الرواية البوليسية تشريح لمشاكل التواصل و العنف في مجتمعنا حل أول أمس الروائي و الإعلامي مراد بوكرزازة، ضيفا على النادي الأدبي للمدرسة العليا للأساتذة بجامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة، أين قدم آخر أعماله الرواية البوليسية « أنفاق مظلمة»، وهو عمل حاول من خلاله أن ينفتح على مشاكل المجتمع من عنف بمختلف أشكاله ،و غياب شبه تام للتواصل، و يقدم تصورا لتبعات هذه الأمراض الاجتماعية الصامتة على نفسية الأفراد، من خلال الغوص في ذهنية الجاني و تقمص شخصية الضحية. الكاتب قال بأن الرواية البوليسية سمحت له بأن يكتشف نوعا مختلفا من القراء، وذلك عقب احتكاكه بهم خلال فعاليات صالون الكتاب الدولي، و هي فئة المراهقين بين 14 حتى 22 سنة، جمهور، أوضح المتحدث، بأن الكتابة أغفلته دائما، فنحن ، على حد تعبيره، نكتب للطفل أو للراشد، لكننا نتجاهل فئة أخرى تقع في منتصف رحلة الحياة، يستهويها نوع مختلف من الأدب، على غرار الرواية البوليسية، التي قال بأنها جد شحيحة في المتن السردي الجزائري و العربي عموما، فغالبية الكتاب، حسبه، لا يملكون تجارب في هذا اللون و من خاضه يوما لم يعد إليه مجددا. بوكرزازة، أوضح بأنه هرب إلى أرض الرواية ، بعدما ضاق به صدر القصة، و تعالت أصوات شخصيات كثيرة داخل مخيلته، فقرر أن يستثمر في هذا المجال الأدبي، ليكتب بعمق أكبر عن البشر و عن التجربة الإنسانية، و يشرح المجتمع بمختلف تناقضاته، لأن الرواية، حسبه، أرض المستحيل، يمكنها أن تستوعب الواقع و الخيال معا، وهي معادلة حاول، كما عبر، أن يحلها من خلال روايته «أنفاق مظلمة»، التي تحكي قصة رجل يلتقي بجاره الميت وهو يهم بنزول سلالم العمارة حيث يسكن، و يحدث أن يكون الجار عبارة عن صندوق مليء بالقصص و الحكايا، التي تتقاطع في نقطة الأفق السردي، مع أسئلة وجودية لسيدة تريد أن تعرف إذا كان الصدق و الحب قاتلين، و تقابل حيرة طفل تربى في مركز للطفولة المسعفة كبر ليصبح رجلا تقيده العقد. و أوضح الكاتب بأن هذا العمل لا يختلف عن الأعمال التي سبقته على غرار «نشيد الفراشة» و «ميراث الأحقاد» و «الخواتم القاتلة»، من حيث السعي لوصف المشاكل الاجتماعية و تعرية التناقضات الإنسانية ضمن نسق أدبي لا يدين بديانة أخرى غير الإنسانية، ولا يخضع أحد لمحاكمات دينية أو أخلاقية، بل يركز على رواية التجربة الإنسانية و الانتصار لقيمها ، من خلال حبكة لا تخلو من الصراع البشري الذي يختبر ضمنيا ذكاء القارئ. صاحب مؤلفات «شرفات الكلام» و «الربيع يخجل من العصافير»، أشار إلى أن اللون الروائي البوليسي، استطاع رغم كل شىء ، أن يجد له مكانا على رفوف مكتبات القراء، رغم هيمنة الرواية العاطفية الكلاسيكية التي نجح بعض الكتاب، على غرار أحلام مستغانمي في ترسيخ أبجدياتها لدى فئة واسعة من جموع القراء، بفضل الدعاية، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تحدث الكاتب عن الإباحية في وصف بعض المشاهد و توظيف كتاب جزائريين لألفاظ بذيئة في عدد من الأعمال الروائية، معتبرا ذلك نوعا من أنواع الحيل التسويقية التي لا يقبل بها، كما أعاب على هؤلاء انسياقهم وراء فكرة أن البذاءة اللفظية باتت جزءا من المجتمع و الحديث عنها في الرواية يتطلب توظيفها كأداة للوصف و التعبير. وختم الكاتب بالتطرق لقضية الكتاب الشباب، مستغربا أن يكتب شاب يافع رواية ، متسائلا عن التراكمات والخبرات و التجارب الحياتية التي كونها صاحب 17 ربيعا، ليكتب عنها للقراء ، كما قال، معلقا بأن الخطأ تتحمله بعض دور النشر التي تفتقر للاحترافية، مناصفة مع كتاب يافعين يتجاوزون مرحلة التكوين و يقفزون مباشرة إلى مرحلة الإصدار