جفاف منابع المياه وتلوثها يهدّد السكان قارورات البوتان تعجز عن مقاومة برودة المنطقة القاسية المؤسسات التربوية تتحول إلى خراب بسبب هجرة الأهالي رغم القدرات الفلاحية والرعوية التي تزخر بها منطقة أولاد الحاج الواقعة ضمن إقليم بلدية القلب الكبير بولاية المدية، إلا أن العمليات التنموية تتواجد على الهامش، حيث أن توفرها على أراضي شاسعة وخصبة لم يشفع لها بأن تكون قطبا فلاحيا رائدا بالولاية، فالإهمال الذي طالها في السنوات الأخيرة الماضية حولها إلى مجموعة من الأطلال على شاكلة الآثار الرومانية، حيث وللوهلة الأولى يخيل للزائر أن المدينة خالية من عروشها، لتنكشف الصورة ببطء على واقع تنموي مريض يتجرعه سكان المنطقة الذين وجدوا في السياسي ضالتهم لنقل معاناتهم وظروفهم الصعبة التي يواجهونها يوميا. العزلة تفرض نفسها وتحاصر السكان أول ما شد انتباهنا ونحن ندخل منطقة أولاد الحاج ببلدية القلب الكبير ولاية المدية، هو العزلة التي تخيم على السكنات التي تتواجد بصفة مبعثرة على طول التلال، فلا وجود للطرقات التي تؤدي إليها سوى تلك المسالك الضيقة المليئة بالأحجار والأتربة، مصعبة بذلك حركة التنقل على الأشخاص والمركبات التي لا تدخل المكان إلا للضرورة القصوى، فسكان هذه المنطقة لا يزالون يستعملون وسائل بدائية في تنقلاتهم كالحمير والبغال، أو الجرارات التي تقوى على مواجهة الطرق الوعرة. أراضي زراعية خصبة تتحوّل إلى بور تزخر منطقة أولاد الحاج بأراضي فلاحيه واعدة ما يؤهلها لتخلق ثروة، ولكن غياب الأيدي العاملة وانعدام الإمكانيات حال دون نهوضها بقطاع فلاحي بامتياز، فهجرة الأهالي جعل هذا القطاع يركد ويتعرض للإهمال حيث تحولت الأراضي من خصبة إلى بور، رغم إنتاجها الوفير للحوامض والكروم وأشجار التين والزيتون، حيث ونحن نتجول بالمنطقة لاحظنا بضع شجيرات متفرقة تحتاج إلى العناية حتى لا تجف. وأثناء تقربنا من بعض المواطنين للإستفسار عن سبب تركهم لهذا القطاع، أكد هؤلاء أن لديهم الرغبة في العمل غير أن قلة الإمكانيات المادية حالت دون قدرتهم على اصلاحها واستزراعها، ليضيفوا بأنهم ينتظرون الْتفاتة السلطات المعنية لدعمهم بغية إنعاش القطاع الفلاحي الذي كان فيما مضى مصدر رزق لأهل المنطقة. لا نقل... لا مدارس ولا قاعات للعلاج وما زاد وضع سكان المنطقة سوءا وتعقيدا هو غياب النقل الذي أرق يومياتهم، حيث يقطعون مسافات طويلة للضفر بوسيلة قلّما تمر بالطريق الأساسي للمدينة الذي يربطها بالبلديات الأخرى على غرار بلدية بني سليمان وبلديتي تابلاط ومزغنة، فالتنقل بالمنطقة يشكل معضلة حقيقية للسكان، الذين باتوا لا يتنقلون إلا للضرورة القصوى، لإقْتناء المستلزمات اليومية من مئونة أو للعلاج الذي يعد مشكلة أخرى، أما التلاميذ فنجدهم في صراع يومي للوصول إلى مقاعد الدراسة بسبب بعد هذه الأخيرة وانعدامها على مستوى المنطقة هي أيضا، وسط مخاطر حوادث السير ومخاطر الكلاب الضالة والحيوانات البرية التي تنتشر بالمنطقة. رحلة