في عودة للذاكرة الوطنية والسجل التاريخي الجزائري الحافل بالبطولات، جاء شهر أكتوبر ليذكرنا باليوم الذي خرجت فيه الجالية الجزائرية في مسيرة سلمية بالشوارع الباريسية استجابة لدعوة من جبهة التحرير الوطني، تنديدا بسياسة القمع الفرنسية، واحتجاجا على قرار حظر التجول الذي أصدره في حقهم محافظ شرطة باريس مجرم الحرب ''موريس بابون'' وذلك في 71 أكتوبر 1691 على الساعة الثامنة ليلا إلى الخامسة صباحا بهدف شل نشاطهم وتحركاتهم، وعلى اثر ذلك قامت الشرطة الفرنسية بأعمال بشعة في حق المدنيين العزل، وألقت بالمئات منهم وهم أحياء من جسر سان ميشال إلى نهر السّان، ما خلف حصيلة ضخمة من الشهداء والمفقودين، وفي الذكرى التاسعة والأربعين ليوم الهجرة مازالت الدولة الفرنسية متمسكة بمطلب تمجيد الاستعمار ومصرّة على إنكار جرائم هي الأبشع في حق الإنسانية، متجاهلة لماضيها الأسود ومؤكدة على عدم مسؤوليتها، وعلى مايبدوا فكما انتزع استقلال الجزائر، وجب أيضا انتزاع الحق في اعتراف فرنسا بهذه المجازر التي راح ضحيتها شعب أعزل كان يطالب باسترجاع كرامته وسيادته المسلوبتين• جريمة استعمارية لا تمحى خرج في هذا التاريخ 80000 جزائري في مسيرة سلمية بباريس بدعوة من قادة الثورة الجزائرية حزب جبهة التحرير الوطني، احتجاجا على حظر التجول الذي أمر به مدير الشرطة آنذاك موريس بابون على الجزائريين دون سواهم، و يذكر المؤرخون بأن المتظاهرين بما فيهم رجال و نساء و أطفال قدموا من نانتير و أوبيرفيليي و أرجونتوي و بوزونس و حتى من الأحياء الفقيرة لباريس على غرار مينيلمونتان من أجل الدفاع عن حريتهم و كرامتهم التي دست بإصدار مرسوم في ديمقراطية غربية، وبشهادة حاضري الواقعة فإن المظاهرة السلمية آنذاك خلفت مئات القتلى و مئات المفقودين و أكثر من 1000 جريح في حين أوقفت الشرطة الفرنسية 14094 جزائري، وهي الأرقام التي يبقى الحصول عليها بالدقة المطلوبة أمر شبه مستحيل، في ظل صعوبة الحصول على رقم دقيق لعدد ضحايا هذه المظاهرات بسبب وجود العديد من الجزائريين المفقودين، حيث ألقيت الجثث التي نقلت إلى مصلحة حفظ الجثث في نهر السين من نوافذ البناية التي تضم هذه المصلحة· وأوضح المؤرخ الجزائري حسن زغيدة في هذه المناسبة سإن ما جرى في مظاهرات 17 أكتوبر هو جريمة دولة منظّمة، تُعاقب عليها جميع القوانين الدولية ولا تموت بالتقادم''، وكشف أن مجازر 17 أكتوبر جرت وسط تعتيم إعلامي، حيث منعت السلطات الفرنسية حضور الصحافة والكتابة عن المجزرة، كما تجاهلت شكاوى ذوي المفقودين في المظاهرات، وقدر المؤرخ عدد الضحايا الذين سقطوا في تلك الأحداث بنحو 400 جزائري قتلوا بالرصاص وأكثر من 400 غيرهم في عداد المفقودين، وقال إن ''منظر الجثث الطافية في نهر السين هز الضمير الفرنسي بإصدار 19 منظمة وحزبا بيانات تنديد، كما تحرك الرأي العام الدولي ضد فرنسا''، حيث أجبر صدى مجازر 17 أكتوبر فرنسا على الدخول في مفاوضات نهائية انتهت بتقرير مصير الجزائريين· الجزائر تستذكر شهداءها تحت شعار ''17 أكتوبر·· ذكرى وعبرة''، أحيت بحر الأسبوع الماضي وزارتا المجاهدين والشؤون الدينية في الجزائر الذكرى ال 49 لمجازر 17 أكتوبر 1961 أو يوم الهجرة الوطني، حيث اختيرت ولاية المسيلة لاحتضان الاحتفالات الرسمية، في حين عمت كافة