على رجل الدين أن يكون مستقلا عن السلطة وعلى رجل السلطة أن يكف عن استغلال المقدس نشرنا في العدد قبل الماضي القسم الأول من هذا الحوار مع المفكر الإسلامي عبد الحميد أبو سليمان وفي هذا العدد ننشر القسم الأخير الذي يتطرق فيه إلى قضايا راهنة مرتبطة بالتشريع وعلاقة الديني بالسياسي والسنة كمصدر للتشريع. حاوره: عبد الرحمان خلفة في الوقت الذي يطالب الكثير في العالم الإسلامي بتطبيق الشريعة الإسلامية يتوجس البعض خيفة من عودة النظام العقابي والتشريع الجنائي كما طبق في تاريخ التشريع والتراث كيف تنظرون إلى فلسفة العقوبة في الإسلام ؟ وما موقفكم من عقوبة الإعدام التي تشهد حراكا دوليا ووطنيا مطالبا بإلغائها؟ نحن في المعهد نؤكد على التكامل بين معرفة الوحي ومعرفة الفطرة والواقع و أنا أدركت أن العقوبات الإسلامية عند الكثير من الناس تثير نوعا من الإحساس بالخطر والقسوة فقررت أن اجلس إليها بطريقة ومنهج لأفهم فوجدت أن كافة الحدود هي سقف للعقوبة وليست العقوبة المطلوبة وللأمة أن تقرر أي عقوبة دونها إلى حد العفو فالقتل عقوبته القصاص هذا سقف ويطلب منك العفو والسرقة عقوبتها قطع اليد بقوله تعالى( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) وهدا معناه الحرفي أن أي شيء يطلق عليه السرقة فيه قطع وقد أدرك الفقهاء أن هذا غير ممكن فاخذوا ينظرون إلى التطبيقات ويقيدون بالشروط كأن يكون للمال نصاب وفي حرز وقد أخطأوا لأن الله تعالى بعدها قال ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه) فقطع اليد سقف ويمكن لمن يتوب وتامن الأمة انه لايعود أن يعفى عنه ولا يعاقب أصلا وعقوبة الحرابة فيه تخيير ومن عقوبتها النفي أي وضع المحارب في السجن إلى أن تامنه الأمة فيخرج منه والردة لاعقوبة لها في القران ولااشارة لها فيه إطلاقا والإسلام لايخاف الردة فالأصل القناعة طيب ولكن لماذا قال الرسول (ص) (من بدل دينه فاقتلوه ) ؟ هنا لم ندرك ملابسات هذا الموضوع لقد قال اليهود كما في القران (وقالت طائفة من أهل الكتاب امنوا بالذي أنزل على الذين ء امنوا وجه النهار واكفروا أخره لعلهم يرجعون ) (‹ص 105 )فهذه مؤامرة لذلك جاء الامر النبوي بقتل من يرتد ويرجع عن الدين وهذه قضية لاعلاقة لها بالعقيدة ولا بالإيمان ولا بالكفر والردة عادة لها أربعة أسباب الجهل فوجب التعليم والمرض فوجب العلاج والمصالح والأغراض فوجب النظر فيها إن كانت مؤامرة سياسية آم أغراض ومنافع خاصة وأخيرا سوء الدعوة إلى الله التي تنفر الناس من هذا الدين فوجب إحسان الدعوة ولا خوف ولذلك لاعقوبة من هذا الباب .