وأنا أيضا لا أفهم هذا الانفصام في شخصية بعض منتقدي بن غبريط وكل من يدافع عن مدرسة تقدمية مفتوحة على كل الثقافات، مدرسة لا هدف لها سوى بناء الإنسان السوي؟ لا أفهم مثل هذا الذي يوقع رسائله وتعليقاته على مقالاتي باسم ”الهواري”، يدافع على أردوغان ويقول إنه أشرف منا جميعا ومن كل من أراهم أنا أبطالا من إيران إلى الأسد، وربما أيضا إلى حكام الجزائر، وينسى أن لأردوغان علاقات وطيدة مع إسرائيل، صحيح أنها مرت بفترة برودة بسبب حادثة سفينة مرمرة، لكنه أعادها منذ أسابيع، فليس هناك حليفا لإسرائيل في الشرق الأوسط أهم من أردوغان وأيضا الإخوان بصفة عامة. نفس مثل هذا الشخص لا يفهم طريقة تفكير هذه المخلوقة ”أنا”، وموقفها من عرب الداخل، بينما يتهم الجزائر ويدين موقفها ”الخائن” لفلسطين الذي أدرج في كتاب الجغرافيا، مع أن الجزائر هي البلد الوحيد الذي ما زال مطبقا لللاءات الثلاث، التي أقرتها قمة الخرطوم سنة 1967 (لا سلام ولا اعتراف ولا تفاوض). حلال على أردوغان وحرام على الجزائر، فمهما فعل خليفتهم الجديد فهو مقبول، ومهما فعلت الجزائر فهي نظام خائن وجب حرقه! أليست هذه سكيزوفرينية يعاني منها دعاة الإسلام السياسي؟! وبالنسبة لعرب الداخل، الذين هم مواطنون إسرائيليون، يحملون جواز سفر إسرائيلي، ويذهبون حتى لزيارة البقاع المقدسة بهذه الجوازات، بناء على اتفاق سعودي-إسرائيلي وأردني أيضا! سقت هذا ردا على الانتقادات والسباب التي وصلتني أمس، ردا على مقالي (نحن وهم والقضية الفلسطينية) واتهمت بخيانة القضية. فهل هناك من خان القضية أكثر من الكثير من أصحابها، أليس قريع المفاوض الفلسطيني هو من كان يُورِّد الإسمنت من مصر إلى إسرائيل لبناء الجدار العازل؟ ألم يثر الدحلان وشخصيات فلسطينية أخرى من المساعدات التي تقدمها البلدان العربية والإسلامية إلى الشعب الفلسطيني المقهور من قيادته ومن إسرائيل معا؟ بلغني أن زوجة أحد سفراء فلسطينبالجزائر سابقا، تملك فندق خمس نجوم بمصر، فمن أين لها هذا إن لم يكن من ”لحية” القضية؟ كلامي هذا ليس دعوة للتخلي عن دعم القضية الفلسطينية العادلة والشعب الفلسطيني الذي يواجه يوميا مظالم إسرائيل، لكن لتغيير نظرتنا للقضية من زاوية أخرى. فهل نحن أكثر عروبة من مصر أو السعودية وأكثر قربا للقضية الفلسطينية من الأردن التي يشكل الفلسطينيون 60٪ من سكانها؟ وحدها الجزائر وسوريا وإيران ترفض الاعتراف بإسرائيل، مع أنها ممثلة في الأممالمتحدة، وصارت واقعا، ليس فقط بالنسبة للغرب الذي زرعها في جسد فلسطين، بل للعرب أنفسهم، ألم يزر أمير قطر السابق إسرائيل ولم تصبح قناته ”الجزيرة” صوتا ومنبرا للإسرائيليين، ومن خلالها دخل الرأي الإسرائيلي كل البيوت العربية؟ ألم يزر الجنرال السعودي المتقاعد ”أنور عشقي” من أيام إسرائيل وأثنى على ناتنياهو أنه رجل عاقل وحكيم؟! ولا أتحدث عن التمثيلية الاقتصادية الإسرائيلية في الإمارات، ولا عن محاولات التطبيع معها من جيراننا، والسفارات في مصر والأردن وكل الاتفاقيات المبرمة من كامب ديفيد إلى اليوم. لكن عندما يحدث خطأ وهو مقصود من أتبع ومحبي أردوغان في كتاب جزائري يتوعدون البلاد بالحرق، والحكومة بخيانة قضيتهم الأولى، هذا إذا لم يصل بهم الأمر إلى حد التكفير. كل هذا من وراء مقولة ”مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، هذه المقولة الخاطئة، فلا يمكن أن نكون مع الظالم، بل مع فلسطين المظلومة وليس الظالمة. فهذه حمية قبلية تجاوزها الزمن!