من أجل عيون حسان روحاني، الرئيس الإيراني، الذي زار إيطاليا، في أول زيارة له إلى الغرب، بعد رفع العقوبات عن بلاده، من أجل عيونه ستحتجب تماثيل روما، سترتدي التشادور، احتراما لمشاعر هذا الزائر المهاب. يا لنفاق هذا الغرب! ينتقدون الإسلام والمسلمين وقتما شاءوا، لكنهم يركعون ويلحسون الأرض تحت أقدام القادة العرب والمسلمين لما تكون مصالحهم مرتبطة بهم. طبعا، الكعكة الإيرانية كبيرة، وتقارب 17 مليارا استثمارات ومشاريع، سيكون نصيب شركة ”سايبام” المختصة في صناعة الغاز وإنشاء الأنابيب وحدها 5 ملايير سنتيم. لا تخافوا على إيران لن تفعل معها ”سايبام” ما فعلته بنا، وتشجع اللصوص على نهب أموال إيران، مثلما حدث مع زمرة اللصوص عندنا، هؤلاء من تجري حاليا محاكمة لقضيتهم في إيطاليا، وتمتنع سوناطراك هنا عن حضور المحاكمة دفاعا عن الغش والفساد الذي لحقها جراء هذه المعاملات. أعود لنفاق الغرب الذي يشجع التطرف عندما لا يتعارض مع مصالحه، وإلا لماذا تحجب إيطاليا تماثيلها، لأن مسؤولا حمل معه الملايير، بينما تضيق أوروبا على المسلمين، وتنعتهم بشتى الأوصاف بمجرد ما تتعرض بلدانها إلى عمليات إرهابية؟ وتطالبهم باحترام خصوصيات الغرب؟ مع أنه ليس كل المسلمين متطرفين. التطرف هو هذا النفاق والكيل بمكيالين، تماما مثلما كانوا وما زالوا يؤوون الجماعات المتطرفة ويفتحون أمامهم بلاتوهات التلفزيونات، ويسعون لمعاقبة بلداننا بتهمة حقوق الإنسان، بينما يلوذون بالصمت عندما تدوس الجمهورية الإسلامية أو المملكة على هذه الحقوق وتعلق المشانق في الساحات العمومية. حتى فرنسا نفسها التي تعيش هذه الأيام على وقع جريمة 13 نوفمبر الماضي، التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، ما زالت تقدم بلاتوهات التلفزيون لهؤلاء المتطرفين، آخرها إعطاء الكلمة لرئيس جمعية ”براك سيتي” الملتحي ليثني على داعش ويقول إنه يرفض مصافحة المرأة. من يدري، قد تخرج الحكومات الغربية مستقبلا تحمل الهراوات والفؤوس، لتهشيم رؤوس التماثيل بدل إخفائها بالجلابيب والتشادور. أليس في هذا تشجيع لداعش، التي دمرت آثار تدمر ونينوى، مثلما دمرت قبلها طالبان آثار أفغانستان، التي تباكى الغرب عليها وأصدرت بيانات الإدانة، مع أن عملية تغطية التماثيل أبلغ وأقوى من بيانات التباكي. ليست مجتمعاتنا وحدها المصابة بانفصام الهوية ولسنا وحدنا المتخلفين عن ركب الحضارة، كان هذا نصيبنا من أحداث التاريخ وقسمتنا من الديانات. أما أنتم فانفصالكم ونفاقكم اختياري ومفضوح، بل هي دعارة ديبلوماسية قبضتم مقابلها الملايير. من يدري قد تمنعون فيلم بارسيبوليس الكارتوني المعبر عن الواقع الإيراني في بلدانكم مثلما فعل دواعش تونس، نزولا عند رغبة إيران. هذا لا يعني أنني لا أثمن نتائج الديبلوماسية الإيرانية وصمود هذا البلد العريق في وجه الغرب الجائر وإجبار حكوماته على الركوع، هذا أمر، وأمر الديمقراطية وحقوق الإنسان المداسة هناك بتواطؤ منكم أمر آخر!! حدة حزام *************
هذه إحدى مساوئ سياستكم سيدي الرئيس! يواصل السائق ”استنطاقه” للرئيس مستغلا الفرصة ومتحليا بشيء من الشجاعة، لعله يفتك اعترافات من ضيفه، أين أخطأ وأين أصاب، فليس أحسن منه شخصيا لتقييم مرحلة حكمه الآن ولم يعد له طمع في السلطة، فهو ضيف لأيام معدودات. ”لكن سيدي الرئيس، ليس كل ملاك الأراضي والمواشي الذين أممت أملاكهم، بشاغوات ولا قياد ورثوا الأرض عن المعمر، أو نهبوها من أصحابهم الأصليين بتشجيع من فرنسا لقاء خدمات. هناك من كان يملك أرضه أبا عن جد، وهناك من اشتراها بدم الفؤاد وبالتضحيات. خذ مثلا هذا السوفي المسكين - أتحفظ عن ذكر اسمه - لكنه كان يملك بساتين نخيل وأطيان وأحواش من المواشي، ولديه مئات العائلات التي تعمل في مزارعه وتعيش من مداخيل جهدها، قمت أنت بتجريده من أملاكه التي سهر على إثمارها عقودا مثلما فعل أسلافه، وزعتها على الفلاحين، هؤلاء الذين كانوا يسهرون على خدمة الأرض ويحترمون صاحبها الذي كان سببا لرزقهم، فانقلبت الآية وصاروا ملاكا، وليس هذا فحسب، بل أخرجوا ما في صدرهم من حسد وغيرة، وبدل المودة التي كانت متبادلة بين الطرفين في نظام اجتماعي واقتصادي متوارث عبر القرون، ناصبوه العداء وعوض استغلال فرصة الكسب الذي نزل عليهم من حيث لم يكونوا ينتظرون، أهملوا الأرض، لأن مداخيلهم كانت مضمونة، رواتب وأرباح كاذبة توزع عليهم نهاية كل موسم أمام الكاميرات على أن سياسة الثورة الزراعية نجحت. وما هي إلا مواسم معدودة حتى بارت الأرض، ونشف النخيل، وأكل الرمل الغيطان، وتحولت التمور الذهبية إلى عراجين من السواد والحشرات، أما صاحبها، فأصيب بذبحة صدرية ومات من القهر، تفرق أبناؤه وكانوا متفوقين في الدراسة عبر العالم. هذه القصة روتها لي ابنته المقيمة بنيويورك، وهي أستاذة كبيرة حاليا في جامعة كولومبيا، حملت علمها وحزنها وهاجرت، قبل أن يلحقها الآلاف من خيرة أبناء هذه الأرض لاحقا، عندما سقطت البلاد في الإرهاب، قتل من قتل وهجر من هجر. هل فهمت الآن - يسأل السائق ضيفه - لماذا أسست سياستكم للخراب؟ من هنا بدأت الطعنة في صدر قطاع الفلاحة، قلبتم منظومة القيم، والنظام الاجتماعي الذي كان قائما على أعراف ونواميس رأسا على عقب، فكانت النتيجة فشلا ذريعا، لم تنجحوا في إخراج الفقراء من فقرهم - ففقرتم الجميع - نعم مساواة، كنتم تقولون، لكنها مساواة في الفقر، وليست مساواة في الغنى، نعم ابن الفلاح لن يكون فلاحا، وابن السيد لن يسود على أبناء الشعب، فماذا كانت النتيجة؟ الفوضى العارمة وانهيار سلم القيم والهرم الاجتماعي، فلم يعد هناك سيد وخادم، صاروا كلهم أسيادا، كلهم قادة، فغرقت المركبة، من هنا بدأ الفساد الاجتماعي، وأنتم من أسستم لظاهرة الحراڤة، يموتون بالآلاف سنويا في البحر قاصدين أوروبا، ويقبلون هناك إذا ما نجحوا في الوصول بأي عمل حتى ولو كان ”زبالا”، لكنهم يتكبرون هنا على المهن، ورشات البناء تستورد البنائين من الصين، ومن البلدان الإفريقية، من مصر، بينما الجزائريون قاطعوا كل المهن التقليدية، لا بناء ولا فلاحة، ولا تربية مواش. في السابق كان الريف في خدمة المدينة، أما الآن فقد تريفت المدن والأرياف وصار الجميع يعيش على ما تجود به الحاويات وفضلات المصانع الأوروبية والآسيوية”! يتوقف السائق عن الكلام، يركن السيارة جانبا، بعد أن أحس بصداع في الرأس، صداع ينتابه كلما فكر في المأساة التي تعيشها البلاد، فمن الظلم أن ننسب كل المآسي للنظام الحالي. المأساة جذورها أعمق، الركبة مايلة من البداية، وما نعيشه اليوم سوى تراكمات الأخطاء، كل من حكموا أضافوا نصيبهم من الفساد والخيارات الخاطئة إلى كومة الأخطاء... يغرق الرئيس في صمت ثقيل، ولم يحاول لأول مرة الدفاع عن حكمه ومرحلته، ربما لأنه وجد أن كلام محدثه منطقي، صحيح أن الحقيقة مرة. ”نعم - يقول الرئيس - ربما أخطأنا، لكننا كنا على حسن نية، فلماذا هذه القسوة منك، ثم لم يكن لدينا الوقت لنصحح الأخطاء، لم يمهلني الموت، جاء مبكرا، نعم كنت صادقا لما قلت الأرض لمن يخدمها، وكنت صادقا لما قلت إن ابن الفلاح لن يبقى فلاحا، ومن حقه علينا أن نعطيه نفس الفرصة مثل أبناء الأسياد. لا تقل لي إن هذا خيار خاطئ، لا تقل لي إن أبناء الفقراء والفلاحين لم ينجحوا ولم يدخلوا الجامعات ولم يصبحوا أطباء وجراحين وباحثين وأساتذة، لا تقل إن كل ما فعلناه كمن يبول في الرمل. خذ مثلا هذا الولد الذي التقطته مرة على طريق الجلفة، وجدته يرعى أغنام أحد أسياد الجلفة حافي القدمين يرتدي قشابية رثة، رأيت فيه صورتي وأنا طفل، أمرت السائق بالتوقف، سألته لماذا لم يلتحق بالمدرسة، تصور ماذا كان رده، أن والده فقير وليس لديه إمكانيات ليرسله إلى المدرسة، فقمت بواجبي، وهو اليوم جراح من أحسن ما كونت الجامعة الجزائرية، ليس وحده، بل الآلاف، بل مئات الآلاف، نعم وفرنا الفرص للجميع. في وقتنا لم نكن نعطي المنحة لأبناء المسؤولين، بل للمتفوقين وكان أغلبهم من أبناء الفقراء!”. ”أين هم هؤلاء اليوم سيدي الرئيس؟ أتدري أن أغلبهم اليوم يسيرون المستشفيات بالغرب ومراكز البحوث والجامعات، نعم صرفتم على تكوين الطلبة، لكنكم لم تهيئوا أرضية البحث هنا ومناخ عمل تنافسي، من أتوا بعدك سدوا أبواب الرزق والعمل في وجه من عادوا يحملون الشهادات العليا من خيرة الجامعات الغربية، فقابلوهم هنا بالتهميش والتجويع. أين هم الآن؟ من بقي هنا حصدته آلة الإرهاب والآخرون عادوا من حيث أتوا وهم اليوم مفخرة البلدان التي احتضنتهم. نعم كونا الإطارات والعلماء والباحثين، لكن كونا لمصلحة الآخرين”. ”هيا - يأمر الرئيس - سر بنا إلى نادي الصنوبر”. - يتبع -