- مؤتمر الصومام قانون أساسي ودستور للثورة التحريرية أحيت الجزائر، أمس، الذكرى المزدوجة للهجوم القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام، تحت شعار المجاهد.. إرادة شعب.. مستقبل أمة ، في ظل تأكيدات مؤرخين ومجاهدين على رمزية تاريخ 20 أوت بفعل النجاحات المحققة من حيث توسيع الكفاح المسلح وهيكلة مؤسسات الثورة التحريرية. شكّل هجوم الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 ومؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 حدثين هامين في مسيرة كفاح الشعب الجزائري الطويلة من أجل استرجاع استقلاله، بعد سنوات طويلة قضاها تحت نير الاستعمار. ولقد أعطى الحدثان الذين تحيي الجزائر هذه السنة ذكراهما ال59 و60 نفسا جديدا لثورة التحرير الوطني. ويعتبر هجوم الشمال القسنطيني عملية عسكرية سمحت بتحقيق هدفين هامين، ألا وهما توسيع الكفاح المسلح وفك الخناق الذي فرضته قوات جيش الاستعمار الفرنسي على منطقة الأوراس.أما بالنسبة لمؤتمر الصومام الذي توجت أشغاله بالأرضية التي تحمل نفس الاسم، فقد حدّد هياكل جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني وأعطى إستراتيجية للكفاح المسلح وذلك بعد 20 شهرا من اندلاعه في ال1 نوفمبر 1954. وأكد مؤرخون وفاعلون في الثورة، أن هجوم الشمال القسنطيني، الذي جرى في أقل من سنة من اندلاع الكفاح المسلح، قد أدى إلى قطيعة بين الشعب الجزائري والنظام الاستعماري. كما أعطى الهجوم الذي شنّه الشهيد زيغوت يوسف ورفاقه نفسا جديدا للثورة التي كانت تمر بفترة صعبة تميزت بالمضايقات التي تعرض لها المناضلون وغياب اللوجيستيك والوسائل للقيام بالكفاح. لقد كانت الثورة تعاني من صعوبات كبيرة حيث أنها فقدت، في ظرف ثلاثة أشهر، ثلاثة من زعمائها وهم ديدوش مراد الذي اغتيل في 12 جانفي 1955 ومصطفى بن بولعيد الذي اعتقل في 12 فيفري 1955 ورابح بيطاط الذي اعتقل هو الآخر في 16 مارس 1955. في هذا الصدد، أشار المجاهد الراحل لخضر بن طوبال، حسب كتابات المؤرخين، الى انه لو تأخر ذلك الهجوم، لتعرضت الثورة للخطر . من جانبه، أكد المؤرخ دحو جربال، أن الشعب الجزائري قد عاد إليه الوعي في ذلك التاريخ أنه بإمكانه أخذ مصيره بيده واسترجاع سلطته ذات السيادة على المكان والزمان. أما فيما يتعلق بمؤتمر الصومام الذي جرى بالمنطقة الجبلية بإيفري ببلدية أوزلاغن ببجاية، فإن لوائحه قد سمحت بدفع الثورة نحو النجاح من خلال تنظيم الهياكل والأجهزة السياسية والعسكرية لثورة التحرير. كما حدّدت أرضية الصومام الأهداف الواجب تجسيدها والوسائل الكفيلة بتحقيقها كما طرحت مشكل المفاوضات والشروط المسبقة لأي وقف لإطلاق النار مع القوة الاستعمارية، فقد كانت تدعو، على سبيل المثال، إلى الاعتراف بجبهة التحرير الوطني كممثل وحيد للشعب الجزائري والوحيدة المخولة بأي مفوضات. في ذات السياق، أعطت أرضية الصومام جوابا على اتهامات السلطات الفرنسية التي مفادها أن جبهة التحرير الوطني كانت في خدمة قوة أجنبية. كما تم التأكيد على أن الثورة الجزائرية، رغم اتهامات الدعاية الاستعمارية، تعتبر كفاحا وطنيا تتميز بطابعها الوطني والسياسي والاجتماعي، فهي ليست تابعة لا الى القاهرة ولا إلى لندن ولا إلى موسكو ولا إلى واشنطن. رمزية ذات دلالة عميقة ويحمل هجوم الشمال القسنطيني (20 أوت 1955) ومؤتمر الصومام (20 أوت 1956) رمزية لا زالت في صميم الأحداث، حسبما أوضحه