أبت الكثير من الحرف اليدوية إلا أن تحافظ على وجودها وتقاوم الزمن وتتكيف مع عصر العولمة والتطور والاقتصاد، محافظة على مكانتها في المجتمع ولعل من بين هذه الحرف صناعة الأواني الخشبية، التي تعتبر جزء من تراث وتاريخ ولاية الحضنة. تعد حرفة صناعة الأواني الخشبية في المسيلة راسخة في القدم حسب بعض الدارسين فقد توارثها السكان أبا عن جد ومنذ عديد السنين، ما جعلها سلعة مطلوبة في كل بيت مسيلي إذ لا يخلو أي بيت حضني أصيل أوما يعرف بالدار الكبيرة من هذه الأواني على غرار ”القصعة الخشبية” و”المهراس” و”الملعقة” وحتى ”الكأس”. وتوجد بعض من هذه الأواني الأثرية والتي تعود لأجداد العائلات الحضنية والتي بقيت بمثابة تذكار للأجداد أوما يعرف بمصطلح ”ريحة الأجداد” وهو ما يجعلهم يقدسون هذه الأواني كونها تذكرهم بأيام وأصبحوا يحنون إليها وتمثل جزء من ثقافتهم، أين كانت العائلة تلتف حول طبق واحد وتتبادل أطراف الحديث. ”المهراس” و”الشخشوخة المسيلية” بنتها في الأواني الخشبية يجمع كل من يزور ولاية المسيلة ويحط الرحال ببيوت أهاليها المضيافين أو بأحد المطاعم التي انتشرت لبيع أطباق ”الشخشوخة” و”المهراس” أن سر البنّة في هذه الأطعمة هو تقديمها في هذه الأواني الخشبية وسط ديكور تقليدي يعكس الحياة في العائلة الحضنية التي تتسم بالبساطة، إذ يجمع الكثير من زوار ولاية المسيلة بأن ”الشخشوخة المسيلية” الأولى وطنيا من حيث الطلب وتختلف عن غيرها في باقي ولايات الوطن، على غرار ”الزفيطي البوسعادي” الذي يتسم بطريقة تحضير مختلفة. بلدياتا ”المعاضيد” و”السوامع” منشأ الحرفة تعرف بلديتي المعاضيد والسوامع وبشكل أقل بلدية أولاد دراج، وهي مناطق تقع في الجهة الشرقية للولاية، انتشارا واسعا لهذه الصناعة وتعتبر من أحد أهم مصادرها بحكم الموقع الجغرافي لهذه المناطق والذي يساعد على مزاولة هذه الحرفة خاصة بتواجد المناطق الغابية بالمعاضيد إذ تشتهر هذه البلدية بصناعة المهراس وهو إناء، أسطواني طويل نوعا ما، يصنع من جذوع الأشجار ويقوم الحرفي بمعالجته ونحته حتى يأخذ شكل أسطواني أملس من الداخل. وتستخدم في ذلك أدوات بسيطة على غرار ”القادوم” و”الشفرة” و”المنشار” وبعض الآلات الحادة ويستخدم في تحضير بعض الأكلات وبعض الوظائف الأخرى على غرار دق وهرس الحبوب والتوابل. وتشتهر كل من السوامع وأولاد دراج بصناعة القصعة حيث تعتبر الميزة الأولى للبلدية. أشجار البلوط الأخضر والكاليتوس مواد الصنع يستخدم الحرفيون في ولاية المسيلة من أجل صناعة الأواني الخشبية أشجار الكاليتوس والبلوط الأخضر المتواجدة بكثرة في جبال المعاضيد، فالمهراس مثلا يصنع من جذوع شجرة البلوط الأخضر وهو الشجر الأصلح والأنسب لصناعة المهراس. عمي عيسى أحد الذين التقتهم ”الفجر” وهو منهمك في صناعة المهراس تحدث قائلا: ”أنا أعرف جيدا خبايا صناعة المهراس وهي مهنة شريفة لكنها صعبة، مارستها منذ نعومة أظافري واليوم حتى الأشجار التي يصنع منها لم تعد تنتج الخشب بنفس الجودة ومن الصعب العثور على الشجرة المناسبة لذلك”. أما شجرة الكاليتوس، حسب عمي عيسى ذو الستين سنة، تستخدم في صناعة القصعة لأنها الوحيدة الملائمة في هذه المنطقة لموافقتها لمقياسي العرض والصلابة. الأواني الخشبية صامدة رغم منافسة المنتوجات الصينية اكتسحت السوق الجزائرية مؤخرا أواني خشبية مستوردة من الصين تحاكي الأواني الخشبية الجزائرية إلا أنها ليست بنفس الجودة والصلابة التي تتميز بها الأواني الخشبية الحضنية وبالرغم من ارتفاع سعر الأواني الحضنية مقارنة بأسعار الصينية إلا أن إقبال المسيلين وغيرهم عليها يعرف إقبالا ملحوظا لارتباطها بثقافتهم ومحاكتها لحياة أجدادهم، حيث يعتبر الكثير من يقتنون هذه الأواني بأن السعر غير مهم بالمقارنة بفوائده خاصة الصحية حيث أنها طبيعية وتخلو من المواد الكيمياوية والصناعية وهو ما يجعلها صحية. خالتي نسيمة كغيرها من السيدات في المسيلة ترفض التخلي عن الأواني الخشبية مأكدة بأنها تعشق كل ما هو طبيعي وتقليدي ويستحيل التخلي عن الأواني الخشبية الحضنية من ”قصعة” و”مهراس” و”ملاعق خشبية” وتبقى هذه الحرفة بحاجة إلى إعادة دعم.