المفكر السوري الطيب تيزيني أوضح المفكر السوري الكبير الطيب تيزيني أن المجتمعات العربية وصلت اليوم إلى مرحلة الانغلاق بعد سقوط كل المشاريع الثورية من المحيط إلى الخليج، وأرجع هذا المفكر المصنف كواحد من مائة فيلسوف في العالم خلال القرن العشرين، والذي يزور الجزائر بدعوة من المكتبة الوطنية الجزائرية، أن مشروع البناء في الوطن العربي ابتلعته العولمة التي حولت الإنسان إلى مجرد سلعة في السوق العالمية. * هذا من جهة ومن جهة أخرى يرى تيزيني أن الفكر العربي وصل أيضا إلى طريق مسدود لأن الأنظمة العربية مفككة وأصبحت عاجزة عن الإجابة عن أسئلتها المحورية التي والنظام العالمي الجديد الذي يقوم على ثورة الاتصالات أسقط الاشتراكية وأعاد ترتيب المنطقة العربية بداية من حرب الخليج الأولى إلى سقوط كل المشاريع العربية الثورية وجعل اللحظة التاريخية العربية تمر بلحظة انغلاق غاب فيها الفاتح الذي يحسن قراءة التراث بعيدا عن وهم الايديولوجيا. * ولدى حديثه عن اللحظة العربية الراهنة، قال ضيف المكتبة الوطنية والمثقفين الجزائريين إن "النفط السياسي" تحول من نعمة إلى نقمة في الوطن العربي وعمل على تكسير وتحطيم الطبقة المتوسطة التي كانت عماد بناء الثقافة والفكر في الأقطار العربية، وهنا يقول المفكر إن مفهوم السيادة لم يعد له أي معنى طالما أن الأنظمة العربية صارت اليوم مخترقة من قبل النظام العالمي الذي "هدم العالم وابتلعه وأعاد بناءه في شكل سلع" وهنا صار سؤال الثقافة والهوية غير ذي معنى، لأن في الأصل -يضيف المحاضر- رهانات العرب غير موجودة في التاريخ فانتقل سؤال العرب من سؤال الهوية والسيادة إلى سؤال التاريخ "هل خرج العرب من التاريخ؟ وهل ما زال العرب فعلا في حدود التاريخ؟ وهنا توقف المتحدث عند الحالة العراقية "ليس غريبا أن تسقط بغداد، لأنها في الأصل سقطت من الداخل قبل أن تسقط من الخارج". * ولم ينسى صاحب كتاب "من التراث إلى الثورة" أن يتطرق إلى وهم الوحدة العربية التي كانت ألعوبة في يد "الجيوش غير العسكرية" التي تحولت من معركة الاستقلال إلى الانقلابات التي أنجبت ما أسماه المحاضر بالدولة الأمنية، وهنا توقف ليفرق بين الدولة البوليسية التي قال إن خصومها أشخاص بينما الدولة الأمنية خصمها المجتمع برمته فعطلت هذه الدولة المحمية من طرف الأنظمة الاستعمارية الخارجية إنتاج الأفكار والرهانات وقامت بترقية التخلف، بل أكثر من ذلك أنتجت ما اسماه ب "التخليف العربي". * كما طرح المحاضر في محاضرته حالة الأصولية التي قال إنها تاج تعطل الفكر وطغيان الوهم الاديولوجي في قراءة التاريخ والتراث، لأن اليأس العربي جعل البعض يقوم ب "رحلة إلى السفارات الغربية بحثا عن الخلاص" والبعض الآخر اختار الرحيل إلى جنة السماء بعد أن يأس من جنة الأرض، في إشارة إلى الحركات المتطرفة التي تتبنى الطرح الديني الإسلامي، فيما اكتفى البعض برحلة إلى الذات والانطواء على النفس، وهو الاتجاه الذي أنتج الصوفية. * واستطرد الباحث في تشريح الوضع العربي بتوقفه عند "الدولة الأمنية "التي أغلقت التاريخ العربي، اعتمادا على الاستئثار بالسلطة والإعلام والثروة، بل وتعداها الأمر إلى الاستئثار بالحقيقة، ليختم ضيف الجزائر محاضرته بشروط قراءة التراث التي ربطها بمستوى ثقافة قارئ هذا التراث واهتماماته والتوجه الاديولوجي للباحثين عن الخلاص، وأكد أن تصدع المجتمع العربي أخلط القيم وغابت فيه المعايير.