لاشك أنه لم يعد هناك خلاف على أهمية التبرع بالدم من الناحية الصحية والإنسانية، وخصوصاً مع حملات التبرع التي تقام في كل فترة؛ والتوعية التي أصبحت منتشرة عبر المنظمات الصحية ووسائل الإعلام والانترنت عن أهمية التبرع بالدم وكيفية التبرع. لكن يبقى في كل موضوع قضايا واستفسارات تحتاج إلى إجابات علمية. في هذه المقالة سنركز على قضيتين شغلت فكر كثير من الناس فيما يتعلق بموضوع التبرع بالدم وهما: 1. الحجامة من حيث أنها هل يمكن أن تغني عن التبرع بالدم ؟ أو بالعكس هل يغني التبرع بالدم عن الحجامة ؟ 2. أمراض القلب والأوعية من حيث مدى فائدة التبرع بالدم في تخفيض الضغط والوقاية من حدوث الجلطات، وهل هناك من خطورة من تبرع مرضى القلب والأوعية بدمهم؟ أولاً: هل تغني الحجامة عن التبرع بالدم؟ أو هل يغني التبرع بالدم عن الحجامة؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف ما الفرق بين التبرع بالدم والحجامة. 1-التبرع بالدم هو سحب الدم من وريد رئيسي مباشرة- أي الدم الجاري - وهو يشبه عملية الفصد التي كانت تجرى قديماً بإجراء شق في أحد الأوردة لإخراج الدم، وهذه العملية كانت مستخدمة في علاج بعض الأمراض كارتفاع ضغط الدم. يحوي دم التبرع على نفس نسب كريات الدم الحمراء والبيضاء والحديد الموجودة في الدم الأصلي، وهذا يساهم في تجديد الدورة الدموية ككل. 2- أما الحجامة فهي عملية مص الدم من أوردة صغيرة فرعية في الجلد - أي الدم الراكد- وهذا الدم يكون مكاناً ملائماً للرواسب والسموم وتجمع الكريات الحمراء الهرمة. تستخدم الحجامة في علاج العديد من الأمراض، وتعد من السنن النبوية. دم الحجامة يحوي فقط على الكريات الحمراء الهرمة والسموم، وتبقى الكريات البيضاء والحديد في الدم الأصلي. وبالتالي فإن الحجامة تساهم في تجديد الكريات الحمراء فقط. من هذه الفروق بين التبرع بالدم والحجامة نستنتج ما يلي: التبرع بالدم والحجامة عمليتان مختلفتان تماماً، ولكل منهما دوره وأهميته، ولا يمكن أن يغني أحدهما عن الآخر. فالحجامة يمكن أن تجدد الكريات الحمراء وتخلص الجسم من السموم، إلا أنها لا تجدد مكونات الدم ككل، ولا تقلل من نسبة الحديد التي يرتبط ارتفاعها بعدد من الأمراض كما تفعل عملية التبرع بالدم. بالمقابل لا تفيد عملية التبرع بالدم في التخلص من الدم الراكد الحاوي على العديد من الكريات الحمراء الهرمة والرواسب السامة كما تفعل الحجامة. ثانياً: ما مدى فائدة التبرع بالدم في تخفيض الضغط والوقاية من حدوث الجلطات؟ هناك توازن بين خلايا الدم الحمراء المنتجة حديثاَ والقديمة منها والتي يتم إزالتها من الدم. الخلايا القديمة هي أقل مرونة وتميل للتجمع على جدران الأوعية الدموية. التجمعات الكبيرة من خلايا الدم الحمراء القديمة في الأوعية محفوفة بالمخاطر، لأنها تزيد من سماكة هذه الأوعية وبالتالي ترفع الضغط الدموي. كما يمكن أن تكون هذه التجمعات بؤرة لتشكل جلطة قد تؤدي إلى أزمة قلبية. بعض الدراسات أشارت إلى ارتباط بين زيادة نسبة الحديد في الدم وزيادة خطر حدوث الجلطات الدموية، وذلك لأن الحديد يسهم في تنشيط أنزيم ليبيد بيروكسيداز الذي يقوم بأكسدة الكوليسترول المنقول عبر الدم ويؤدي إلى ترسبه على جدران الأوعية الدموية كخطوة إلى تشكل الجلطة. وبناء على ذلك، بما أن التبرع بالدم يساهم في تحفيز إنتاج خلايا دم حمراء جديدة والتخلص من خلايا الدم القديمة، و كذلك يساهم في تقليل نسبة الحديد، فإنه بالتالي سيساهم في تخفيض ضغط الدم ويقي من حدوث الجلطات. هل هناك من خطورة من تبرع مرضى القلب والأوعية الدموية بدمهم؟ لا تعد أمراض القلب والأوعية بحد ذاتها مانعاً من التبرع بالدم، بل بالعكس قد يكون للتبرع بالدم فوائد جمة لمرضى القلب والأوعية والتي ذكرناها آنفاً. ولكن يجب تقييم إمكانية التبرع من عدمه وفقاً لحالة كل مريض بإشراف طبيب مختص. فيمكن لمريض القلب أن يتبرع إذا كان يأخذ أدويته بانتظام، ويضبط ضغطه، ولم يتعرض لأزمة قلبية أو عملية جراحية خلال الستة أشهر التي تسبق تبرعه بالدم؛ إلا أن هذا يحتاج إلى تقييم من طبيب مختص كما ذكرنا من خلال إجراء فحوصات واختبارات طبية محددة