تجربة الصحافة الحرة في الجزائر، على ثرائها وعمقها ورغم الثمن الذي دفعته في العشرية الدموية، مازالت لم تبلغ بعد مرحلة النضج، ومازالت بعيدة جدا عن الدور الذي من المفروض أن تلعبه والذي هو دورها لبناء مجتمع متوازن وتنشئة المواطن المسؤول. وكيف لهذه الصحافة أن تلعب هذا الدور وهي لم تتحرر من المطبات التي حفرت وتحفر لها في مساراتها، فأوقعت الكثير منا وأفقدتنا المصداقية، إذ كثيرا ما تجردنا من المهنية وصار بعضنا عصا بيد هذا وبيد ذاك. فالصحافة الحرة التي اتسمت في بداية مسارها بالشجاعة والكلمة الحرة وواجهت ما واجهت من متاعب وتحملت الضربات الموجعة التي وجهتها لها السلطة من جهة، والإرهاب من جهة أخرى، ولم تطأطئ رأسها رغم ضغوطات المطابع والإعلان الحكومي، لكنها وبعد كل هذه النضالات والحروب التي سقطت فيها أرواح وأسماء، دخلت المهنة بعدها في مرحلة غير مشرقة، وهي مرحلة تحكم فيها المعلنين الخواص في توجهاتها وفي أقلامها، فظهرت صحف مأجورة، صحف لا تختلف عن الصحافة الصفراء، صحافة الإثارة وتصفية الحسابات، وابتعدت شيئا فشيئا عن الخط الذي رسمه أمثال جاووت ومقبل بدمائهم، ولم يسلم من السقوط إلا عنوان أو عنوانين لا أذكرها، وبعد تحكم رأس المال والمعلنين في مسار الصحافة، هاهي هذه تسقط في يد السفارات والمصالح الأجنبية حتى أن الكثير من مسؤولي الصحافة "الصفراء" لا هم ولا عمل لهم إلا التنقل عبر السفارات يبايعون هذا وذاك وكل بمقابل.. وصارت جهات أجنبية تتحكم في أقلام كنا نظن أنها تحررت من ربقة السلطة. ها نحن وبعد 18 سنة من تحقيق هذا المكسب، وجدنا أنفسنا مجبرين على خوض حروب أخرى، حروب تحرير المهنة من المرتزقة، وإلا فإن دماء الصحفيين الذين سقطوا بنيران الإرهاب ستحاسبنا يوما ما.