يحاول الدكتور بن مالك سيدي محمد، في كتابه جدل التخييل والمخيال في الرواية الجزائرية، القبض على ظاهرة التخييل في المتن الروائي الجزائري من خلال بعض أعمال مجموعة من الروائيين هم الراحل عبد الحميد بن هدوقة، وأمين الزاوي وجيلالي خلاص ومرزاق بقطاش. ويقارب بن مالك في كتابه الصادر عن دار ميم ظاهرة جدل التخييل والمخيال في دورهما في صناعة المعنى في خمس روايات جزائرية مكتوبة بالعربية، وهي ”نهاية الأمس” لعبد الحميد بن هدوڤة، و”طيور في الظهيرة”، لمرزاق بقطاش، و”قرة العين” لجيلالي خلاص، وروايتي ”الرعشة” و”الملكة”، ويؤكد المؤلف في مقدمة هذا الكتاب ”إن التخييل السردي والروائي بشكل خاص يضطلع بإنتاج مخيال نصي مغاير للمخيال المرجعي، يتأسس على إدراك خاص للوجود نافيا أن يكون بالضرورة انعكاسا لإدراك المجتمع أو الجماعة أو النخبة.. ليصل إلى أن بن هدوقة في رواية ”نهاية الأمس” يدعو إلى الصالح مع الذات بتنزيهها عن الاثرة والحقد والفساد، إذا أريد للثورة أن تنجح في مشاريعها الزراعية والصناعية والثقافية، فيما يؤكد الكتاب أن بقطاش يجعل انطباع الطفل ”مراد” عن الثورة في ”طيور مهاجرة” نابعا من إحساسه بالاختلاف بين ثقافة الإنسان الجزارئي والثقافة الأوروبية، فالثورة في نظر بقطاش بحسب المؤلف لم تكن تستند في بداياتها إلى أيديولوجيا بعينها، إنما كانت تركن إلى إيمان الإنسان الجزائري بوطنيته وعروبته وإسلامه واعتزازه بها جميعا، بينما يعارض خلاص في روايته ”قرة العين” توجهات السلطة السياسية في السبعينات. وفي مقاربته لرواية الرعشة لأمين الزاوي، يؤكد الدكتور بن مالك أن الزاوي يجري أحداث هذه الرواية في فضاءات متعددة ومتباينة، فهو ”لا يريد أن يطابق التمثيلات الثقافية النمطية التي يصوغها المخيال للمكان، بل يروم استحداث صور ورموز وعلامات مغايرة تقترن بإدراكه الخاص للفضاء. وهو الأمر ذاته الملاحظ في رواية الملكة. ورغم عنونة كتاب الدكتور بن مالك بالخيال والتخييل، إلا أن بحث ظاهرة التخييل في الكتاب اقتصرت على المبحث الأول الذي خصصه للثورة الجزائرية بين التخييل والأيديولوجيا، والذي حاول من خلاله مقاربة أطروحة الثورة والتخييل لدى كل من عبد الحميد بن هدوڤة ومرزاق بقطاش، وهو مبحث لم يتعدَّ العشرين صفحة من بين صفحات الكتاب المئة والخمسة. إذ تشعب الكتاب إلى قضايا الفضاء والنسق والوصف والمعنى والانفتاح على الهامش، وهي قضايا رغم ما يربطها بالتخييل إلا أن القارئ لا يكاد يتبين مواضع الربط بين التخييل كمبحث عام يشي به العنوان الرئيس للكتاب والقضايا الفرعية التي جاءت على شكل مقالات منفصلة لغياب جانب تنظيري يضيء للقارئ آليات الاشتغال النقدي ومسار البحث، والمنطلقات المؤسسة لهذا الخطاب النقدي، فيما تنتصر هذه الدراسة في ارتكازها على الجانب التطبيقي وخلوها من الفضول.