بلديات الجزائر احتفالات شعبية يتم خلالها تكريم مجاهدين وأرامل شهداء· نظمت خلال هذه الاحتفالات التي بدأت في 41 من الشهر الجاري إلى غاية ال 02 منه محاضرات وأفلام وندوات ومعارض رسم وغيرها من النشاطات الهادفة إلى تعريف الجمهور بدور المهاجرين الجزائريين في ثورة التحرير،ويذكر أنه منذ 7002 بدأت هذه المناسبة تأخذ شكلا احتفاليا في كافة ربوع البلاد بعدما كانت تمر بصفة عابرة في الإعلام الرسمي، وتتزامن احتفالات هذا العام مع المطالبة بإصدار قانون لتجريم الاستعمار· من جانبه اعتبر وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، في المسيلة أن مجازر 71 أكتوبر 1691 بباريس ضد الجزائريين جرائم ضد الإنسانية، وأوضح بأن الدولة الفرنسية في تلك الحقبة أثبتت من خلال أوسمة فاعلي المجازر ضلوعها العلني والمباشر فيها· الجمعيات بفرنسا تطالبها بالاعتراف بجرائمها يوجد اليوم في فرنسا العديد من الجمعيات التي لم تنس هذه الأحداث الأليمة والتي تحتفل بذكراها من خلال تنظم تجمعات بأماكن الجريمة، وكذا بمدن أخرى من فرنسا التي شهدت أيضا تظاهرات سلمية مماثلة، وقد طالبت هذه الجمعيات بالاعتراف الرسمي من طرف فرنسا لهذه الجرائم التي اقترفتها عناصر الشرطة، معربة عن تأسفها لكون فرنسا و بعد مرور 94 سنة لم تعترف بمسؤوليتها في الحروب الاستعمارية التي خاضتها في الجزائر''· كما تأسفت لكون ''البعض مازالوا يتجرؤون اليوم على التحدث عن مزايا الاستعمار''، ودعت الجمعيات بعض الجماعات المحلية إلى تطوير الأماكن التذكارية وتجنيد السكان بها للمطالبة لا سيما بالاطلاع الفعلي على الأرشيف بالنسبة للجميع مؤرخين ومواطنين وتطوير البحث التاريخي حول هذه القضايا، و أشارت الى ان البحث عن الحقيقة أضحت ضرورة ملحة فيما يخص هذه الفترة السوداء من تاريخنا، وأكدت أن هذه المبادرة دون سواها قد تسهم في إزالة أخطر أثار حرب الجزائر وهي العنصرية· المجتمع المدني الفرنسي يتألم لبشاعة المجزرة وقد نظم مئات الأشخاص تجمعا بباريس من أجل المطالبة بالإعتراف الرسمي بالجريمة التي ارتكبتها الدولة الفرنسية يومي 71 و81 أكتوبر 1691 ضد آلاف الجزائريين المتظاهرين· وطالب المتظاهرون الذين لبوا نداء مجموعة من الجمعيات والأحزاب ورابطة حقوق الإنسان بحرية الإطلاع الفعلي على الأرشيف للمؤرخين والمواطنين على حد سواء وتطوير البحث حول المسائل المتعلقة بالذاكرة في إطار فرنسي-جزائري ودولي· وقد نظم التجمع الذي شاركت فيه عائلات الضحايا وشهود عيان على جسر سان-ميشال الذي ألقي منه عشرات الجزائريين في نهر السين لأنهم عارضوا حضر التجول الذي فرضه عليهم محافظ الأمن موريس بابون· بن عطا الله يحيي المجتمع المدني الفرنسي ومن جهته حيا كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج حليم بن عطا الله فاعلي المجتمع المدني في فرنسا على الدور الذي لعبه هذا الأخير بشجاعة وثبات من أجل تسليط الضوء على الحقيقة التاريخية للمجازر التي ارتكبت في 71 أكتوبر 1691 ضد جزائريين كانوا يتظاهرون سلميا من اجل حقهم في الكرامة والحرية· واوضح كاتب الدولة الذي وقف وقفة ترحم بمدينة نانتير أمام نصب تذكاري أن ذاكرة الشعوب لطالما تبقى حية رغم أنف معذيبها· وبدوره دعا رئيس بلدية نانتير الدولة الفرنسية إلى الاعتراف رسميا بجريمتها