وللوهلة الأولى من التمييز بين نوعين من الزبائن: منهم محبي الجمال و تغيير "اللوك" و كذا فئة الذين يعانون من تشوهات خلقية و أخرى من جراء حوادث المرور أو حوادث أخرى تركت آثارا على أجسامهم و على نفسيتهم مما جعلهم يتجرعون علقما و يعيشون اكتئابا و يبحثون عن مخرج لحالتهم عن طريق الجراحة التكميلية أو التقويمية. أمينة ذات 27 ربيعا تعد إحدى الزبونات من الصنف الثاني أي أنها تعاني من تشوه عميق على مستوى الجانب الأيمن من الوجه تعرضت له منذ خمس سنوات عقب محاولة إنتحار باءت بالفشل و هو ما جعلها تقصد عيادة لطب التجميل وسط العاصمة علها تنجح في إصلاح ما خربته في لحظة غضب. عكس أمينة التي جلبتها ظروفها المأساوية إلى عيادة طب التجميل لمحنا نادية عاملة في الأربعين من عمرها- قادها فضولها و شغفها بتغيير اللوك إلى ذات المكان لإجراء عمليات إخفاء التجاعيد و تقويم الأنف بعدما اعتادت على إجراء ذلك في تونس أثناء عطلتها الصيفية. قاعات الإنتظار للعيادات التي زارتها واج لم تخل أيضا من الجنس الخشن هذا الأخير لم يأت للبحث عن حل لإخفاء التجاعيد و إنما في غالب الأحيان عن طريقة للتخلص من الصلع أو تعديل الأنف أو شفط للدهون الزائدة في الجسم. تحديات جمة تواجه الجراحة التجميلية و ذهنية المجتمع أولها وعن وضعية الطب والجراحة التجميلية بالجزائر أشار الدكتور محمد أوغانم رئيس الجمعية الجزائرية للطب التجميلي أن حالة هذا التخصص تعكس وضعية قطاع الصحة بالبلاد بصفة عامة مؤكدا أنه ما يزال الكثير من التحديات تواجه هذا التخصص بالجزائر. و تأسف ذات المتحدث عن الغموض والغياب الكبير للمعلومات عن هذا التخصص لدى المواطن الجزائري خاصة و أن ذهنية المجتمع تجاه الطب و الجراحة التجميلية ما يزال يشوبها بعض التحفظ. ون الفئات العمرية الأكثر طلبا للجراحة التجميلية يقول البروفيسور رشيد أميشي صاحب عيادة خاصة لتجميل وترميم الوجه والرقبة بالجزائر الوسطى أن معدل العمر للمقبلين على العمليات التجميلية يتراوح ما بين 25 و 40 سنة كما أن 80 بالمائة من زبائنه هن نساء. ولم يخف ذات المتحدث الآثار الجانبية المترتبة عن عديد العمليات الجراحية و التي في غالب الأحيان تؤدي إلى فشل العملية دون أن يدرك الزبون حقيقة ذلك وهو ما يجعله يتوجه مرة ثانية إلى طبيب تجميلي آخر أو يتكلف البحث عن مختص في الأمراض الجلدية لإصلاح ما تم إفساده في العملية الأولى. ويمكن للمواطن أو الزبون الذي أقبل على عملية جراحية تجميلية و لم تنجح أن يقاضي الطبيب خاصة في حالة وجود عقد يربط الطرفين وتم التفاهم فيه على النتائج المتوخاة للجراحة كما يمكن للزبون أيضا التقرب من عمادة الأطباء لتسجيل شكوى ضد الطبيب. تخصص غير معترف به إلا أنه ينمو كالفطر تحت غطاء تخصصات أخرى وأوضح رئيس عمادة الأطباء الجزائريين السيد محمد بقات بركاني أن الطب التجميلي هو اختصاص غير معترف به في الجزائر كما أن هناك عيادات تمارس هذه الجراحة في الخفاء والدليل على ذلك تسجيل العمادة لعدة شكاوى من مواطنين تعرضوا لعمليات جراحية فاشلة زادت من حالتهم الطبية عمقا. وعن فحوى الإعتراف بتخصص الجراحة التجميلية بالجزائر من عدمه، أكد السيد عبد القادر قنار مدير مصالح الصحة بوزارة الصحة أن هذه الأخيرة ترخص بفتح عيادات خاصة بالطب والجراحة التكميلية أو الترميمية وليس الجراحة التجميلية مشيرا إلى أن الوزارة و الجامعة الجزائرية لا تمنح شهادة طبيب أو جراح في الطب التجميلي و هذا يعني أن الطب التجميلي غير معترف به في الجزائر. إلا أن بعض الممارسات التي يقال عنها بأنها جراحة تجميلية تنشط حاليا تحت غطاء تخصصات أخرى بما فيها الجراحات الترميمية أو طب الجلد. و أوضح أن الوزارة الوصية تعطي ترخيصا بفتح عيادة في أي تخصص من الطب إذا كان الطبيب حاصلا على شهادة تمنح من وزارة التعليم العالي أو أي شهادة معادلة لها و لو كانت ممنوحة من جامعات خارج الوطن. وفي هذا السياق، سيتم الانطلاق حسبهفي عملية مراقبة لكل العيادات الخاصة في طب الجلد وكذا المستشفيات للوقوف على منهجية عملها والتأكد من التزامها بالمعايير التي تم الاتفاق على العمل بها عند إعطاء الترخيص بفتح هذه العيادات. و إن كانت الوزارة الوصية لا تعترف بالطب والجراحة التجميلية فإن رأي أهل الدين هو الآخر رافض لهذه الممارسات الطبية حيث أوضح الأستاذ محمد مكركب إمام بمسجد القدس بحيدرة أن "الحلال بين و الحرام بين" على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى انه إذا كان الشخص يعاني من تشوهات خلقية ولد بها أو وقعت له عقب حادث ما فإنه يصح له القيام ببعض العمليات الترميمية أو التكميلية لإعادة العضو المصاب إلى طبيعته. وأضاف أنه إذا كان الشخص طبيعيا ويريد إحداث بعض التغييرات على جسمه بهدف التجميل أو تغيير المظهر تماشيا مع الموضة فهذا الشيء "حرام". ولم تسلم الجراحة التجميلية في الجزائر أيضا من انتقادات بعض الأخصائيين النفسانيين حيث يقول الأخصائي النفساني عبد الرحمان أفتيس أن الأشخاص العاديين الذين يحبذون إجراء عمليات تجميلية يعانون في الحقيقة من مرض نفسي يتجسد في البحث عن الكمال و لديهم شعور دائم بالنقص مما يجعلهم يركضون دون هوادة وراء عمليات التجميل وينفقون أموالا باهظة إلا أن علاجهم بسيط جدا و هو إخضاعهم لتأهيل نفسي فقط . ومع غياب الإطار القانوني لممارسة هذا التخصص داخل الوطن نظرا لعدم إصدار الوزارة الوصية لشهادة في الاختصاص إلا أن الدكتور اوغانم ينفي وجود ممارسات خفية لهذا التخصص داخل عيادات خاصة معتبرا أنه حان الوقت للإعتراف بهذا التخصص ووضع الأطر القانونية التي تحكمه لتفادي كل الإنزلاقات. و إن كان الجمال حلم كل كائن إلا أنها صفة يمنحها الخالق لعبده و مهما تفننت يد الإنسان في ذلك فإنها لا تضاهي خلق الله ومع ذلك يبقى الجمال الأحق هو جمال الروح وليس جمال الشكل.