أخطاؤنا الماضية في التعامل مع الغرب تتكرر حاليا أكد المفكر الإسلامي عبد الحميد أحمد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفرجينا أن أخطاء الماضي تكررت عند تواصلنا مع الحضارة الغربية حيث لم نراع الرؤية الكونية المختلفة بين العالمين التي تنبني عليها النتائج الحضارية مشبها حال الأمة المسلمة اليوم بحال بني إسرائيل زمن التيه وعلاجها حال الأمة هو نفس العلاج الذي وصفه الله لليهود وفيما أشاد بالتجربة التركية الحالية التي قدمت نموذجا للمشروع الإسلامي الحديث ووقف في هذا الحوار الذي خص به النصر عند قضايا كثيرة أبرزها إشكالية فلسفة العقوبة في الإسلام التي أكد بشأنها المتحدث أن لها مقاصد وغايات مشيرا إلى أن ما يعرف بالحدود والقصاص في الإسلام ليست عقوبات حتمية بل هي سقف للعقوبات التي أجاز الله . حاوره / عبد الرحمن خلفة بعد عقود من العمل الميداني قام به المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن اتجه فيه خصوصا إلى اسلمة و إسلامية المعرفة مرتكزا على الأصالة ومتفتحا على الثقافات العالمية الحديثة من أين ولماذا وكيف انطلق مشروعكم الفكري؟ حالنا الأن كحال بني إسرائيل زمن التيه من المهم أن نتعرف على ماهية رسالة المعهد فالمعهد العالمي للفكر الإسلامي ينطلق من آن الأمة الإسلامية لاتنقصها موارد ولاقيم ولا أهداف سامية لكنها في أزمة ومعادلة الأزمة لاتحل إلا إذا أضفنا أن هناك إشكالية في منهج الفكر كالطفل اليتيم الذي لايعرف كيف يتصرف في ميراثه وكلنا يدرك كيف بدأت الأمة الإسلامية وكيف كانت نماذجها خاصة على عهد الرسالة والخلافة الراشدة وما أنجزته حضاريا وما منطلقاتها التي جددت الحضارة الإنسانية من منطلق التوحيد واستخلاف الإنسان بما يعني غائية الخلق وتكامله وأخلاقيته وعمرانه فهذه القضية هي مدار عمل المعهد العالمي و هنا من المهم جدا أن نشير إلى أن أول تساؤل بدأ به المعهد هو ماذا أصاب العقل المسلم وكيف أمكن أن تنحرف مسيرته وان تتشوه نظرته وتتعطل قدرته وبالتالي كيف يمكن استعادة هذه القدرة وهذا الدور بدل أن نكون - كما هو حاصل الآن- في حالة ضعف وتخلف وتهميش في ميدان الانجاز الحضاري ومن المهم أيضا محاولة فهم وإدراك كيف آمكن لسوانا أن يتعرف على التحديات الأوروبية والغربية عموما ثم يتمكن من اللحاق وربما السبق كحالة اليابان مثلا والصين وروسيا فلماذا نحن حاولنا الآن لمدة ما يقارب ال300 عام من أيام العثمانيين إلى عصر محمد علي حتى اليوم أن نجرب كافة أنظمتنا إن كان في التربية والتعليم أو والإدارة والجيوش والاقتصاد وغيرها ومع ذلك نزداد تخلفا والهوة تزداد اتساعا وبالتالي من الواضح أن استمرار هذا اللون من المتابعة لن يأتي بخير وفي الوقت نفسه نحن لم نصبح في حالة ضعف إلا لما أصاب تراثنا من قصور فإذا لا العودة التاريخية إلى ما سبق من تراث - ولااتكلم هنا عن الوحي - ولا المتابعة الغربية بالأسلوب لذي يفعله ساستنا ياتي بحل هنا ياتي المعهد العالمي بمحاولة البحث كيف نضع أنفسنا من جديد على الجادة لنصل إلى خدمة الأمة وخدمة الإنسانية فرد الفعل الذي ساد من الناحية الفكرية حين جوبهنا بهذا التحدي الغربي نجد انه كان في البداية يحاول أن يستعيد الثقة بالنفس واسترجاع ذكريات ما أنجزه في الماضي والقيام أيضا بعملية تلفيقية فكلما جد جديد عند الآخرين نقول كان عندنا ما يماثله هذا في البداية أمر جيد لأنه يعطي الثقة بالنفس