الباحث والمؤرخ والجامعي، حسن رمعون، مؤكدا على ضرورة تثمين الأحداث المؤسسة للأمة. وأوضح ذات الجامعي، أن البعد الخاص بالحدثين يكتسي أهمية كبرى في مسار كفاح التحرير الوطني، فهما غير طبيعيين، بل هما من فعل رجال من الحقبة الاستعمارية وأن رمزية 20 أوت مستمرة في صنع الحدث، حتى أنها هيمنت، في بعض الأحيان، على أحداث أخرى هامة وقعت في نفس الفترة على كامل التراب الوطني. كما ذكر بأن 20 أوت 1955 يعتبر تاريخا فارقا، لأنه يقودنا إلى العملية الكبرى الأولى التي قام بها جيش التحرير الوطني في الشمال القسنطيني وأن الهدف يتمثل في ضرب رمز القوة وهو ما تم بالنظر إلى حجم قمع القوات الاستعمارية. أما بخصوص رهان مؤتمر الصومام، فكان يسعى، حسب ذات الأكاديمي، إلى إضفاء النظام على منظمة جبهة التحرير الوطني وهيكلة مؤسسات الثورة كما أرسى قاعدة هامة لجبهة التحرير الوطني، حيث وسّع من قاعدة الدعم سواء في داخل أو خارج الوطن. كما تميز المؤتمر بمحاولات توضيح هامة لأهداف الثورة و الدولة الجزائرية وشكّل منعرجا على قدر كبير من الأهمية في مسار الكفاح المسلح. وذكر ذات المتدخل بتأثير الحدثين على تدويل المسألة الجزائرية، مؤكدا أن هجوم 20 أوت 1955 تم بالتنسيق مع أعمال قام بها جيش التحرير الوطني في المغرب بما أن 20 أوت هو تاريخ يرمز لتنحية محمد الخامس في سنة 1953 على يد السلطات الفرنسية وكذا مع التونسيين حيث تمت معهم محاولة لإنشاء جيش تحرير مغاربي سنة 1955، مشيرا كذلك إلى الظرف الدولي لندوة باندونغ بأندونيسيا التي سمحت بالتعريف بجبهة التحرير الوطني وفي نفس الوقت بالقضية الجزائرية وعرض هذه الأخيرة على الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تطرق المؤرخ إلى الأحداث الداخلية التي أثّرت على أحداث 20 أوت 1956 المتمثلة في العمليات الكبرى الأخرى التي تمت بشكل متزامن سيما في الغرب الجزائري ابتداء من الفاتح أكتوبر 1955. الصومام.. استمرارية لأول نوفمبر 1954 ويعتبر مؤتمر الصومام استمرارية لبيان أول نوفمبر 1954 حيث انه سرع الآفاق التي سطرها هذا الأخير، والمتمثلة في استقلال البلاد كما نظر وهيكل الثورة، حسب الأستاذ الجامعي. وتابع رمعون يقول إنه بعد سنتين من اندلاع الكفاح المسلح، كان لمهندسيه الوقت للتفكير والنقاش والتوقف عند الجوانب الغامضة التي ظهرت في بيان أول نوفمبر، مشيرا إلى مفهوم إرساء الدولة الجزائرية التي تمت معالجته في أرضية الصومام تحت تسمية النهضة مع كل ما تتضمنه من عصرنة وحداثة وانفتاح على العالم . وفي رده على استفسار حول الخلافات التي ميزت مؤتمر الصومام التاريخي، أكد المؤرخ أن المسألة المحورية كانت تتمثل في كيف يتم إضفاء المركزية على إدارة الثورة وتوزيع السلطة، وأضاف أن هناك الكثير كانوا يشعرون بالتهميش واعتبروا أن أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج لم تكن إلا تكتيكا سواء عن خطأ أو عن صواب، مؤكدا أن جميع حركات التحرير لا تستطيع تجنّب صراع الزعامات. وتابع قائلا، إن جبهة التحرير الوطني، وفضلا عن أهدافها السياسية، كانت منظمة جديدة في الكفاح المسلح في قطيعة مع الأحزاب السياسية مما صعب التفريق بين العسكري والمدني، كما أضاف أن العقد التأسيسي الذي هو بيان أول نوفمبر كان أكثر توافقا، مشيرا إلى أن أرضية الصومام كانت أقل من ذلك. ودعا الأستاذ المختص في التاريخ إلى إضفاء الطابع النظري على المستوى التاريخي