وأن يتم الإفصاح عن العدد الحقيقي للقتلى خلال هذه التظاهرة وأن لا يشكل بعد اليوم موضوع أي جدال· واستطرد قائلا ''نأمل جميعا أن تعترف أخيرا السلطات السامية للدولة بعد 05 سنة رسميا بمسؤوليتها في هذه المجازر من خلال عمل يلزم الجمهورية· واعتبر المؤرخ جون لوك إينودي أنه حان الوقت لكي تعترف فرنسا بجرائمها ضد الإنسانية بعد مرور 94 سنة من وقوع هذه الجرائم· ومن جهته أشار المؤرخ هنري بويو أنه من العاجل الاعتراف بكل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية باسم فرنسا وإدانتها، معتبرا أنه لا يكفي القول أن فرنسا هي بلد حقوق الإنسان بل يجب أن يطبق ذلك على أرض الواقع· فرنسا تعاند وتمجد جرائمها الاستعمارية بالجزائر أشرفت الحكومة الفرنسية الأسبوع الماضي على تنصيب مؤسسة ''الذاكرة لحرب الجزائر وتونس والمغرب'' التي نص عليها قانون تمجيد الاستعمار الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي في فبراير 5002، وسط توقعات ان تضفي هذه الخطوة مزيدا من التوتر السياسي على العلاقات بين الجزائروفرنسا بسبب ملف الاستعمار والذاكرة· وقد نددت فعاليات فرنسية وجزائرية بمبادرة الحكومة الفرنسية لإنشاء مؤسسة ''الذاكرة وحرب الجزائر والمغرب وتونس'' والتي تعمل على تمجيد الاستعمار الفرنسي وتبرير الممارسات القمعية وجرائم الاستعمار الفرنسي، فيما طالبت فعاليات جزائرية الحكومة والبرلمان بالتراجع عن قرار تجميد مشروع قانون تجريم الاستعمار، وفتح نقاش وطني حوله بمناسبة الذكرى 94 لمجزرة 71 أكتوبر 1691 في باريس· جاك فرجس: قادتنا الفرنسيين مصابون بالعمى السياسي ومن جهته أكد المحامي جاك فرجس في حصة سكاستيون داكتو'' (قضايا الساعة) أن مجازر أكتوبر 1691 تعد جريمة ضد الإنسانية لا يمكن العفو عنها· وأوضح فرجس الذي نزل ضيفا على الحصة إلى جانب عضوا مجلس الأمة و رئيس جمعية قدماء فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا موحند أكلي بن يونس والمؤرخ أوليفيي لو كور غراند ميزون أنه لا يمكن العفو عن مثل هذه الجريمة التي لا يمحوها الزمن· وبعد أن تطرق إلى سياسة الكيل بمكيالين في معالجة مسائل الاستعمار عندما يتعلق الأمر بالعرب أو شمال إفريقيا انتقد الأستاذ فرجس السرعة التي أدانت بها السلطات الفرنسية موريس بابون على تورطه في ترحيل اليهود دون أن يتم إزعاجه بشان جرائمه ضد الجزائريين الذين أمر بالإلقاء بهم في نهر السين· وقال المحامي فرجس أن''قادتنا الفرنسيين مصابون بالعمى السياسي والأخلاقي، معتبرا أن الاستعمار كان رحم الهمجية في أوروبا· وذكر بن يونس من جهته أن بابون لم يكن إلا منفذ لجريمة دولة، مشيرا انه لا يجب التركيز كثيرا على بابون الذي لم يكن في الحقيقة إلا منفذ لأوامر كانت تصدرها أعلى السلطات الفرنسية آنذاك· كما يرى المؤرخ أوليفيي لو كور غراند ميزون انه من الخطأ تحميل بابون وحده المسؤولية معتبرا في هذا الصدد أن ''ذلك يسمح بتبرئة أشخاص آخرين من تورطهم في هذه المجازر· وعن سؤال حول العدد الحقيقي لضحايا هذه المجازر سجل المتدخلون صعوبة تحديد عددهم بسبب صعوبة التوصل إلى يومنا هذا إلى بعض الوثائق الأرشيفية المتعلقة بأحداث أكتوبر 1691 والعدد الكبير للأشخاص الذين تم طردهم إلى البلد الأصل والذين يجهل مصيرهم إلى حد الآن·