والقدرة على العطاء ولكنه لا يكفي فلما توقفنا عند هذا الحد كانت النتيجة ( مكانك سر) فالسؤال إذن ماذا حدث وكيف حدث وكيف يمكن من جديد إصلاح ما حدث هنا بدا المعهد العالمي للكر الإسلامي وهو مجموعة من الشباب كانت تدرس بالغرب عايشت التحدي الغربي تمكنت من مختلف العلوم وبدأت تظهر رؤيتها في هذا المجال فتكون المعهد العالمي سنة 1981م/1401ه كمؤسسة خيرية فكرية ثقافية وقد اخترنا الولاياتالمتحدة لان الدخول والخروج ميسور وحرية التعبير والتفكير وقتئذ مكفولة. ما المعالم الكبرى لمنهجية العمل والإصلاح الذي سار على دربها معهدكم؟ هذا المعهد بدأ أولا بالمنهجية متسائلا ماذا حدث لمنهجية العقل الإسلامي كيف أمكن أن يحدث الفصام بين الاجتماعي والديني آو الرؤية الكونية الإسلامية وكيف أصبح العلم الشرعي في الواقع مجرد استظهار وتراث وأغلق باب الاجتهاد وهذا يفسر كيف تدهور واقع الأمة لان السياسي لم تعد له قاعدة فكرية ( والضعيف عنيف ) فكانت الأمة بين السجن والاستبداد والاضطهاد من جهة وبين جهنم والفتاوى التي لا تتعلق بواقع حياة الإنسان من جهة ثانية ونلحظ أنه في أصول الفقه مثلا ما يسمى بالأصول الثانوية هي في الواقع عناوين لعلوم اجتماعية لم تنم بسبب العزلة المفروضة بعد ذلك الأمة الإسلامية بسبب هذا الانفصام وضعف السياسي فكريا كان لا بد من عملية الإملاء والاستبداد وما لحقه من فساد وقد أخذت هذه الظاهرة مداها حتى تكونت عند الأمة نفسية العبد المقهور الذي يلغي عقله وعليه فقط التقبل وأصبح كل شيء سلطويا وأصبح الخطاب أمرا ولم يعد يجعل الأمة امة الخير وأصبح يخاطب الفرد بالجبار القهار الموجه للمعاند الظالم بدل الرحمن الرحيم الغفور لعباده الذين يحبون الخير ويخطئون والله يفرح بعودتهم فكان لابد من إصلاح الوضع والإصلاح الفكري وحده لا يكفي لأني قد اعلم ما هو صواب ولا اعمله واعلم ما هو خطأ وافعله لأن وجداني وتربيتي النفسية مثل الطفل وتنقصني الإرادة وهذه قضية ينبغي التنبه لها فالمعرفة من المهد إلى اللحد لكن الوجدان لا يكون إلا في الطفولة ومن شب على شيء شاب عليه وبالتالي ياتي دور التربية وأهميتها كما أننا في حاجة إلى دافعية والدافعية تأتي من الرؤية الكونية من خلال التساؤل من أنا وما غايتي وهدفي وبالتالي يجب استعادة الرؤية الكونية للإنسان المسلم ليكون لحياته معنى ومهمة خيرة فالإنسان في الواقع يتكون من وجودين الأول الطيني الحيواني والحيوان فيه حياة ولا روح له والثاني روحي إنساني وجوهره الجانب الروحي ورؤيته الكونية في الخير والعدل والإصلاح . إلى أي مدى تكررت أخطاء الماضي في تعملنا حضاريا مع الأخر وكيف يتم تجاوزها؟ هنا نضع ايديتا على قضيتين الأولى نحن في الماضي أخطانا في التواصل مع الحضارات الأخرى عندما جئنا لبناء الحضارة الإنسانية احتوينا الحضارة اليونانية وهي حضارية أسطورية صورية أفلست وماتت وانتهت فاحتويناها دون وعي وبدأنا نخوض في مقولاتها ومنها ما وراء الطبيعة والرؤية الإسلامية واضحة فيما يتعلق بهذا الجانب فبدأنا التخمين والاسطرة والعقل الأول والهيولى وخلق القران فانتهينا إلى مالا خير فيه ولا فائدة والمنطق الصوري تجريدي خيالي لا يهمه مدى تحقق الحاجات الإنسانية في الواقع كان يجب أن ننفتح على الحضارة الغربية بفهمنا نحن ولغايتنا و نفس الشيء مع الغرب فهذا الأخير رؤيته الكونية على النقيض تماما من الرؤية الإسلامية فنحن انبهرنا بما أنتج من