- الطاهر بولنوار: غياب الرقابة ساهم في انتشاره - اقتصاديون: الأسواق الموازية تهدّد الاقتصاد الوطني - أصحاب محلات المجوهرات: ارتفاع الأسعار زاد من الإقبال على الدلالة تشهد أسعار الذهب في الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرا، مما جعل العديد من المواطنين يعزفون عن شراء هذا المعدن الغالي من محلات المجوهرات وهو ما ساهم في زيادة الإقبال على الأسواق السوداء المنتشرة في العديد من الأماكن، خاصة الشعبية منها، حيث تتفنن الدلالات في عرض سلعهن على الزبائن بأسعار مغرية. ونظرا للأرباح الكبيرة التي يجنيها سماسرة الذهب في السوق السوداء، وخاصة في فصل الصيف، فقد وسعوا من نشاطاتهم في كل الولايات، وازداد عدد الدلالات اللواتي ينتشرن في الشوارع والمؤسسات العمومية، وأكثر من ذلك، فقد توسع نشاط بيع الذهب إلى الشباب العاطل عن العمل، وبعض الموظفات في المؤسسات العمومية، والذين وجدوا في تجارة المعدن الأصفر فوائد كبيرة تعفيهم عناء البحث عن الوظيفة والوساطة التي توصّل إليها، وهو ما لاحظته السياسي خلال جولتها للعديد من هذه الأسواق. وأمام هذا الواقع، وقفت السياسي على هذه الظاهرة التي قد تشكّل خطورة كبيرة على الدورة الاقتصادية، هذه الأخيرة التي تتعرض للانتهاكات الكبيرة ناهيك عن حجم الضرر الذي يتعرض له الزبون باقتنائه ذهبا مغشوشا في الكثير من الأحيان. دلالة وادي كنيس تستهوي النساء.. وحتى الرجال وفي خصم انتشار هذه الظاهرة، كانت لنا جولة استطلاعية في هذه الأسواق، حيث كانت وجهتنا الأولى الى وادي كنيس وأول ما يشدّ انتباهك وأنت تدخل دلالة وادي كنيس، المعروفة بالإنتشار الرهيب ل الدلالين ، هو الإقبال الكبير على هذه الأسواق، وما لفت نظرنا ونحن نتجول بها تلك الدلالات اللواتي تحاولن شد انتباه المارة بشتى الطرق من خلال إلباس أصابعهن العشرة بأعداد هائلة من الخواتم ولبس عشرات القلادات. ووسط هذه الحركية التي تشهدها هذه الأسواق، كانت لنا وقفة مع بعض المواطنين، لتقول في هذا الصدد مريم التي كانت رفقة والدتها، أنها اعتادت على شراء الذهب من عند هذا البائع، فهي تأتي إليه كلما أرادت الشراء، وباعتبار أنها مقبلة على الزواج، فهي تأتي إلى الدلالة باعتبار انه أرخص مقارنة بالمحلات التي تبيع الذهب، وبما أن سعر الغرام الواحد من الذهب تجاوز ال5000 دينار في بعض الحالات، فإنها لجأت الى هذه الأسواق كحل لها لشراء الذهببأسعار زهيدة مقارنة بأسعار محلات المجوهرات وما لفت انتباهنا ونحن نتجول بهذه الأسواق، هو أنها باتت مقصدا للنساء وحتى الرجال. الباعة: التأكّد من الميزان وسلامة الذهب أهم ما يطلبه الزبون ولمعرفة المزيد عن مدى الإقبال على المجوهرات المصنوعة من الذهب، تقربنا من بعض الباعة ب دلالة وادي كنيس الذي ذاع صيتها على المستوى المحلي، والتي أصبحت وجهة للمقبلات على الزواج لشرائه، وهو ما أكده أحد الباعة في حديثه ل السياسي ، والذي قال: لقد شهدت الدلالة توافد العديد من الباعة التقليديين من مختلف الأحياء الأخرى للعاصمة المعروفين ببيع الذهب ، وأضاف بائع آخر بأن تجارة الذهب في مثل هذه الأسواق ازدهرت كثيرا وذاع صيتها في مختلف المناطق على غرار عنابة، وهران وقسنطينة وغيرها.. كما أضاف هذه الأسواق هي القبلة المفضّلة للعديد من الفتيات المقبلات على الزواج خاصة . وفي استفسارنا حول ما إذا يطالب الزبائن بالدمغة أو كما يطلق عليه الصائغون الطابع على المصوغات، أوضح أحد الباعة ب الدلالة منذ سنوات أن زبائن وادي كنيس غير مكترثين لهذا الأمر بتاتا، فالمهم لديهم اقتناء المجوهرات بأسعار معقولة وفي متناول القدرة الشرائية، إلا أن أغلبهم، أضاف محدثنا، يشترطون التأكّد من الميزان وسلامة الذهب لدى المحلات. باية تروي قصة بدايتها في المهنة اقتربنا من خالتي باية، التي