كاميرات محظورة تخترق خصوصية الجزائريين في الشوارع و المحلات تحولت معظم المحلات و المراكز التجارية و الشركات و حتى الأزقة و الشوارع، إلى شاشة كبيرة تنقل ما يحدث داخلها بدقة كبيرة و بشكل مباشر، و بات المواطن يشعر بأن خصوصيته «مُخترقة» بسبب كاميرات المراقبة التي يثبتها الخواص في كل مكان من أجل «حماية» أنفسهم من السرقات، و غالبا ما يكون ذلك دون تراخيص، جهلا منهم بالقوانين أو عمدا، قصد الهروب من الإجراءات القانونية التي يتطلبها وضع هذه الأجهزة. روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي وقد حاولت النصر تسليط الضوء على هذا النشاط على مستوى ولاية قسنطينة، من خلال الحديث إلى المؤسسات المختصة في هذه المهنة، و معرفة الإطار القانوني لها، و كذا الوصول إلى أسباب لجوء معظم الشركات و التجار و حتى ملاك الفيلات إلى مراقبة هذه الأملاك عبر الكاميرات، و مدى معرفتهم بقانونية ما يقومون به. كاميرات دون تراخيص و الحجة منع السرقات! في جولة بوسط المدينة و بعض الأحياء بقسنطينة، لاحظنا أن معظم المحلات و حتى الصغيرة منها تحتوي على كاميرات، كما أن جميع المؤسسات الخاصة و العمومية مراقبة بكاميرات عند مداخلها أو خارج أسوارها، و حتى الفيلات والبيوت يضع أصحابها هذه الأجهزة في الخارج و خاصة لمراقبة المداخل. فعلى مستوى المحلات التجارية التي زرناها، لاحظنا أن أصحابها يضعون لافتات تشير إلى أن المكان مراقب بالكاميرات، و يرى هؤلاء التجار بأن ذلك يحميهم من الناحية القانونية، لأنهم حذروا الزبائن قبل دخولهم إلى المحل من أنه سيتم تصويرهم، رغم أن هذا الأمر يثير حفيظة الكثير من الأشخاص الذين تحدثنا إليهم، فاللافتة التي يكتب عليها غالبا «المكان مراقب بالكاميرات» تجعل من كل من يدخل المكان سارقا محتملا على حد تأكيد بعض من وجدناهم داخل المحلات. و عندما سألنا بعض أصحاب هذه المتاجر عن كيفية حصولهم على تراخيص لتركيب الكاميرات، أكد جميعهم أنهم لا يحوزون عليها، فبعضهم على علم بضرورة الحصول على موافقة الجهات الوصية، و البعض الآخر يجهل حتى ضرورة حيازة الترخيص، فيما رفض جميعهم الكشف عن المؤسسة التي قامت بتركيب الكاميرات، و أكدوا أن الخيار متاح بشكل واسع، و لا يحتاج الأمر إلى بحث كبير للوصول إلى شركة أو حتى شخص يقوم بتركيب أي عدد يطلب منه من الكاميرات دون أن يسأل عن ترخيص، لأنه بدوره لا يملك ترخيصا أو اعتمادا على حد تأكيد محدثينا. أنظمة مرتبطة بالهاتف النقال لمراقبة محيط المنازل و بدا سبب تركيب هؤلاء الأشخاص للكاميرات أمرا مقنعا نسبيا، فمعظمهم أكد أن السبب الرئيسي هو تجنب التعرض للسرقات، حيث أن وجود نظام مراقبة للمحل عن طريق التصوير المتواصل، هو في حد ذاته «رادع» لأي شخص يفكر في السرقة أو الاستيلاء على شيء ما، وقد ذكر جميع التجار أنهم لم يسجلوا تعرضهم للسرقة منذ أن وضعوا الكاميرات، على عكس الفترة التي كانت محلاتهم فيها غير مزودة بهذا النظام، و هو ما أكده صاحب «سوبريت» بحي زواغي، قال بأن محله تعرض للنهب عن طريق الكسر ليلا، ما اضطره لوضع كاميرات في الخارج، حيث بات لا يخشى السرقة بعد