مادة حياتية فاقبلنا دون وعي فأصبحنا استهلاكيين غير متحمسين وأمة مشلولة ومهمشة ورؤيتنا غير واضحة وخلفية الرؤية الغربية أن الأديان في الغرب انتهت إلى ما يشبه الخرافة عقوبات الحدود في الإسلام سقف وللأمة أن تقرر العفو اومادونها بما يحقق الغرض فحل ما يمكن أن تسميه الرؤية الكونية الحيوانية المادية الطينية وقانون الحيوان هو فانون الغاب التغالب فمعروف مثلا في العلوم السياسية أن القومية ظاهرة أوروبية حديثة لم يبن النظام الدولي قبل ذلك على مفهوم القومية فماذا تعني هذه إنها تماسك السلالة ضد الأخر فأنت إذا أردت أن تفرق بين الانجليزي والتركي تنظرالى ما هو مختلف ولايمكن أن تتصارع إلا مع من تختلف معه فإذا كان اهتمامك بالمشترك لن يكون موقفك عدائيا هذه واحدة الثانية عندما تتكلم عن العدل والحق في السياسة بالغرب هي سياسات قوة ومصالح قومية انظر ماذا فعلوه باستعمارهم في إفريقيا والهند والصين واستراليا وأمريكا الجنوبية وماذا فعلوه فيما بينهم خلال الحربين العالميتين وما يفعلونه الآن من تدمير واضح انه قانون الغاب انظر ماذا فعل الإسلام عندما فتح شمال إفريقيا والفرس والصين وغيرها لم يدمر شعوبا ولاحضارات بل استطاع في ظرف ثلاثين عاما أن يندمج معهم وحوارنا مع الغرب حوار طرشان فالرؤية الكونية الإسلامية على النقيض من ذلك فهي تقرر أن الناس من نفس واحدة وتفرقوا شعوبا وقبائل ليتعارفوا واختلاف الألسن والألوان آية من آيات الله ولا اكره في الدين فهذا هو الفرق بين الرؤيتين لكن تشوهت رؤيتنا لذلك ترانا نتعادى ونتخاصم وأصبحنا مثل بني إسرائيل والله تعالى أرسل الرسول للعرب ليس لجنسهم ولكن لتحررهم وقد جسدوا هذا حتى قال عمر بن الخطاب ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وقال ربعي ابن عامر لكسرى ملك الفرس جئنا لنخرج الناس من جور الأديان إلى عدالة الإسلام . لكن كيف نعالج واقع الأمة حاليا؟ .يجب أن ندرك أننا نحن بني إسرائيل الآن والعلاج الذي وصفه القران لعلاجهم هو علاجنا فبنوا إسرائيل قال فيهم الله تعالى (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لايعقلون ) استضعفوا استعبدوا بمصر كحال الأمة الإسلامية الآن والحل أولا إصلاح منهج الفكر والإصلاح العقدي والرؤية الكونية وأحسن فهم لها والتربية فقد تاه بنوا إسرائيل في الأرض أربعين سنة حتى جاء جيل جديد من الأحرار فانطلقوا واعتماد السببية والعلمية وليس الخرافية وكل ما دخل علينا من إسرائيليات وغيرها وإعادة العلاقة بين واقع الأمة و الوحي وان ننظر إلى التراث على انه خبرة فيه الغث والسمين أخذا بعين الاعتبار الزمان والمكان ويجب الاهتمام بالخطاب التربوي للأطفال على مستوى الأسرة أولا والمدرسة ثانيا لتنشئة الأبناء أحرارا أقوياء ليتغير محتوى الأمة وتهدي الإنسانية وعندنا انفصالا بين الأخلاق والواقع فنحن نكذب ونعلم أن الكذب حرام وندفع التلاميذ للكذب بالقسوة عليهم وعقابهم والسياسي يكذب في حين بالغرب يدفع الرؤساء ثمنا غاليا عندما يكذبون على شعوبهم . لاعقوبة للردة في القران الكريم في الوقت الذي يطالب الكثير في العالم الإسلامي بتطبيق الشريعة الإسلامية يتوجس البعض خيفة من عودة النظام العقابي والتشريع الجنائي كما طبق في تاريخ التشريع والتراث كيف تنظرون إلى فلسفة العقوبة في الإسلام ؟ وما موقفكم من عقوبة الإعدام التي تشهد حراكا دوليا ووطنيا مطالبا بإلغائها؟ يتبع في العدد القادم