أكد الدكتور فتحي بن أشنهو مختص في الصحة العمومية في حوار ل السياسي أن الجزائر اليوم أمام وباء البوحمرون وليس مجرد مرض وذلك طبقا للمعايير العالمية التي تحدد وجود هذا الأخير، مشيرا إلى أن تسجيل خمس حالات إصابة في أسبوع واحد اكبر دليل على ذلك، كما تطرق المتحدث إلى عملية التلقيح التي أكد أنها مجرد مرحلة من مراحل الوقاية من المرض وليست الأساس وهو ما يفسر إصابة أشخاص ملقحين بداء البوحمرون، كما انتقد دور هيئات الصحة المتواجدة منذ سنوات والتي لها دور فعال في مراقبة والقضاء على الأمراض المتنقلة إلا أنها تحولت اليوم إلى مجرد إدارات. كيف تفسرون انتشار مرض ك الحصبة معروف منذ عشرات سنين بهذه الطريقة وعدم القدرة على القضاء عليه؟ أولا البوحمرون هو من أبسط الأمراض الموسمية والجزائر تعرف هذا المرض منذ سنوات وهو ليس بالجديد عليها، وانتشار هذا المرض حاليا هو مؤشر للضوء الأحمر وإنذار من اجل الاستيقاظ واحترام النظام الصحي الجزائري الذي كان موجود مدة عشرات السنين، حيث أن النظام الحي الجزائري خلال السنوات الأولى للاستقلال اخذ بعين الاعتبار الأمراض المنتشرة في المجتمع نتيجة الاستعمار على غرار مرض السل الذي هو مرض معدي والذي تم أخذه بعين الاعتبار ميدانيا وبعيدا عن اجتماعات اللجان وتم القضاء عليه من خلال عملية التلقيح، نضيف أيضا على سبيل المثال مرض الشلل الناتج عن فيروس والذي تم القضاء عليه بدوره عن طريق التلقيح وبفضل النظام الصحي الذي يحث على ضرورة التلقيح. أمر آخر كانت تشهده الجزائر منذ سنوات يتعلق بالدور الذي كان يلعبه المعهد الوطني للصحة العمومية الذي كان يلعب دور التحسيس وكان له عامل فعال في الميدان لكن مع الأسف تم الابتعاد عن النظام الصحي الوطني وتم تحويل هذا المعهد إلى مجرد إدارة محضة، وأيضا من بين أسباب انتشار هذا المرض هو التخلي عن الصحة في المراكز القاعدية وأصبح الحديث محصور فقط في المستشفيات رغم أن المستشفى ما هو إلا جزء من النظام الصحي، كما إن الجزائر تلمك سلاح لمكافحة الأمراض المتنقلة المتمثل في مركز الحماية للأمومة والطفولة الذي كان يقوم بعملية التقليح ومكافحة الأمراض المتنقلة والذي بدوره أصبح اليوم مهمش وغائب عن الميدان، حيث تم تحويل عمليات التلقيح إلى المؤسسات التربوية والمستشفيات رغم وجود مصالح الحماية والطفولة، كل هذا التهميش للنظام الصحي المعمول به منذ سنوات هو السبب الرئيسي في انتشار مرض البوحمرون بهذا الشكل. مرض البوحمرون وهو مرض قديم يحدثه فيروس وهذا الفيروس ليس له أي دواء في العالم للقضاء عليه ما عدا الوقاية من خلال التلقيح، وفي كل جسم هناك جهاز مناعي بمثابة الجيش لمقاومة الفيروسات وانتشار المرض هو دليل على ضعف المناعة لدى المواطنين نتيجة غياب نظافة المحيط واليدين بالإضافة إلى النمط الغذائي سيء بمعنى جهاز المناعة ضعيف، إلى جانب عامل آخر وهو غياب الرضاعة الطبيعية لدى الأطفال ما ساهم بدوره في انتشار المرض وهو خطير خصوصا إذا بلغ تأثيره خلايا المخ. تسجيل خمس حالات إصابة في أسبوع دليل على وجود وباء في ظل زيادة نسبة انتشار مرض البوحمرون وانتقاله من ولايات الجنوب إلى الشمال وحاليا تسجيل حالات إصابة بالمدن الكبرى هل يمكن القول أن الجزائر حاليا تعاني من حالة وباء؟ قضية الوباء هناك مختصين يقيمون خطورة المرض قبل انتشاره، والوباء له معايير ومقاييس من اجل تحديده بشكل علمي على سبيل المثال تسجيل خمس حالات إصابة في أسبوع واحد يدل على وجود وباء، والجزائر اليوم تشهد الظروف المناسبة لانتشار هذا الوباء المتمثلة في انعدام النظافة والوضعية الصحية الكارثية، وهنا نطرح السؤال حول دور مصلحة الوباء والطب الوقائي في ظل ما تشهده ولايات الجنوب من انتشار للمرض باعتبار أن سكانها يعيشون في ظروف صعبة ونوعية التغذية سيئة جدا، فضلا عن انعدام النظافة، وما هو دورها في تقييم إذا ما كان هناك وباء من عدمه لكن مع الأسف هذه المصالح اليوم تحولت إلى مجرد إدارات تعد التقارير بالإضافة إلى غياب دور المكتب البلدي للنظافة الذي يلعب دور تحسين وضعية النظافة في هذه المناطق، حيث أصبح اليوم من الضروري على هاتين المصلحتين النزول إلى الميدان وأداء مهامهما. وفي هذا الإطار ندق ناقوس الخطر من الأمراض والأوبئة التي يمكن تسجيلها خلال فصل الصيف المقبل، حيث يكثر البعوض الناموس والحشرات ونوعية المياه السيئة، ما من شأنه أن يفاقم ويولد أمراضا خطيرة. سوء تسيير عملية التلقيح وراء انتشار المرض بعض الأطباء الأخصائيين في علم الأوبئة اتهموا وزارة الصحة أنها جلبت لقاح ضعيف من الهند له مضاعفات خطيرة وغطت ذلك بتوزيع تعهدات لأولياء التلاميذ من اجل التوقيع عليها بتلقيح أبنائهم من عدمه بهدف التهرب من أي مسؤولية؟ يجب أن نعلم أن المنظمة الدولية للصحة هي المخولة لتحديده صلاحية اللقاح من عدمه، وهذه اللقاحات تصنع فقط على مستوى خمس أو ستة مخابر عبر العالم والتي تملك الترخيص بذلك، يبقى الأمر محصور حاليا في الجهة التي استوردت منها الجزائر هذه التلقيحات، والجزائر تملك كل الإمكانيات لمراقبة هذه التلقيحات على رأسها المعهد الوطني للصحة العمومية الذي تحول لمجرد إدارة وهناك أيضا معهد باستور الذي من مهامه أيضا مراقبة اللقاح ومعرفة إذا ما كانت صالحة أم فاسدة، لكن المسؤولين عن تسيير العملية منذ استلام اللقاح إلى غاية حملة التلقيح من يتحملون مسؤولية انتشار المرض، بالإضافة إلى وجود سبب آخر يتعلق بالتخوف الشديد لدى المواطنين وانعدام الثقة في التلقيح، حيث أصبح هذا الأخير شبحا يرعبهم. عملية التلقيح مرحلة من مراحل الوقاية وليست الأساس ما تفسيركم لإصابة أشخاص بالمرض رغم أنهم تلقوا اللقاح؟ عملية التلقيح ما هي إلا مرحلة من بين المراحل للوقاية من الأمراض المتنقلة لكن الأمر يتعلق أيضا بالنظافة والمستوى الغذائي وأيضا الرضاعة الطبيعية عندما تغيب كل هذه العوامل حتى لو كان الشخص تلقى اللقاح هو عرضة للإصابة بمرض البوحمرون نظرا لتوفر العوامل الأخرى التي تخلق بدورها بؤرة وتساهم في انتقال العدوى وانتشار المرض بكل سهولة، بمعنى أن كل هذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض وما ساهم أيضا بشكل فعال في انتشار مرض البوحمرون غياب دور هيئات وزارة الصحة الموجودة منذ عشرات السنين المتمثلة في مصلحة الوباء والطب الوقائي التي غاب دورها بالكامل وسط الولايات التي تعرف انتشار وانتقال مرض الحصبة والحصبة الألمانية إلى جانب غياب دور المختصين في الأوبئة وأيضا المكتب البلدي للنظافة كل هذه الأطراف تساهم وتساعد على محاصرة المرض وليس عملية التلقيح وحدها. على المسؤولين الاعتراف بوجود وباء طبقا للمعايير والمعطيات المتوفرة ما هي الخطة التي يجب أن تضعها الوزارة لمجابهة هذا الداء؟ هناك إجراءات مسبقة معروفة ومعطيات علمية لمواجهة الوباء أهمها تطبيق المعاير التي تشير إلى وجود وباء أولها الاعتراف بوجود هذا الأخير من طرف المسؤولين، وأيضا تجنيد كل الوسائل المتاحة والتي ذكرناها سابقا لمواجهة انتشار المرض إلى باقي الولايات وعلاج الحالات المصابة.