الآن، مضيفا بأنه يمكنه تفقد المحل حتى و هو في بيته عن طريق نظام عبر الأنترنت، يتم ربطه بالهاتف النقال أو جهاز الكمبيوتر. و يقول من تحدثنا إليهم أن هذه البرامج باتت رائجة و متاحة، كما أن أمورا أخرى تسمح الكاميرات بإجرائها، فبعض التجار ذكروا أنهم يراقبون محلاتهم عبر الشاشة دون الحاجة إلى عمال للقيام بذلك، و بعضهم أضاف أنه يعود إلى التسجيلات عند حدوث خطأ أو خلاف مع زبون حول مبلغ من المال مثلا، ففي حالة جدال مع زبون حول المبلغ الذي سلمه للبائع، يتم مراجعة التسجيل للتأكد من الأمر. نفس الأمر بالنسبة للكاميرات التي يقوم أصحاب الفيلات بتركيبها خارج بيوتهم، حيث قال أحد الأشخاص أنه وضعها من أجل مراقبة محيط منزله خوفا من تعرضه للسرقة، خاصة أنه يغيب طيلة اليوم، مشيرا إلى أنه بهذا الشكل يمكنه الاطمئنان نسبيا على أن هذا النظام يبقي اللصوص بعيدين عن بيته، كما يُمكّنه ذلك من مراقبة محيط البيت عبر هاتفه النقال وهو في عمله أو في مكان آخر، معترفا أنه لم يحصل على ترخيص، لأنه اضطر إلى تركيب الكاميرات بشكل مستعجل عندما كان مسافرا، موضحا بأن «صعوبة» الإجراءات التي يتطلبها الحصول على الترخيص، دفع به إلى عدم طلبه أصلا. مرسوم وزاري يحدد النشاط منذ 2010 التقينا بصاحب مؤسسة محلية خاصة رائدة في مجال تركيب كاميرات المراقبة، حيث تعد من بين المؤسسات القليلة على المستوى الوطني التي تنشط من خلال اعتماد قانوني صادر عن وزارة الداخلية و الجماعات المحلية، على حد تأكيد مالك الشركة الذي أوضح بأن هذا النشاط يواجه عراقيل كثيرة أدت إلى غلق الكثير من المؤسسات، بسبب القوانين المفروضة على هذه المهنة التي تعرف، حسبه، طلبا متزايدا، ما جعل المواطنين و الشركات المختلفة الراغبة في تركيب كاميرات مراقبة، تلجأ إلى مؤسسات تنشط بصفة غير قانونية. و لم يكن مجال تركيب كاميرات المراقبة منظما إلى غاية سنة 2010، عندما أصدرت وزارة الداخلية و الجماعات المحلية مرسوما يحدد طبيعة هذه المهنة، و يشترط على ممارسيها الحصول على اعتماد من الوزارة، غير أن هذا المرسوم و بالرغم من أنه بيّن الأطر القانونية و الأشخاص الذين بإمكانهم ممارسة هذا النشاط، غير أنه كانت له العديد من الآثار السلبية على هذه المهنة على حد تأكيد محدثنا، بسبب الشروط التي يتضمنها الحصول على الاعتماد و خاصة ترخيص استيراد الكاميرات. و حسب ما أكده لنا صاحب المؤسسة، فإن مرسوم 2010 حدد نوعين من الاعتماد يمنحان لأصحاب المؤسسات التي تنشط في هذا المجال، فالاعتماد من الصنف الأول يسمح لصاحبه بصنع و استيراد و بيع و تركيب الكاميرات، أما الصنف الثاني للاعتماد فيسمح فقط بالتركيب، و لأن صناعة هذه الآلات المتطورة تبقى غير متاحة حاليا في الجزائر، إلا أن أصحاب هذه المؤسسات يلجؤون إلى استيرادها من بلدان أوروبية و آسيوية، غير أن كل عملية استيراد تحتاج إلى ترخيص جديد يستغرق منحه عدة أشهر، و ذلك بسبب الإجراءات التي تأخذ وقتا طويلا قد يصل إلى 6 أشهر أو أكثر، مع أن مرسوم وزارة الداخلية كان واضحا في هذا الشأن و حدد مدة شهرين كأقصى تقدير للحصول على الترخيص، يضيف محدثنا. أجهزة