عاد مسرح البليري ليبهر جمهوره الذي غص به المسرح الجهوي بقسنطينة، مساء أول أمس الأحد، بعرض "كلبك مات" لوحيد عاشور، المنضوي تحت عباءة المسرح العبثي. وسط ديكور بسيط و ثابت ميزته العتمة ومن تحت بيتين للكلاب يخرج الجد وحفيده مفزوعين، لطرقات الباب المرعبة، ينطلق أول مشهد لمسرحية "كلبك مات" لوحيد عاشور في قالب عبثي، اكتنفته السوداوية والسخرية اللامتناهية، فعجز الجمهور عن التوقف عن الضحك طيلة العرض الذي استعملت فيه لأول مرة في تاريخ المسرح الجزائري العصي العملاقة و صمم معلقته طفل لا يتجاوز سنه ال 13سنة يدعى آزار. "كلبك مات" مسرحية حاول معالجها الدرامي و مصمم عرضها وحيد عاشور، رسم نموذج لأشخاص سلبيين و راضخين لا يحركون ساكنا لتغيير واقعهم، رغم الظلم و التجويع وغيرهما من مظاهر البؤس المفروضة عليهما من قبل "الطباخ" الذي لم يتوان في استغلال قوته لمحاسبة الجد و حفيده على طريقته، لتسببهما في وفاة كلبه الغالي حتى لو كان ذلك عن غير قصد. بموت حيوان يدفع الجد و حفيده الثمن، بفقدان بيتهما، بعد سيطرة الطباخ على كل شيء و إجبارهما على الخضوع لأوامره، و الرضوخ لطمعه و جشعه، وغيرها من الصور العاكسة لواقع مر، قد نلمسه في الحياة اليومية من أبسط إلى أعلى المستويات، أين يتحوّل الخادم لسيّد و يفقد السيّد مكانته في بيته، ويضطر مرغما للتنازل حتى عن كرامته لأجل حماية حياة من يحب، أو خشية شر يساهم الخوف و السلبية في تضخيمه و جعله "بعبعا" و إن كان من ورق. المسرحية تحمل إيحاءات سياسية، تبرز بشكل خاص سياسة التجويع التي تنتهجها قوى العالم، لإسكات المستضعفين و إلهائهم عن التجاوزات الخطيرة المرتكبة في حق وطنهم وطمس كل معالمه و التسبب في زرع الفتنة والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة، أو بالأحرى البلد الواحد، تحت وطأة الجوع والخوف من الموت. العرض شارك فيه الممثلون حمزة محمد فضيل، أحمد حمامص، سامي العمراني و شوقي لعريبي و عاشور أيوب، و وضع السينوغرافيا هشام داودي، فيما انتقى أسامة تليلاني موسيقاه التي تنوعت بين الإيقاع القوي للموسيقى الغربية و الأنغام الحزينة للموسيقى الطربية و التي اختار منها مقطعا من أغنية سيدة الطرب العربي أم كلثوم "هل رأى الحب سكارى"، تعبيرا عن التيه و الضياع. رغم بساطة الديكور، قدم العرض صورا متناقضة عديدة تنوعت بين البؤس و البذخ، دون أن يختفي العنصر الاستعراضي الذي أبدع الممثلون في تجسيده. و عقب العرض بدا مصممه متأثرا، لرد فعل الجمهور الذي تجاوب بالوقوف و التصفيق مطولا للفريق العامل و جهود جمعية البليري التي قال وحيد عاشور، و هو يحاول حبس دموعه، موجها بأنه و فريقه يكرمون من خلال عملهم الجديد، مؤسس الجمعية و الأب الروحي للبليري خالد بلحاج. عن سبب اختياره لنص "كلبك مات" قال أنه يعكس واقع الإنسان المريض الذي لا يزال سيل الجشع و الطمع يجرفه و يلعب به، كما تفعل الرياح بأوراق الشجر.