والانثروبولوجي لهذين الحدثين من أجل فهم أفضل لكيفية تطور الأمور. وأضاف أن الخلافات التي ظهرت على أرضية الصومام لم تعق بشكل جوهري مسيرة الثورة، بما أن هدف الاستقلال قد تحقق. ولدى تطرقه لمسألة كتابة التاريخ، أشار إلى ضرورة تثمين الأحداث المؤسسة للأمة وعملها المشترك بشكل يسمح للشباب خاصة بإيجاد هويتهم. وخلص في الأخير إلى القول إذا كان تعليم التاريخ يمر أحيانا عبر إضفاء القداسة على بعض الأحداث، فإنه من الضروري الوصول إلى مرحلة نزع طابع القداسة والنسبية مع إعطاء نظرة مشجعة وإيجابية عن المستقبل . المجاهد علي بوغزالة: لهذا السبب غاب بعض قادة الثورة عن مؤتمر الصومام اعتبر المجاهد علي بوغزالة أرضية مؤتمر الصومام بمثابة قانون أساسي ودستور للثورة التحريرية، كيف لا وهو الذي نظم الوحدات الثورية وضبط الرتب والكتائب والفرق في جيش التحرير، كما أنه لم يجانب بيان أول نوفمبر 1954، بل جاء مكمّلا له ونجح، رغم كل ما قيل عنه لاحقا، في لم شمل القادة والثوار وتجاوز الظروف الصعبة. وقال المجاهد علي بوغزالة في تصريح ل السياسي ، إن مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 غني عن التعريف لأنه شكّل منعرجا هاما ومصيريا في مسار الكفاح المسلح، وتمكّن من هيكلة مؤسسات الثورة بشكل احترافي يشهد له حتى العدو. وحول الخلافات التي ميزت مؤتمر الصومام التاريخي وحديث مؤرخين عن صراع الزعامات وتهميش بعض قادة الثورة خلاله، ردّ العقيد بوغزالة بنبرة حادة: الناس دائما تنسى الإيجابيات وتركّز على السلبيات، أنا أقول أن مؤتمر الصومام أدى وظيفته على أكمل وجه بمن حضر من قادة الثورة، وعدم حضور البعض لا يعني أنه تم تهميشهم أو إقصاؤهم، فكلنا يعلم الظروف الصعبة للتنقل إبان فترة الاستعمار حيث أن التنقل من أوراس باتنة إلى جبال جرجرة مثلا لم يكن سهلا بتاتا ، وأضاف محدثنا في الصدد: ثم إن المؤتمر تقرر من قبل في الحدود الشرقية للبلاد قبل أن ينقل إلى قرية إفري لذات الأسباب، سيما وأن جيش الاستدمار كان يترصد حركات المجاهدين ، قبل أن يختم حديثه بنبرة حادة : هناك مثل عندنا في الجنوب يقول (اللي ما لحق للنخلة العالية يقول ما فيهاش التمر فيها الصيش) وهو ما ينطبق تماما على هؤلاء . وزير المجاهدين يحيي ذكرى 20 أوت من بجاية قام وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، أمس، بزيارة الموقع التاريخي لانعقاد مؤتمر الصومام بقرية إفري إيزلاقن بولاية بجاية، وذلك في إطار الاحتفالات باليوم الوطني للمجاهد وتخليد الذكرى المزدوجة ليوم 20 أوت 1955 و20 أوت 1956 . وقام الوزير، الذي كان رفقة كل من وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي والأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، سعيد عبادو وعدد من أعضاء الأسرة الثورية بالمنطقة، بإزاحة الستار عن الجدارية المخلدة للذكرى المزدوجة لليوم الوطني للمجاهد، فضلا عن إزاحة الستار عن مجسمات الزعماء الثوريين المسيرين لجلسات مؤتمر الصومام (كريم بلقاسم، زيغود يوسف، عبان رمضان، العربي بن مهيدي، لخضر بن طوبال وعمر أوعمران). ودائما في إطار نفس الاحتفالات، أعطى زيتوني إشارة انطلاق أشغال مشروع تزويد سكان قرية إفري بشبكة الغاز الطبيعي ووضع حيز الخدمة للربط بشبكة الغاز الطبيعي لفائدة سكان قريتي ديدون وتابوريرين بأوزلاقن، كما قام بتسمية مركز التكوين المهني بأوزلاقن باسم الشهيد بوجمعة مجفون.