مراقبة في أسواق العلمة و عين مليلة و الأمر المعرقل في الموضوع، حسب تأكيد مدير المؤسسة المتخصصة، هو أن مصالح الولاية تطلب قائمة إسمية خاصة بجميع الأشخاص أو الشركات و حتى الأماكن التي سيتم فيها تركيب الكاميرات التي سيتم استيرادها، و هو أمر غير ممكن التطبيق و يؤدي إلى شل نشاط المؤسسة لأشهر، حسب محدثنا، الذي قال بأن هذا الوضع سمح لمؤسسات أخرى تعمل بدون اعتماد أو ترخيص، باستغلال الموقف لصالحها، من خلال التغلغل أكثر في السوق و العمل مع مختلف أنواع الزبائن، دون اللجوء إلى استخراج أي تراخيص أو اعتمادات، و غالبا ما يقوم هؤلاء الأشخاص بشراء الكاميرات من أسواق الأدوات الالكترونية، و هي متوفرة بشكل عادي في مدن مثل العلمة و عين مليلة و الحميز بالعاصمة. صاحب المؤسسة الذي تحدثنا إليه قال إنه لا يقبل القيام بأي عملية لتركيب نظام مراقبة بالكاميرات لأي زبون، إلا بعد تقديم هذا الأخير وثيقة تثبت حصوله على ترخيص من السلطات الولائية، مشيرا إلى أن أي طلب ترخيص يتم إيداعه على مستوى الولاية، تقوم على إثره لجنة مكونة من مصالح الولاية و البلدية و مصالح الأمن أو الدرك الوطني حسب إقليم الاختصاص، بدراسة الموقع قبل و بعد تركيب الكاميرات، و تكون المراقبة دقيقة، خاصة أن هذا المجال جد حساس، و قد ترفض اللجنة منح الترخيص حتى بعد التركيب، في حال لاحظت أي خلل أو مساس بخصوصية الأشخاص أو المؤسسات. 4 كاميرات ب 8 ملايين سنتيم فعلى سبيل المثال بالنسبة للكاميرات التي تركب خارج الشركات أو المحلات و حتى البيوت، أكد محدثنا بأن مؤسسته تقوم ببرمجة نظام التصوير على مساحة معينة فقط تسمح بمراقبة الموقع، دون المساس بخصوصية الأشخاص في الأماكن المجاورة، موضحا بأن الكاميرا تتوقف عن التصوير إذا ما تجاوزت نقطة الدوران الحد المسموح به في البرمجة، كما أن الشاشة التي يتم من خلالها بث ما تلتقطه الكاميرا تتحول إلى اللون الأسود، مضيفا أن القوانين واضحة في هذا الشأن و لا يمكن بأي شكل اختراق خصوصية الآخرين. و عن حجم العمل الذي تقوم به مؤسسته على مستوى ولاية قسنطينة فقط، قال محدثنا بأن الطلب كبير، حيث أن المؤسسة تقوم بتركيب حوالي 300 كاميرا كل شهر في أماكن مختلفة، مثل البيوت و المحلات و المراكز التجارية و خاصة المؤسسات سواء الخاصة أو الوطنية، و قد يتعدى الأمر إلى نقاط جد حساسة و تابعة لهيئات حكومية، موضحا بأن ما يتم تركيبه من كاميرات عبر الشركات الموازية يبلغ أضعاف هذا الرقم. كما أكد محدثنا أن ما يشجع أكثر على اللجوء إلى استخدام الكاميرات، أن تكلفتها ليست كبيرة، فعلى سبيل المثال تركيب 4 كاميرات داخل محل صغير لا يكلف أكثر من 8 ملايين سنتيم، غير أن الخطر يكمُن، حسبه، في النشاط غير الشرعي لبعض المؤسسات التي تزرع الكاميرات في كل مكان دون أي رادع أو مراقبة أو مراعاة للآخرين، فحتى الأجهزة الممنوعة مثل التي تصور ليلا بالأشعة تحت الحمراء، و المصنفة على أنها أدوات حرب، يتم استعمالها بشكل عادي، كما أن هناك كاميرات مخفية لا تظهر للعيان، بسبب شكلها أو صغر حجمها، غير أن جودة تصويرها جد عالية و تصل إلى مسافات بعيدة.