أيضا توصلت إلى أمر أخر أن طبيعة الأخطاء نوعان منها ما يتعلق بالطبيعة الإنسانية كالزنا ومنها ما يتعلق بالدماء والأموال كالقتل والسرقة بالنسبة للأولى لا تستطيع أن تجزم انك لا تقع في الخطأ ومادام الامر في خاصتك وضمن الأمن الاجتماعي فلا احد يتدخل ولهذا يحرم التجسس والتربص لكن لو خرجت وجاهرت بالمعصية فقد آذيت الآخرين فتعاقب على إعلانك ولذلك في الزنا يشترط أربعة شهود و يعاقب الذين يشيعون الفاحشة وبالنسبة للرجم فيه كلام يطول هل وقع حقيقة أم لم يقع وكثيرون لا يقولون به ولهم أدلة كثيرة منها أن الأمة عقوبتها نصف عقوبة الحرة فكيف تقسم الإعدام بالرجم نصفين ويشيرون إلى قضايا لها علاقة بالسند لا أريد الخوض فيها اتركها للمختصين وكذا يتطلب الامر العلاج التربوي كما فعل النبي (ص) مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا فهذا ضبط نفسي ليصبح طبيعة في الإنسان لكن الدماء والأموال تتعلق بالأمن الاجتماعي لأن غرضه منع الفعل ولذلك تقبل فيه شهادة شاهدين فقط وتقبل القرينة وبأي وسيلة وهذا يعني أن العقوبات في الإسلام شرعت لتحقيق الأمن الاجتماعي وان الحدود هي السقف وللأمة أن تقرر ما يمنع الجريمة إلى حد أن لايعاقب المجرم فمتروك لها تحديد العقوبة ولذلك تجد البلاد الغربية تقرر عقوبة الإعدام فتهدا الأمور وتستقر فتلغيها وفي دولة فيدرالية تكون عقوبة الإعدام في ولاية ولاتكون في ولاية أخرى لان القصد منع الجريمة هنا وبالنسبة للذين يعترضون على عقوبة الإعدام يجب أن لا يغفلوا عن الواقع الاجتماعي فأنت لو ذهبت إلى بلد قبلي وحدث فيه قتل هل تتوقع من أن يترك أولياء الدم دم قتيله ولذلك عندما يتجاهلون قاعدة أن يرضى ولي الدم آو يتم الإعدام ستحدث عملية الثار فيموت فيه الكثيرون فالمشرع فيه يجب أن يأخذ هذا في عين الاعتبار بينما في بلد متمدن غير قبلي كبلد أوروبي مثلا يمكن فيه وضعه السجن لانتفاء الانتقام عادة فهنا بالنسبة لمن يريد أن يلغي عقوبة الإعدام إذا ممكن أن الناس تأمن وتنتفي المشاكل فأهلا وسهلا لكن هم أنفسهم إذا رأوا أن الأمور ستفلت سياتون للمطالبة بتوقيعها على بعض الحالات والقران يطلب منك العفو ويلغي العقوبة على من يتوب ويجيز ضع المجرم في السجن كما في حد الحرابة فالقران يقول لك أن هذا سقف وانك يمكن أن تصل به إلى حد أن لا تعاقب أو تبعده لكي لا يؤذي الناس فمثلا قاطع طريق قتل عددا كبيرا من الناس واحرق هذا لما يؤخذ يجب أن يعدم وتركه جريمة وقد يؤدي إلى مشاكل أخرى لكن إن اخذ بعض المال فقط أو اخذ مخدرات ا فقتله أو تعذيبه لايفيد فهذا تضعه في السجن إذا عولج وانتهى وأمنت يخرج وإلا يبقى في مكانه إلى أن يموت وما أتكلم عنه ليس اجتهادا هو في الواقع ربط الآيات يبعضها البعض وأخذها ككل وليس كأجزاء فالشيء المهم هنا هو منع الجريمة وإعطاء الناس الأمن وأي شيء يحقق هذا الإسلام لايعترض عليه ولكن يضع لك سقفا بعده لاتفعل ولاتاخذ أحدا بجريرة احد ولاتزر وازرة وزر أخرى وأنا اعتقد انه إذا فهمت فلسفة نظام العقوبة في الإسلام القرآني المتكامل يترك الامر للأمة أن تقرر ما يحقق الغرض من العقوبة وهو امن الناس فهذه رؤيتي اعتقد أن مصدري فيها القران الكريم وفهم طبائع الجرائم والتعامل معها والسوابق النبوية والراشدة. ثمانون سنة من العلمانية قادت تركيا في النهاية إلى الحداثة ووضعتها في مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة وأوصلت المشروع الإسلامي إلى هرم السلطة على خلاف كثير من الدول الإسلامية التي بقيت منغلقة على ذاتها أحيانا باسم التراث وأخرى باسم القومية وغيرها من التجارب والشعارات هل ترون أن التجربة التركية حتمية تاريخية للدول المسلمة إن أرادت التحرر من الاستبداد والتخلف و اللحاق بالركب الحضاري وتحقيق التعايش بين الأصالة والمعاصرة؟ فيه ورقة كتبتها بعنوان إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتاريخ السياسي الإسلامي لماذا لان الإسلام جوهره العدل وتاريخنا السياسي جله الاما ندر استبداد وفساد سياسي كيف يمكن علاج الإشكالية الذي أثار الإشكال في ذهني كنت اقرأ الآية الكريمة ( ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر )استوقفتني كلمة امة فقلت أين هذه الأمة مادورها وكيف وجدت في تاريخنا هنا بدأت اكتب الورقة وأنا اعتقد أن تركيا في وضعها الحالي اقرب ما تكون إلى نظام الحكم الإسلامي السليم فالقران الكريم يقول( وأمرهم شورى فيما بينهم )فالذي يتكلم باسم المقدس فلابد أن يوظف هذا المقدس لمصلحته وينتهي إلى الاستبداد والفساد والى تكون نقابتين نقابة الفراعنة أو الأكاسرة ونقابة الكهنة وهم من يتلبس باسم الدين أو المثقفين أو الإعلاميين وهؤلاء سيحتكرون الثروة والسلطة ووأد كل مبادرة وقدرة في الأمة حتى يتمكنوا من الاستمتاع بفسادهم وهذا ما حدث بالنسبة للأمة الإسلامية إلى أم أصبحت امة عبيد وانتهى الامر. يثار جدل كبير حاليا حول السنة النبوية بين من يعتبرها كلها ملزمة ومن يفرق بين ماصدر عن الرسول (ص) باعتباره مبلغا عن الله وما صدر عنه باعتباره رئيس دولة ما موقفكم من هذه الجدلية؟ يجب أن ندرك أن للرسول (ص) في حياته ثلاثة ادوار للتعامل معها بطريقة سليمة الأول التبليغ وهذا هو الوحي وقد بلغ وانتهى فلايمكن لأحد بعده الادعاء انه يوحى إليه والثاني الدعوة بالحكمة والكلمة الطيبة وعدم الإكراه في الدين والثالث كان له دور الدولة وهي الدماء والأموال والحقوق وهنا يزع بالسلطان ما لايزع بالقران ودوره كرئيس دولة غير دوره كداعية وغير دوره كمبلغ والأصل أن الدعاة مستقلون عن السلطة في الحياة العامة سواء بالأوقاف أو غيرها ولا علاقة لهم بعمل السياسي ويأتي السياسي ببرنامج ليكسب هذه الأمة ويجب أن يخاطبها بقيمها ومصالحها وهي تصوت وطبيعة النظام التعدد والتداول والأمة هي الوصية على السلطة لكن هنا في ميدان السياسة يجب التنبيه إلى أمر وهو أن عيبنا نحن أننا نسمح لصاحب السلطة أن يتكلم باسم المقدس ويوظفه لمصلحته والغبي وقع في غلطة أخرى وهي الغلطة الإعلامية والإعلام يستطيع أن يضلل الأمة ولذلك يجب استقلال الإعلام دون أي علاقة له بالحكومة ومهمته أن يعطي الأمة مؤشرا على مصالحها والأمة تميز بين الإعلام المضلل سواء كان حكوميا ا و خاصا من غيره لكن بالعالم الغربي أصبحت المصالح تضلل شعوبها لذلك فنظام الحكم الإسلامي الصحيح والرسول (ص) كان إذا ألقى خطبة الجمعة يقرا القران و يتكلم في المبادئ والسياسة لها موضع أخر ونهى عن كتابة أحاديثه فالقران دستور والرسول (ص) يتصرف في السياسة باعتباره رئيس دولة يأمر وينهى ولذلك دراسة السنة مجددا أمر مهم للغاية بأسلوب جديد يدرك الأبعاد الفطرية و الحياتية والواقعية فالسنة أحيانا تنزلت على ظرف زماني ومكاني فالشورى في الحكم مثلا تتغير تنزيلاتها على الأحكام ولا يمكن أن تتعارض السنة مع القران فهي مبينة فيما أمر الله به أن نأخذه عن الرسول (‹ص) وفي طريقة التنزيل وليس ابعد من هذا وعلماءنا بعد البعد والعزلة أصبح حتى كلام الفقهاء كأنه قران وما عادوا يستدلون بالقران بل يستدلون بالسنة أو بأقوال الفقهاء وأقوال هؤلاء في زمان أخر وواقع أخر. كان لكم شرف تأسيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا التي حققت نجاحا كبيرا وما تزال تخرج الطلبة والباحثين بسمعة ومكانة عالية أين يكمن سر النجاح وهل يمكن تعميم التجربة عبر العالم الإسلامي لاسيما في ظل واقع تدريس العلوم الإسلامية؟ في جامعة ماليزيا أقمنا عملية الإصلاح على أسس وأفكار ومناهج منها إلزام الطلبة بالاختصاص المزدوج بمعنى من اخذ الدراسات الإسلامية تخصصا أساسيا يلزم بالعلوم الاجتماعية تخصصا فرعيا والعكس صحيح لوضعهم أمام رؤيتين مختلفتين مما يلزمه المقارنة والتفكير وهي أول خطوة في الإصلاح مع الطلبة وثانيا برمجة المناظرة دراسة نظرية وممارسة تطبيقية لكل التخصصات وهذا ما يمكن الطالب من معرفة وجهة نظرا الأخر ونمط تفكيره ويتواصل معه ويعرف مكامن قوته ونقاط ضعفه وقد وصل بعض الطلبة إلى المستوى الثاني عالميا وأقيمت مناظرات عالمية واخذوا المركز الأول للجامعات التي تأخذ اللغة الانجليزية لغة ثانية هذا معرفيا وتربويا أخذنا مادة تسمى التربية الأسرية ومادة أخرى تسمى الفكر الإبداعي وحل المشاكل فهذه المواد مع المناظرات أخرجت نوعا من الشباب في غاية التميز بكل مكان لكن هذا يحتاج إلى تطوير كيف نقوم بفصل الحقائق العلمية عن الفطرة الإنسانية والواقع الاجتماعي عن الرؤية الغربية وكيف تفصل التراث عن الوحي وتستفيد منه فهذه أبحاث علمية وهذه التجربة الناجحة ينبغي أم تعمم على جامعات العالم الإسلامي وهذه النماذج عندما تتم ويراها الناس سوف تتبدل الأمور وتطلع أجيال جدية بكوادر جيدة وفكر سليم ورؤية كونية سليمة وأوصي الشباب بالمزيد من التعلم والمعرفة والإسلام دين العدل والمحبة والأخوة والتراحم وتبني الحوار للإقناع لتحقيق التعايش مع كل الأطياف والتيارات الفكرية الحداثية والتراثية ولا تجتمع الأمة على ضلالة والحرية الصحيحة ينبغي أن تفهم ضمن المنظومة الكلية بما يحقق المصالح والغايات الإنسانية ويتوافق مع الفطرة ويحفظ الأخلاق و إلا تحولت إلى فوضى ولما تدخل الحضارات في مرحلة الفوضى تنهار والغرب الآن تبين الوضع الذي أل إليه أخلاقيا واجتماعيا ولكنه أدمن الأخطاء ومن الصعب التراجع والإقلاع عنها وتاريخنا مختلف عنهم فلا ينبغي أن نقيس أنفسنا عنهم كل مرة وإذا استمر ينا في تقليدهم سنعود إلى الوراء .