ماذا نعرف عن حقيقة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من الداخل، بعيدا عن الاعتداءات الإجرامية للجيش الإسرائيلي التي تستهدف أطفال فلسطين في حروب لا تنتهي، وكل المظالم التي يلحقونها بالشعب الفلسطيني الذي نهبوا أرضه وشردوه وما زالوا يحاصرونه في آخر شبر من أرض فلسطين؟ ماذا نعرف عن من يسمون عرب الداخل، هؤلاء الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين إسرائيليين، يحملون جواز السفر الإسرائيلي ولا يجدون حرجا في ذلك؟ أطرح السؤال على هؤلاء الذين ثارت ثائرتهم وأقسموا أن بن غبريط لن تبقى ليلة واحدة على رأس وزارة التربية، لأنها -على حد تعبيرهم- ”وصلت ومست فلسطين”، نعم، فلسطين التي صارت في وجدان الجزائريين أهم من كل شيء حتى من الجزائر نفسها ومن مستقبل بلادنا ومصير أطفالنا. لا أقول هذا تبريرا لخطإ ارتكب في الصفحة ”65” من كتاب الجغرافيا، الذي أراده المتآمرون حصان طروادة لقلب الوزارة على رأس الوزيرة، فالقضية الفلسطينية قضية عادلة، فهي قضية شعب شرد من أرضه وتآمرت عليه البلدان العظمى وحتى البلدان العربية، ومنها المملكة التي قدمت أرض فلسطين على طبق من ذهب إلى بريطانيا التي قدمتها وطنا لليهود. لن أعود لفتح جراح الماضي، لكن لنطرح السؤال الذي يجب طرحه عاجلا أم آجلا، والمتعلق بعدائنا لإسرائيل، الذي فاق عداء الفلسطينيين أنفسهم. من أيام رفضت بنات الفريق الوطني لكرة الجرس إجراء مقابلة مع الفريق الإسرائيلي، في إطار الألعاب شبه الأولمبية بريو، بحجة رفض التطبيع، مع أن المقابلة كانت مبرمجة من أزيد من ثلاثة أشهر، ومع ذلك سافر الفريق محملا البلاد مصاريف وأتعاب، فأين البطولة من كل هذا التصرف، الذي فيه من الخيانة للبلاد أكثر مما يخدم القضية الفلسطينية. سقت المثال، لأننا لا يمكن أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. صحيح أنهم في صراع مع الكيان الصهيوني، ومعاركهم لا تنتهي، لكنهم يجلسون معهم أيضا إلى طاولة الحوار، يتصافحون ويسلمون ويتبادلون النكت والابتسامات أيضا، فهم بحكم الجوار مجبرون على ذلك، حتى أنهم يدرسون في جامعاتهم ويتحدثون لغتهم، وجامعاتهم التي لا تعادي العلوم الإسرائيلية، تحتل مراتب تصنيف أفضل بكثير من جامعاتنا التي ما زالت تعتبر كلمة إسرائيل جريمة لكل من ينطق بها. كنت في برنامج دولي بأمريكا رفقة فلسطينيات وكانت إحداهن وهي محامية من غزة تتفاخر بلباسها ذي الماركة الإسرائيلية الشهيرة، وبخادمتها الفليبينية وكانت تسعى في تلك الزيارة للحصول على عمل ولجوء في أمريكا. تصرفات صدمتني في بداية الأمر، إذ كيف لفلسطينية من غزة أن تستهلك المنتوج الإسرائيلي، ونحن هنا في الجزائر نقاطع كل ما هو إسرائيلي، هل نحن ملكيين أكثر من الملك؟ دعمنا للقضية الفلسطينية اللامشروط لن يجعل منا أكثر دفاعا عنها من الفلسطينيين أنفسهم، فالذي يتابع الضجة المثارة حول خطأ كتاب الجغرافيا الذي اعتمده خونة للإطاحة بالوزيرة، يفهم كم هم مستعدون لحرق البلاد بدعوى التشكيك بالقضية الفسلطينية التي ما زالت الجزائر البلد الوحيد الذي لم يتغير موقفها منها، في الوقت الذي يتعاشر فيه فلسطينيون بالمعروف مع جيرانهم الإسرائيليين. بينما نفس المتآمرين على الوزيرة، يرفضون التعليق على علاقة سيدهم أردوغان بهذا البلد العنصري الإستعماري، بل ولا يرون حرجا في نقل جرحى المعارضة السورية وإرهابيي داعش والنصرة للعلاج في مستشفيات إسرائيلية؟ نعم للدفاع عن حق الفلسطينيين في بناء دولتهم وتحرير أرضهم من المغتصب، لكن نعم أولا لمصالح الجزائر، وحقها في بناء منظومة تربوية بعيدة عن المساومات السياسية، منظومة تربوية تعلم الجزائريين أن الجزائر ليست فلسطين، والجزائر أولا وثانيا وأن فلسطين قضية عادلة وجب دعمها مثل كل القضايا العادلة الأخرى، مثلما هو منصوص عليه في كل الدساتير الجزائرية!