تمتهن هذه المهنة منذ 20 سنة عندما توفي زوجها وترك في مسؤوليتها ثلاث بنات ولم تجد من يعيلهن، فلجأت الى العمل في مجال بيع الذهب حيث عرض عليها احد جيرانها الذي كان يعمل فيها، فكان يعطيها قطعا الذهب بسعر وتبيعها هي بسعر أكثر منه هي وقدرتها، وقد استطاعت ان تتكفل بتربية بناتها وتعليمهن. وتعرف حديقة رويسو إقبال المئات من الناس يوميا خاصة في فصل الصيف حيث ان أغلبية النساء اللائي تقصدن المكان تكن مقبلات على الزواج، اقتربنا من إحدى الفتيات التي كانت هناك بصدد شراء سلسلة وسألناها عن سبب اختيارها لهذا المكان عوضا عن الصائغ، فأجابتنا منال ان الثمن بين المحل وهنا يختلف كثيرا مما جعلها تختار المكان الأقل تكلفة، وعن نوعية الذهب الذي يباع هناك، تقول انه لا يوجد فرق كبير بين المحل والسوق السوداء وهي تشتري هي وعائلتها من هذه الأسواق منذ وقت طويل، فأختها كذلك عندما كانت مقبلة على الزواج اشترت مصوغاتها هنا ولم تواجه اي مشكلة. وفي سبر آراء قامت به السياسي عبر صفحات الموقع التواصل الاجتماعي فايس بوك أظهرت النتائج أن 62 بالمائة من النساء تفضّلن شراء الذهب من السوق السوداء عوض الصائغ والسبب في ذلك راجع الى السعر الذي يعد منخفضا مقارنة بالمحلات في حين ان 48 بالمائة تفضّلن المحلات لأنها أضمن من ناحية نوعية الذهب والثمن كذلك. أصحاب محلات المجوهرات: ارتفاع الأسعار زاد الإقبال على الدلالة وأمام هذا الإنتشار الرهيب لهذه الأسواق بالعديد من الأماكن بالعاصمة وخارجها، كانت لنا وقفة مع بعض تجار ذهب بمحلات المجوهرات ليقول في هذا الصدد أمين، بائع مجوهرات بالعاصمة: إن هناك بعض التجار يعرضون سلعا مغشوشة، سواء ذهب ممزوج بغبرة النحاس أو مواد أخرى، يصعب حتى على الصائغ التأكّد من مدى صحته ونقائه . ويضيف: إن هؤلاء التجار يقف ورائهم بارونات الذهب المغشوش، حيث يزودونهم بالسلعة ويوفرون لهم الحماية. وكثيرا ما يقع الزبائن ضحايا لهؤلاء التجار، حتى التاجر لا يسلم من الذهب المغشوش، حيث يقع بعض التجار في الفخ مثل الزبائن . وتحكي إحدى زبونات أمين عن زميلتها في العمل إشترت زميلتي عقدا بعشرة ملايين سنتيم، وعندما عادت للبيت، شكّ زوجها في العقد، وأخذه إلى أحد أصدقائه الذي يعمل صائغ، ليكتشف أنه ليس ذهباً خالصاً. وعند عودتهم للبحث عن البائع، أنكر ان المرأة اشتريه من عنده وهي لا تملك اي ضمان لذلك وعادة ما يكون الباعة ليسوا من تلك المنطقة، بل يأتون من مناطق مجاورة كي لا يتعرف عليهم أحد ، و يضيف محدثنا ان تذبذب وارتفاع أسعار الذهب في المحلات الخاصة ببيع المجوهرات، ساهم في زيادة إقبال المواطنين على الأسواق الموازية او ما يعرف ب الدلالة . اجتماعيون: الظاهرة وليدة عدة ظروف اجتماعية ولمعرفة الأسباب التي دفعت بالعديد من النسوة لمزاولة هذه المهنة، يقول الاجتماعي م. ح ، إن الحاجة الاجتماعية دفعت النسوة المتجمعات بالعشرات إلى ممارسة هذه المهنة التي تميزها أخطار كبيرة سواء من حيث مخالفتهن للقانون أو تعرضهن للاعتداءات وينقطعن جميعهن في تبرير تجارتهن بالظروف الاجتماعية الصعبة وما يخفى على الجميع هو أن هؤلاء النسوة لسن بالضرورة أصحاب السلعة، فمعظمهن يتاجرن في ذهب هو ملك أصلا لأفراد آخرين وينلن عند البيع نصيبهن من الفائدة. ويرى العديد من الباحثين الاجتماعيين، أن التحولات التي تعرفها الجزائر في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية أفرزت ظواهر عديدة لم تعرف من قبل. كما أن غلاء المعيشة ونقص فرص العمل، ساهمت في التفاف الشباب حول هذه الأسواق ووسعوا من نشاطها كطريقة للحصول على المال والربح، فالشباب العاطل فرض منطقه من خلال فرض السوق السوداء في كل شيء. اقتصاديون: الأسواق الموازية تهدّد الاقتصاد الوطني وفي خضم انتشار الأسواق الموازية للذهب، أكد