جاء في أمثلتنا الشعبية ".. كي كان حي، مشتاق تمرة، وكي مات علقولوا عرجون". هذا المثل، لا يحتاج إلى شرح، ويعبر كثيرا عن واقع المحسوبين على قطاعكم يا معالي الوزير، ومنهم على وجه الخصوص الكاتب والإعلامي الكبير، الأستاذ سهيل الخالدي، وأحسب أنني لست بحاجة إلى التعريف به، خاصة عندما يكون الخطاب موجها لمسؤول في الحكومة اسمه عز الدين ميهوبي. ولأن انشغالاتكم كثيرة، و مسؤولياتكم أكبر من أن تنشغلوا بأخبار كاتب وإعلامي، وتسألوا عن أسباب وخلفيات غيابه عن المشهد الثقافي الذي كان إلى عهد قريب، يغطي ثلاثة أرباعه لوحده، أسمح لنفسي هنا لأخبركم أن الرجل يمر بظرف صحي صعب للغاية، بل ويموت في صمت، تماما مثلما ظل صامتا أمام مظالم طالته بثقل جبال جرجرة التي احتضنته، عندما تنكر له المسؤولون، وهجره الخلان، والمحسوبون على قطاع الثقافة، ولم يجد بجانبه، سوى تلك السيدة الفاضلة القادمة من أرض الشام الجريحة، وهي تقاسمه أوجاعه، وآلامه في شقة ضيقة تكرم له بها أحد المحسنين إيجارا وليس تمليكا. معالي وزير الثقافة.. إنني إذ أسمح لنفسي لأخاطبكم بهذه الصيغة، ذلك لأنني أعلم علم اليقين أنكم تعرفون جيدا من هو الأستاذ سهيل الخالدي، وتعرفون ماذا قدم للجزائر ولقطاع الثقافة في الجزائر، وكيف، وكم رافع عنها في المحافل الدولية، وأعلم أيضا علم اليقين، أنه متى أصابه مكروه – لا قدر الله – تكونون أول من يوقع برقية التعزية التي تتلى على مسامعنا في نشرة الأخبار الرسمية، فإلى متى نظل نعاني من قاعدة " التمرة والعرجون" يا معالي الوزير؟ ! إن مأساة ومصيبة، بل و"دراما" الأستاذ سهيل الخالدي، يا معالي وزير الثقافة، لو كُتبت فوق الحجر الأصم، لانشق من فرط الخجل الذي تسببه له، ولو تقرر –عبثا – أن تُصور، ثم أسند الدور فيها لحكواتي، يروي تفاصيلها للتاريخ وللأجيال القادمة، لامتنع عن آداء الدور، احتراما للحقيقة التي تعرينا جميعا أمام أنفسنا، وتجعل أصحاب الضمائر الحية، يلعنون الثقافة ولواحقها، في بلد يأكل أبناءه وخدامه، ويركع لجلاديه ومغتصبيه ! عذرا معالي وزير الثقافة، عما قد يبدو تجاوزا مني في لغة الخطاب ومصطلحاته، ويبدو –تطاولا- من صحفي بسيط على مسؤول رفيع، وإن قبلتم اعتذاري، دعوني استحلفكم بالله، وأخاطب فيكم ضمير المثقف الواعي، والشاعر الرهيف، وابن الدوار الأصيل، كي تلحقوا قبل فوات الأوان، وتنقذوا بقايا هذا المثقف المظلوم، فثمة مبررات كثيرة تشفع لكم، وتشرعن تدخلكم لإنقاذه مما هو فيه. لو فكرتم ب "ضمير السلطة"، يا معالي الوزير، لوجدتم أنكم مدينون لهذا الرجل الرمز بالتدخل السريع لإنقاذه من الهلاك، لأن فضله على الدولة الجزائرية، تعجز مجلدات عن وصفه وعده، ويكفي أنه المثقف الوحيد في الجزائر الذي انبرى مدافعا بقلمه عن رئيس الجمهورية، بوصفه رمزا من رموز الدولة، في قضية علي الشرفة التي لا تحتاج إلى تذكيركم بتفاصيلها. لو فكرتم يا معالي الوزير بضمير المثقف، لوجدتم أن الرجل أخ شقيق لكم في "الرضاعة من محبرة الحرف العربي"، ولست هنا في مستوى من يذكركم بحق الأخ على أخيه، ولو فكرتم بعقلية السياسي البراغماتي،لشفع له سطر واحد من جملة طويلة محذوفة من مقالة وصفه فيها دبلوماسي عربي مثقف، فقال "سهيل الخالدي، نموذَج للوحدة العربية فهو يفطر في المشرق ويتعشى في المغرب"، والعبرة هنا يا معالي الوزير، كيف لرجل مثقف بهذا المواصفات التي شهد له بها الغير، أن يملك حرية وإمكانات التنقل بين المشرق والمغرب، ولا يجد بيتا له يأويه في بلده، وقد فعلت به الشيخوخة والمرض وتنكر الزمان، وقسوة الخلان ما فعلوا، ومع ذلك لا يزال الرجل صابرا، صامتا، حكيما، محتسبا أمره لله، متجاوزا الوعود الكاذبة لرجالات السلطة ورموز الثقافة، منذ أن زجوا به في دار العجزة بباب الزوار، قبل نحو عشر سنوات. إن كان كل ذلك لا يشفع له يا معالي الوزير، كي تتكرموا عليه بشقة، وتأمروا من يرعاه صحيا، فلتشفع له إنسانيتكم، فلقد عرفناك كريما ابن كريم، تبكي لحال الضعفاء والمحتاجين، وسهيل الخالدي هو اليوم عنوان لكل هؤلاء المحتاجين والضعفاء الذين ظُلموا وما بدلوا تبديلا، فهو دائما كما عهدناه، مثل النخلة الأصيلة ترميها بالحجر وتتكرم عليك بالتمر.