تتطلب تلاوة كتاب الله تعالى جملة آداب منها الاستعادة التي طلبها منا المولى تعالى في قوله: ]فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ[، (النحل 98) والخطاب بها لا يقتصر على رسول الله فحسب، بل الأمر لجميع الناس لجميع المسلمين. ومعنى الاستعاذة كلها (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) كما يأتي: فمعنى أعوذ: العوذُ بالله هو التحصن بالله، والالتجاء إليه بالدعاء بالعصمة. وأما الشيطان: فهو واحد الشياطين، وهو مُشْتَقّ مِنْ شَطَنَ، وله ثلاثة معان: (أولها) وهو أصحها: البعيد فشطن بَعُدَ، والثاني: المتمرد، لأنه تمرد عن أمر الله وأبى السجود ليسدنا آدم عليه السلام. والثالث: أنه مأخوذ من الاحتراق، نقول: شاط إذا احترق، والصحيح هو المعنى الأول: فَالشَّيْطَان مُشْتَقّ من شطن أي الْبُعْد وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كُلّ مَنْ بعد مِنْ جِنِّيّ وَإِنْسِيّ وَحَيَوَان شَيْطَانًا. ومعنى رجيم: الرجيم: فَعيل بمعنى مفعول، وله عدة معاني: الأول:الرمي، وهو أصحها، فأصل الرجم الرَّميُ، بقول كان أو بفعل. ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّك ) ( مريم: 46) ] 32 ، ومن الرجم بالفعل قول قوم نوح قوله تعالى: ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)(الشعراء: من الآية116) 33الثاني : الملعون والمشتوم : فكل مشتوم بقولٍ رديء أو سبٍّ فهو مَرْجُوم الثالث : الطرد : فالرجيم : أي: المطرود من رحمة الله و عَنْ الْخَيْر كُلّه وكل هذه المعاني واردة في الشيطان، فهو مطرود من سَماواته ،مطرود من الجنة، ومطرود من رحمته، ومرجوم بالشُّهب الثَّواقِب كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) (الملك: من الآية5) وَقَالَ تَعَالَى ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) وملعون ومشتوم، أيضا إلا أن المعنى الأول وهو المرجوم والمرمي بالشهب الثواقب هو الأشهر. وكل هذا يكون معنى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، أي أحتمي بالله من هذا الشيطان أن يلبس علّي قراءتي أو تلاوتي لكتابه أو يخلطه علي ويمنعني من التدبرّ، ومن التفهم ومن التفسير الحسن. فالاستعادة بالله من الشيطان الرجيم تمهيد للجو الذي يتلى فيه كتاب الله، فهو تهيئة لقلب القارئ لقلب المؤمن حتى يدخل في حضرة الله، لأن القرآن خطاب الله لعبده، فهي توطئة لتلقي النور ولتلقي الطهارة، وتزكية للنفس وتطهير لها حتى تتلقى خطاب الله.فإذا استعاذ الإنسان بالله تحصن به واحتمى بالواحد الأحد ولم يكن للشيطان عليه سلطان، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. وتأمل هذه الصيغة، ]فإذا قرأت[، فإذا في اللغة العربية تكون رابطة بين كلامين، فهي تصل كلاما بكلام. هذا القاعدة اللغوية نطبقها على الآية التي نحن بصددها، ما هو الكلام السابق الذي سبق قول الله تعالى:] فإذ قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم[، يقول العلماء بأن الكلام السابق هو قوله تعالى قبل آيات من هذه الآية، ]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين[[سورة النحل: 89]. ويكون المعنى فإذ قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: إذا تلوت هذا القرآن الذي وصفته لك يا محمد بأنه فيه الهدى، وفيه البيان لكل شيء، وفيه الرحمة وفيه البشرى، وفيه النور، فإذا تلوت هذا الكتاب الذي هذه مواصفاته فعليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأنه ليس كلاما عاديا بل هو كلام مبارك رباني لا ينبغي لك أن تقرأه كما تقرأ أي كلام، فعليك أن تستعيذ قبل قراءته. يعدها د. سمير جاب الله أستاذ الفقه بجامعة الأمير قسنطينة