الجوائز من كثرتها في الخليج تكاد توزع على مدار الساعة، حيث لا ينظر إليها من جانب أهميتها المعنوية وموضوعية التحكيم فيها، بقدر ما ينظر إليها من جانب قيمتها المادية الآنية. ثمة حمى مهرجانات ومسابقات وجوائز، اجتاحت في السنوات الأخيرة منطقة الخليج وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة. وغالبا ما نجد أن الذين يفرحون بالجوائز ويتيهون بها هم الذين يعرفون في أعماقهم أنهم ليسوا لها أهلا، لأن المقاييس المتبعة في تحكيم المسابقات هنا كما في كل مكان، لا تخلو من تأثير العوامل الذاتية ذات العلاقة بمفردات المحسوبية والجهوية والفئوية، الأمر الذي لا يغيب عن بال الأفراد البعيدين عن لجان التحكيم، سواء أكانوا من الأكاديميين المتخصصين أم من عامة الناس. ثمة جوائز تمنح باستمرار، نعم، والقيمة المادية لبعضها كبيرة، نعم، ومن المؤكد أنها عامل إيجابي جيد في مجال تشجيع المبدعين والمشتغلين والمنتجين في مختلف الحقول والمجالات، غير أن كثرة تلك الجوائز وخضوع الكثير من المحكمين فيها للتأثيرات الذاتية والمصلحية الضيقة تقلل من قيمتها المعنوية. فمثلا، إذا نظمت مسابقة وكان من ضمن لجنة التحكيم عراقيون أو فلسطينيون، فلابد من أن تمنح بعض الجوائز للعراقيين والفلسطينيين، حتى وإن لم يكونوا جديرين بها على مستوى ما قدموه من عمل. الصراع على مواقع النفوذ أصبح أمرا حتميا على ما يبدو، يلاحق العرب أينما كانوا. أن يفوز فلان بالجائزة الفلانية في مجال معين، وبخاصة إذا كانت هذه الجائزة شهيرة، بحيث تحظى بتغطية إعلامية محلية وعربية وعالمية واسعة، هكذا أمور لا يمكن أن تترك لمحاسن الصدف. ثمة دائما "أخ أكبر" يقف وراء الكواليس ويقرر فيمن يفوز أو لا يفوز، أو يؤثر على الأقل في عملية اتخاذ القرار، من خلال توازنات معينة ترتبط بطبيعة العلاقات الشخصية التي تتحرك داخل كل مؤسسة من المؤسسات التي يشارك أفرادها في المسابقة أو المهرجان أو التظاهرة التي توزع الجوائز. في هذا السياق، ليس من الضروري أن تختار "محاسن الصدف" الأحسن والأجدر دائما. أحيانا يبرمج فائز لمجرد إرضاء جهة معينة أو اجتناب سخط جهة أخرى. الكثيرون هنا من المواطنين والعرب وغير العرب الوافدين، يتهافتون على المسابقات والمهرجانات طمعا في الجوائز، بينما تجد أيضا من يرفضون بشكل قاطع المشاركة في أي من هذه التظاهرات، حتى لا يضعوا أنفسهم تحت رحمة آلة تصنيفية قد لا تعطيهم حقهم، كما يتصورون، لاعتبارات غير موضوعية. المسألة كلها شبيهة بقضية الشرعية التوافقية في لبنان، حيث نجد أن اختيار وزير معين لحقيبة وزارية معينة، ليس من الضروري أن يكون مرتبطا بمستوى كفاءته بقدر ما يرتبط في الواقع بكونه محسوبا على الطائفة الفلانية أو الجهة الفلانية أو إحدى القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة، مع الاحتفاظ طبعا بالفارق الكبير داخل هذا التشبيه، لأن موضوع الجوائز لا علاقة له بالسياسة، على الأقل فيما يظهر.