أصبح من المستحيلات على المواطن العادي بولاية الوادي أن يشتري أرضا بيضاء لبناء سكن أو مرفق خاص أو عمومي بسبب ندرة الأراضي البيضاء من جهة ولالتهاب أسعارها من جهة ثانية، بحيث يضطر الراغب في بناء سكن إلى شراء أرض صغيرة لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار مربعة بحوالي مليار سنتيم بعاصمة الولاية وقرابة 200 مليون سنتيم بالقرى والبلديات الداخلية. يرجع المتابعون لهذه الظاهرة الغريبة بمنطقة سوف أسباب الارتفاع الجنوني لأسعار العقار إلى امتهان بعض رؤوس الأموال الضخمة البزنسة بالعقار والمضاربة فيه قصد السيطرة على جميع المساحات البيضاء والأوعية العقارية الخاوية ومن ثم فرض أسعار خيالية لبيعها. ولعل من الغرابة أن بعضهم يلجأون إلى شراء أرض بمليارين سنتيم في الصحراء وهي لا تتجاوز في الأصل سقف 50 مليون سنتيم في شكل من أشكال الغرابة التي أثارت الكثير من تساؤلات الشارع السوفي الذي بات يشك في خلفية امتهان رؤوس الأموال في العقار، بحيث يرى بعضهم أن الأمر يتعلق بتبييض أموالهم الخاصة للتستر على بعض الأعمال الموازية التي يقوم بها هؤلاء. ويؤدي تنافس بعض رؤوس الأموال على الأراضي الخاوية ببلدية وادي سوف على وجه الخصوص إلى الوصول بها إلى أسعار خيالية، بحيث بيعت في الأيام الماضية أحد المساكن الهشة ببلدية الوادي، لا تتجاوز مساحته 22 مترا مربعا بحوالي ثلاثة ملايير سنتيم، في حين كان صاحبها إلى وقت قريب يطمع في 100 مليون سنتيم فقط كسقف نهائي لبيعها. وقد أثارت هذه الظاهرة حفيظة السلطات الولائية، بحيث دفعت بفصيلة الأبحاث الى مباشرة جملة من التحقيقات السرية عبر البلديات التي مستها الظاهرة قصد الوقوف على خلفياتها وممتهنيها، لكن دون جدوى بسبب تعقد عمليات بيع الأراضي العرفية وتستر الكثير من المشترين والبائعين على السعر الحقيقي للبيع. ولعل من البلديات التي شملها التحقيق بشكل بارز هي بلدية البياضة، التي تعد على رأس البلديات التي تعرف التهابا واضحا لأسعار العقار ونهبا موازيا للأوعية الخاوية، بحيث تأتي بلدية البياضة الواقعة على بعد 6 كلم جنوب عاصمة بلدية الوادي، على رأس البلديات التي عرفت ظاهرة تحويل ونهب أراضي الدولة، وهو ما أثر بشكل بارز على أسعارها، التي لم يعد بمقدور ضعيفي الدخل شراء أراض خاوية لتجسيد مشاريعهم ومساكنهم، زاد في حدتها النهب والاعتداء المفضوح على العقار. وحسب حصيلة مصالح مفتشية أملاك الدولة بالوادي، المؤرخة في 20 ديسمبر 2002 فإن عدد حالات الاستيلاء على أملاك الدولة في هذه البلدية لم يتعد 20 حالة في التاريخ المذكور، في حين أن هذا الرقم ارتفع حاليا إلى أكثر من 200 حالة والخسائر التي تسببت فيها هذه الاعتداءات وصلت إلى أكثر من 40 مليار سنتيم. وقد راسل رئيس بلدية البياضة السابق عدة مرات الولاية ومصالح أملاك الدولة حول المشكل إلا أنه لا شيء حصل، ما شجع بعض المعتدين على الأوعية العقارية على فعلهم وقد شجع سكوت الجهات المختصة بعض ممن امتهنوا الفلاحة على اقتطاع مساحات شاسعة لزرع منتوج البطاطا خصوصا في حي الفطاحزة ولبام. ومست ظاهرة الاعتداء بشكل جلي المناطق التي تقع في داخل التوسع الحضري على مستوى أحياء الصومام وفاتح نوفمبر بالبلدية المذكورة وأن المساحات المستولى عليها تتراوح ما بين واحد إلى ثلاثة هكتارات لكل معتد. أما أحياء عاصمة البلدية، البياضة، فليست بمنأى عن الاعتداء على العقار، وقد قامت الجهات الأمنية بتحقيقات في قضية نهب وتبديد العقار بالبياضة، إلا أنه لا يعرف لحد الآن ما توصلت إليه تلك التحقيقات. وقد تحركت مصالح البلدية في كثير من الأحيان لاسترجاع الأراضي المنهوبة، لكن إصرار الناهبين على أحقيتهم بالأرض حال دون ذلك بسبب العقود العرفية التي يستنجد بها الناهبون لكون غالبية الأراضي البيضاء بولاية الوادي لم تمسسها عمليات المسح العام للدولة في السنوات الماضية ، وهو ما وضع الأراضي رهينة تلك العقود العرفية التي تعتقد السلطات المحلية والولائية أن غالبيتها ملفق، لكن غياب المسح حال دون استرجاعها. ويعتقد البعض أن الأمر عادي، لكن إذا وضع في حسبانه الكثبان الرملية الشاسعة المحيطة بالتجمعات السكانية يدرك حجم الخطورة لكون الأراضي البيضاء على مد البصر في الصحراء إلا أن السكان تقاسموها فيما بينهم ولم يبقوا للدولة أراض لتجسيد مشاريعهم التنموية وفق المعطيات القانونية المطلوبة، بحيث تلجأ السلطات المحلية في كثير من الأحيان لتحويل المشاريع من جهة إلى أخرى بسبب غياب الأوعية الخاوية لبنائها. ويرى كثير من المنتخبين أن حل هذه المعضلة يكمن في إقدام السلطات الولائية على إجراء مسح شامل يشمل جميع المساحات البيضاء على مستوى كامل صحاري الولاية ووضع اليد عليها حتى لا يتحجج السكان بالعقود العرفية لافتكاكها من الدولة والحد من هذه الظاهرة التي أثقلت كاهل الدولة والمواطن على حد سواء.