خلال المؤتمر السنوي، الذي ينظمه مركز "الخليج" للدراسات والذي عقد في الآونة الأخيرة، كان لنا لقاء مع المفكر السوري، الدكتور "الطيب تيزيني"، الذي أبدى تشاؤمه حيال الأوضاع التي يعيشها المثقف العربي، حيث قال إن هذا المثقف يجد نفسه اليوم محاصرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا• الساحة العربية أصبحت تعج بالسياسات التي تجعل المثقف رهن اللقمة التي تغيب عنه شيئا فشيئا• تكون المسألة أوضح إذا عرفنا أن الطبقة الوسطى في المجتمع العربي بدأت تنحسر ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، أي مع نشأة النفط السياسي، الذي أطاح بالإعتدال والتوازن على المستوى الإجتماعي• مجتمع اليوم أصبح مجتمع العشرين والثمانين (20 في المئة فقراء و80 في المئة أغنياء)، بل إن هذه الثمانين الآن يتصاعد عددها بصورة مطردة• ما يحدث الآن في معظم البلدان العربية من اضطرابات اقتصادية وسياسية وغيرها، يأتي في الحقيقة ضمن رؤية استراتيجية تسعى إلى إبعاد الناس عن التفكير في أي بديل للواقع القائم• المثقف العربي فقد مصداقيته أمام الناس، بعد أن فقد مرجعيته وتنازل عن المساحات التي كان يشغلها لحساب الأنظمة التي ابتلعت كل شيء حتى المثقفين، ما يضعنا أمام إشكالية جديدة وهي: هل يمكن تحريك أي تغيير في العالم العربي في غياب المثقفين ؟ أتصور أن الإجابة عن هذا السؤال هي التي تطمئن الأنظمة العربية إلى أنها ستبقى وتستمر رغم ابتلاعها الطبيعة والبشر• إن هذه الأنظمة تعمل اليوم بشكل وبآخر، على إفساد من لم يفسد حتى "يشرب الجميع من البئر" كما في قصة البئر المسحورة، ثم لا يصبح ثمة مجال لأية إمكانية في نشأة بدائل تاريخية• زمن العولمة جاء في الوقت المناسب مثل الخاتم في أصبع الأنظمة العربية، لأن هذا الزمن جاء في الأساس لتفكيك الثقافة• النظام العولمي يسعى إلى تفكيك المنجز الثقافي التاريخي في جميع اتجاهاته، لينفتح المجال أمام ثقافة السوق على مستوى المدنس والنقدس معا، حيث دخل الفضاء الديني أيضا ضمن هذا المجال ليصبح التدين نوعا من السلعة التي تباع لتحقيق الفرجة أو "الشو"• وكما يقول "الطيب تيزيني"، فإن الأنظمة العربية، لم تنتظر زمن العولمة لتقوم بتفكيك الثقافة، حيث إنها بدأت في تفكيكها منذ مطلع السبعينيات• كما إن هذه الأنظمة لم تنتظر "فوكوياما" لتعلن نهاية التاريخ، حيث إنها رفضت وماتزال ترفض البدائل التاريخية وتعلن منذ زمن بعيد أن التاريخ انتهى بها• ما يسعى إليه النظام العالمي الجديد الآن من إقصاء الثقافات الوطنية العقلانية والديمقراطية وإحلال ثقافة أخرى هي ثقافة السوق، هذا في الأساس بدأ يتشكل في العالم العربي منذ السبعينيات• من هنا نجد أن أي مشروع مجتمعي عربي جديد، لن يقوم وإذا لم يتجند المجتمع المدني بشكل حقيقي وإذا لم يُعد المثقف تعريف نفسه ودوره، بحيث يضع لنفسه مهات جديدة ويجيب عن الإشكالية التالية : هل نستطيع اليوم أن نحقق ما لم نحققه منذ عصر النهضة ؟