قسنطينة تحتكر الألوان و تسرق الأضواء في لوحات المبدعين المحليين ألهمت قسنطينة الفنانين التشكيليين على مر السنين، لكن حظها ضمن إبداعات الجيل الجديد كان أكبر بكثير، حيث تضاعف رصيدها من اللوحات المبرزة لجمال مناظرها و سحر أزقتها العتيقة و تميّز جسورها و صخرها العتيق، فظهرت المدينة بكل تجلياتها في أعمال لا تعد و لا تحصى، سيما بمناسبة تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي أماطت الستار عن مبدعين شباب و محترفين، عملوا في الظل و عبّروا في صمت عن إعجابهم بها. مشاهد كانت محجوبة عن الأنظار و أخرى بانورامية جذبت التواقين، لاستكشاف أغوار معالم و آثار و ذاكرة أمكنة كثيرة، ميّزت قسنطينة عن باقي المدن الجزائرية، فاستقطبت اهتمام مبدعين كثيرين، منهم أجانب كبول جوبير، كاترين ريكاناتي، بيير غزلين، و بيير ليباج و ميشيل فورنيل و وكرين دينيف..و غيرهم من الفنانين الذين لم يمروا على قسنطينة، دون تخليدها في لوحات تحمل بصماتهم، و التي وجد العديد منها مكانا بالمتاحف، في الوقت الذي بقيت إبداعات الجزائريين في هذا المجال في الظل، تظهر باحتشام بالمعارض التشكيلية القليلة المنظمة بين الفينة و الأخرى.و من بين اللوحات التي حاكت ألوانها و أشكالها قسنطينة، تلك الموقعة بريشة الفنان الشاب بوعناقة محمد الشريف، المتخرّج من مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة عام 1991 و الحائز على عديد الجوائز، بفضل أسلوبه المتميّز الجامع بين الانطباعية و الواقعية، فخصص بعض لوحاته لجسور و تاريخ قسنطينة الذي حاول التوثيق له في أعمال بمختلف الأبعاد، كانت بمثابة تصاميم و مجسمات لمدينة أبهره موقعها بأعلى الصخر، مثلما ظهر في اللوحتين الزيتيتين الموسومتين» صخور و جسر سيدي مسيد»، و كذا لوحة «قسنطينة العتيقة»، أين تحرّرت الألوان بين أنامله، لتظهر جمال الصخور و البنايات من زوايا مختلفة يتداخل فيها الظل و النور بشكل جذاب. و في حدود الانطباعية و الواقعية دائما، جعل الفنان مسعود بوشفرة، خريج مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة أيضا من الألوان الباهتة، لغة للتحسر على زمن كانت المدينة فيه تنعم بعمران متناسق و جذاب، حيث بدت رسوماته كسلسلة معمارية توثيقية، رصد فيها بعض أجمل المعالم، كمبنى المدرسة، و حي السويقة هذا الأخير منحه شكلا متكاملا في محاولة لإخفاء صور الخراب و التهديم التي طالته اليوم، فجاءت ألوانه المتراوحة بين الأبيض و الرمادي، بمختلف درجاته، مترجمة لحالة حنين شخص افتقد ذاكرة مكان يعني له الكثير. الفنان نور الدين بولحليب، هو الآخر نقل في لوحاته صغيرة الحجم ذات مساحة تقارب 40 سنتمترا، بانوراما عن واد الرمال و جسور قسنطينة، و اختار التعبير عنها ببعدين و برؤى مختلفة، فأظهر تارة سحر المدينة من أسفل الصخر و تارة أخرى من فوقه. و في صنف الفن الساذج و البسيط، جعلت التشكيلية آمنة قسوم، قسنطينة محورا أساسيا لإبداعاتها المبهرة، فمنحتها بألوانها البارزة، بشكل خاص الأحمر و الأبيض و الأصفر، رونقا و صورة جمالية، يحلم الكثيرون برؤية مدينتهم تنعم بها، أو يستحضرون من خلالها بعض الذكريات و الصور من طفولتهم كتلك التي جسدها بأسلوبه المتميّز الفنان سمير سعدي. سحر المدينة القديمة لم يختف أيضا من لوحات الفنان التشكيلي عبد الوهاب حداد الذي داعبت ريشته الألوان الرملية تارة، و الهادئة تارة أخرى، لتجسد تصاميم اعتمد فيها على الأشكال الهندسية ذات الزوايا القائمة و المستطيل بأحجامه الصغيرة و الكبيرة، للتعبير عن شوقه لأجواء أزقة طالما ترّدد عليها، كحي السويقة، و هو الأسلوب الذي لم يختلف كثيرا عن ذاك الذي اعتمده الفنان رابح لملوم في لوحاته التي فضل تركها دون عنوان، كتلك التي تركتها الراحلة فتيحة ناصر التي زينت لوحتها بعبق المدينة القديمة و مناظرها الخلابة، سيما تلك التي تطل على واد الرمال. و برزت قسنطينة في خطوط كثيرة ضمن لوحات التشكيليين المحترفين للفن التجريدي، و على رأسهم محمد مولود قارة و غيره من الفنانين الذين من الصعب حصر أسمائهم لكثرتهم. مريم/ب