شاقة للبحث عن قطرة ماء لا تزال منطقة أولاد الحاج بالمدية، تعتمد طرقا بدائية للتزود بالماء الشروب، فأثناء تواجدنا بالمنطقة شاهدنا وفود الحمير المحملة بالدلاء التي يجلبونها من الآبار والأودية المحاذية للمنطقة والتي تبعد عن القرى بكيلومترات، فلا أثر للحنفيات بالبيوت التي هي حلم السكان الذين ملوا من الطريقة الصعبة في الحصول على قطرة ماء، الذي يعتبر من ضروريات الحياة، خاصة خلال أيام الصيف الحارة أين تصعب حركة التنقل مع الارتفاع الشديد للحرارة وجفاف المنابع وانخفاض منسوب المياه العذبة بها، وتصبح شحيحة وملوثة بسبب عامل الحرارة مهددة بذلك صحة السكان إثر انتشار الأوبئة وتراكم الجراثيم بها. الغاز لمن استطاع إليه سبيلا لا تتوقف معاناة سكان أولاد الحاج عند هذا الحد فحسب، بل تتعداه إلى مشاكل أخرى من غياب تام للمحلات التجارية والمرافق الضرورية التي يحتاج إليها المواطن في حياته اليومية، ولعل أبرزها هو ندرة غاز البوتان، الذي حول يومياتهم إلى جحيم حقيقي، حيث يتكبدون عناء التنقل إلى غاية المدينة أو البلديات المجاورة على غرار بلديتي تابلاط وبني سليمان من أجل اقتناء قارورة غاز مع حلول فصل الشتاء واشتداد البرد القارس وتهاطل الثلوج، أين تشل الحركة تماما يزداد الطلب على هذه المادة لتعدد استعمالاتها في الطهي والتدفئة يجد السكان صعوبة بالغة في الحصول على مادة الغاز. مدارس تحولت إلى خراب كانت في السابق منطقة أولاد الحاج تحتوي على عدة مدارس كغيرها من المناطق، وبالرغم من بساطتها وقلة الإمكانيات بها، إلا أنها التلاميذ كانوا يتمدرسون على مستواها دون مشقة، غير أن هذه الأخيرة تحوّلت بفعل هجرة السكان إلى مجرد أماكن مهجورة أو هياكل بدون روح، فلا أثر لهيكل تربوي سوى بضع الجدران وساحة خالية تملؤها الأحجار وترعى بها الأغنام. ورغم عودة الأهالي مرة ثانية، إلا أن الوضع لم يتغير بها، ولم تتم أشغال إعاة ترميمها لاستعمالها من جديد سيما في ظل تواجدها بمجمع سكني يدرس أبناؤه خارج منطقتهم، الأمر الذي جعل أهل المنطقة يستغربون عدم تحرك السلطات المعنية للقيام بتهيئة ذات المؤسسات التربوية بعد عودة الأمن والإستقرار، خاصة وأن أبناءهم يعانون من مشقة التنقل اليومي في ظل غياب وسائل النقل العمومي والمدرسي. الرعي... الشغل المتاح لكافة الشباب أثناء الزيارة التي قادتنا إلى منطقة أولاد الحاج استوقفنا شباب يملؤون المقاهي، هذه الأخيرة التي ضاقت بهم نظرا لقلة عددها على مستوى المنطقة، فالشباب بأولاد الحاج ضائع بين شبح البطالة وطموحاتهم التي لم تجد طريقا لتجسيدها، حيث لا وجود لمرافق الترفيه سوى تلك الأطلال والسهول الشاسعة التي يقضون فيها أوقاتهم، حيث يلجأ معظمهم إلى المدن للعمل وتحسين ظروفه المعيشية، فيما اتخذ البعض الآخر ضالتهم في رعي الأغنام والمواشي لكسب رزقهم باعتبار المنطقة رعوية بامتياز، حيث أكد ذات المتحدثين أن الرعي هو الشغل المتاح والمتوفر حاليا لإنْعدام البرامج التنموية وغياب التأطير.