العديد من الاقتصاديين أنه بات من الضروري ضبط سوق الذهب في بلادنا من خلال رسم إستراتيجية فعّالة لاحتواء الأسواق الموازية التي أضحت تشكّل تهديدا كبيرا للاقتصاد الوطني، فلا يمكن بناء اقتصاد قوي، حسب محدثنا، في ظل انتشار الأسواق السوداء كالفطريات، داعيا أعضاء السلطات للتحلي أكثر بروح المسؤولية وتحديد هدف رئيسي يتمثل في محاربة كل أشكال التجارة الموازية، لأنها قد تسبّب لاقتصادنا مضاعفات نعجز عن علاجها لاحقا . ومن أجل القضاء على السوق السوداء للذهب، لابد من تنظيم هذه الأسواق وذلك كإجراء عقلاني لاحتواء التجار غير الشرعيين من خلال منحهم الحق في ممارسة تجارتهم بصفة قانونية وهو ما يخلّص المستهلكين من أنياب البارونات والتجار عديمي الذمة. كما ان انخفاض الأسعار بهذه الأسواق، أوقع الزبائن في شراك طمع وجشع التجار وضحايا تقاعس دور أجهزة الرقابة، مشدّدا في ذات السياق، على ضرورة تجنيد أعوان تابعين لوزارة التجارة يعملون بصفة دورية ودائمة على مراقبة النوعية والأسعار، مؤكدا أن تكثيف دورات الرقابة كفيلة بمحاربة كل أنواع الغش في السوق الوطنية. حماية المستهلك: الأسواق الموازية مكان لترويج هذا الذهب ومن جهته، يقول مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية المستهلك، ان السوق السوداء للذهب على نوعين، الاول وهو الذي تقصده النساء من اجل بيع الذهب، اما الثاني وهو الذي على مرآى عامة الناس والموجود عبر العديد من الشوارع العمومية والناس تقصده، نظرا لانخفاض السعر وهذه الأسواق فوضوية لا يوجد فيها أي ضمانة ولا توجد عليها اي رقابة، فهي ممكن ان تكون مكانا لترويج الذهب المسروق وترويج الذهب المغشوش، لذلك، قد يتعرض الكثيرون للغش، فشرط الأمان غير متوفر. وفي نفس السياق، يقول حمداش زكرياء، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك بتيبازة، إن أغلبية التجار غير الشرعيين يمارسون الغش في تعاملهم، فالغش يتم بطرق كثيرة مثل التلاعب في العيار والوزن من خلال إضافة معادن أخرى فوق المستويات المتعارف عليها، فعلى سبيل المثال عيار 21 تتم إضافة 142.8 غرام من النحاس على الكيلو الصافي وبعد صهرها ومزجها معا يظهر لدينا ذهب عيار 21 وبالنسبة للرقابة على هؤلاء، فقد قال المتحدث أنها موجودة على التجار القانونيين فقط أي الحاملين للسجل التجاري ودائما الذهب الموجود عليه طابع دليل على خضوعه للرقابة او بالأحرى يتمتع بالمواصفات القانونية، فالغش يقع في القطع الذهبية غير المطبوعة والتي تباع في الأسواق الموازية. الطاهر بولنوار: إن غياب الرقابة على هذه الأسواق ساهم في ارتفاع الغش أبدى الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، قلقه بسبب ارتفاع عدد نقاط لبيع الذهب بطريقة غير قانونية، حيث تشير الإحصائيات، حسب المتحدث، إلى ارتفاع هذه الأخيرة إذ تمثل هذه الأسواق نسبة 50 في المائة. وفي سياق آخر، كشف بولنوار أن غياب الرقابة بالأسواق الموازية تسبّب في ارتفاع الغش عن طريق خلط الذهب المعروف خاصة بالأسواق الموازية مع مادة النحاس، فيما لجأ البعض إلى استعمال مواد أخرى لتفادي تفطن الزبائن بسبب مرونة المادة التي صنعت منها مما يسهل عملية الخلط دون حدوث أي تصلب لمادة الذهب، مشيرا إلى أن 50 بالمائة من الذهب المتداول بالسوق السوداء مغشوش. ويكون الغش إما عن طريق الاستيراد أي يأتي مغشوشا او يكون الغش محليا يتم خلطه بمعادن أخرى وهنا يبقى المستهلك هو المتضرر الوحيد من هذا وبصفتنا نحن كتجار وحرفيون، نطالب الحكومة بتطهير سوق الذهب من الغش بالقضاء على الأسواق الموازية المنتشرة عبر مختلف الشوارع، كما أننا نطالبها بتجديد الرقابة على جميع التجار وكذا تشجيع الحرفيين المختصين في صناعة الذهب حتى لا نترك المجال للذهب المغشوش لدخول السوق الجزائرية .