ما تزال السهرات الرمضانية والقعدات العائلية التي تتزامن وشهر رمضان الكريم تطبع العديد من البيوت البليدية وسط أجواء يميزها الدفء العائلي وصلة الأرحام. وتعكف هذه العائلات على التمسك بهذه العادات المتجذرة قصد حمايتها من الاندثار والزوال حيث تجدها على مدار أيام الشهر الفضيل تتداول على تنظيم سهرات و قعدات حميمية بمنزلها تستضيف فيها أفراد العائلة الكبيرة و كذا الأصدقاء والأحباب على صينية الشاي المعطرة برائحة النعناع والمزينة بأحلى الحلويات التقليدية من "سيفار" و "قطايف" و"دبلة" و"بقلاوة" إلى جانب "الطورطة" و "القلب اللوز" و"الزلابية". كما تحظى العروس التي زفت إلى زوجها أسابيع قلائل قبل شهر رمضان المعظم بمرتبة مميزة لدى العائلات البليدية حيث تقام على شرفها سهرات يومية تحتضنها في كل مرة منزل من منازل أقارب زوجها و تتحلى هي فيها بأبهى الملابس والحلي. ولعل أهم ما تتميز به هذه السهرات الحميمية التي غالبا ما تدوم إلى ساعة متأخرة من الليل هو استحضار البوقالات الشعبية التي تسردها الجدة على الفتيات الحاضرات . وتعد لعبة البوقالة من بين التراث المعنوي الذي يكثر الطلب عليه في شهر رمضان إلى جانب القصص و الحكايات التي تتجاذب أطرافها النسوة خلال قعداتها. و تتمثل لعبة البوقالة في كونها عبارات موزونة المعنى و متناغمة السمع تحوي في بعضها صفات فارس الأحلام و في بعضها الآخر أخبار مسلية و مثيرة عن الشؤون الدنيوية. و البوقالة هي أن تصنع النسوة الحاضرة في المجلس عن طريق التداول عقدة في خمارها أو بقطعة قماش و تنوي قبل الاستماع إلى فالها بداخل قلبها عن شخص ما لتحاول بعدها إسقاط معنى هذا الأخير على الشخص الذي تم التفكير فيه بعد سماعها للبوقالة. ويبقى القول في الأخير أن شهر رمضان المعظم و من خلال هذه السهرات و الزيارات الحميمية التي تتبادلها العائلات البليدية فيما بينها يعد بمثابة فرصة لتوطيد صلة الرحم و تناسي الأحقاد.