دعا أساتذة مختصون، إلى تعديل النصوص القانونية الحالية المتعلقة بالعقار، حيث اعتبروها هشة وغير مستقرة، مؤكدين أن تحيينها بات ضروريا من أجل إعطاء ضمانات أكبر للمستثمرين وتحقيق التنمية المستدامة، حيث ذكروا أن الجزائر تشهد منذ التسعينات استغلالا غير عقلاني للعقار، وطالبوا برقمنة كل الأجهزة المتدخلة في التسيير العقاري، لما لذلك من أهمية في تشجيع الاستثمار، خاصة وأن اقتصاديات الدول تتجه حاليا نحو الاقتصاد الرقمي. وقد تحدث هؤلاء المختصون في ندوة النصر حول العقار والاستثمار والتنمية المستدامة على هامش يوم دراسي بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2. إعداد: نورالدين عراب الدكتورة سهام مسكر أستاذة في الحقوق عدم استقرار المنظومة القانونية أثر على الاستثمار تؤكد الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2 الدكتورة سهام مسكر، أن المنظومة القانونية المتعلقة بالعقار بالجزائر تعاني من عدم الاستقرار، وأشارت إلى أن الانتقال من صيغة عقد الامتياز، ثم عقد الامتياز القابل للتحويل والتنازل، قبل العودة إلى عقد الامتياز، أدى إلى عدم استقرار في المنظومة القانونية، وخلق نوعا من عدم الاستقرار في الاستثمار أيضا، هذا إلى جانب الصعوبات المطروحة في التمويل وصعوبة تحصيل القروض والبيروقراطية الإدارية، وتوجيه العقار في غير ما خصص له، وكل هذه العوامل ساهمت حسبها أيضا في خلق فوضى في مجال العقار. وتوضح الدكتورة مسكر أن مشكلة العقار في الجزائر تعود بأثر رجعي إلى ما بعد الاستقلال، والإشكال الذي وجد داخل المدن، حيث بعد الاستقلال لم تعط الأولوية للسكن وإنجاز محلات مهنية وتجارية، بل أعطيت الأولوية للعقار الفلاحي والصناعي، موضحة أن الاعتقاد الذي كان سائدا، يتمثل في أن ما خلفه المستعمر من سكنات ومحلات تكفي لتلبية الطلب، لكن الواقع كان غير ذلك، وعندما تفطنت الدولة لأزمة السكن وزيادة الطلب عليه، لجأت إلى فتح المجال وتوفير المحفظة العقارية من أجل استثمار العقار داخل المدن، مشيرة أن الإشكال كان في الأزمة المالية في فترة الثمانينات، وانخفاض أسعار البترول، وعدم فتح المجال للمستثمر الخارجي، لكن بعد فتح السوق الاقتصادية، تضيف، وفتح المجال للمستثمر الخاص جاء عائق آخر وهو العشرية السوداء، ولم تستطع الدولة تطبيق القوانين، بالرغم من أن في هذه الفترة بدأت تظهر القوانين المنظمة للمحفظة العقارية بالجزائر، وتؤكد أن المنظومة القانونية كانت جيدة، لكن تطبيقها على أرض الواقع ارتبط بالظروف الأمنية السائدة في تلك الفترة. وبعد تحسن الأوضاع الأمنية عاشت الجزائر حسبها فوضى عقارية، وملكيات مخلفة من المستعمر دون سند ملكية، كما طرحت عدة إشكاليات قانونية، وجاءت مسألة تطهير الملكية العقارية عن طريق المسح، وانتهجت آلية الشهر الشخصي، ثم انتقلت إلى نظام الشهر العيني، ومن هذا الباب بدأ التفكير، مثل ما قالت المتحدثة، في كيفية تطهير الملكية العقارية، التي أوضحت أنه و بالنظر إلى شساعة مساحة الجزائر، وجدت عدة صعوبات في الإمكانيات المادية والبشرية والخبرة، وفي بعض الأوعية العقارية التي لا يمكن تطهيرها عن طريق عملية المسح، لاسيما إذا ارتبطت بالاعتداء على أملاك وقفية أو التعدي على أملاك الخواص، وكيفية تسوية الفوارق في المساحة. وتؤكد الدكتورة مسكر أن الإشكالات لا تزال مطروحة إلى اليوم في النزاع، لأنه تم تبني نظام الشهر العيني، ولم يتم تبني كل مبادئه القانونية، بما فيها الأثر المظهر للقيد، وحجية الدفتر العقاري، ولما يظهر المالك يعوض بدل أن يبحث عن الحلول الودية للتسوية العقارية، لنبقى بذلك حسبها في حلقة مفرغة. وفي السياق ذاته تقول نفس المتحدثة، أن المستثمر يجب أن يوفر له مناخ الأعمال في الجزائر، لأن المستثمر حسبها يبحث عن الاستفادة من أوعية عقارية بأقل الأثمان، في ظل المضاربة العقارية، مؤكدة أنه لما يشتريها المستثمر من السوق الموازية، تكون بثمن مرتفع مقارنة عن ثمنها الحقيقي، الأمر الذي يدفعه للجوء إلى مديرية أملاك الدولة للاستفادة من الأملاك الوطنية الخاصة، لكن هذه المنظومة هي الأخرى عرفت عدم استقرار في جوانبها القانونية. من جانب آخر، أوضحت الأستاذة سهام مسكر أن حاليا هناك مساع جادة من الدولة وجهودا مبذولة لتنظيم العقار الاقتصادي، كما فرقت الدولة بين العقار الاقتصادي والصناعي والسياحي والفلاحي لتطبق عليه أحكام عقد الامتياز، وفرقت بين العقار الترقوي الذي ينطبق عليه عقد الامتياز القابل للتحويل والتنازل، والعقارات الموجهة لانجاز سكنات مدعمة اجتماعيا، ليبقى دائما التنازل عن الأملاك لفائدة هذه المؤسسات، وتضيف نفس المتحدثة أن للوصول إلى إصلاح المحفظة العقارية، يجب أن نضبط الرقابة، في منح عقود الامتياز عن طريق التراضي والرقابة في تنفيذ المستثمر لدفتر شروط عقد الامتياز، وذلك حتى نصل في الأخير إلى ضبط الاستثمار والاستفادة العادلة.وعلى الدولة أيضا أن تفكر حسبها، في التوزيع العادل بين المناطق، من خلال تفعيل المخططات الموجودة على أرض الواقع في المناطق الجبلية والريفية ومناطق الجنوب، حتى يمكن خلق توازن إقليمي وجغرافي وخلق البيئة المناسبة للمواطن، ودعت في الأخير نفس المتحدثة إلى ضرورة أن تكون هناك رقابة على القائمين على تسيير المحفظة العقارية ومنع كل المضاربات والتلاعبات حتى يمكن الوصول، إلى تطهير الملكية العقارية. الدكتورة راضية عباس أستاذة قانون هناك استغلال غير عقلاني للعقار في بلادنا تؤكد الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2 الدكتورة راضية عباس، أن الجزائر تعرف استغلالا غير عقلاني للعقار، خاصة من التسعينات إلى الوقت الراهن، وهو ما جعل حسبها الأراضي المخصصة للاستثمار توجه لأغراض أخرى منها السكن الاجتماعي وغيره، وقالت إن هذه الأراضي لو وجهت للاستثمار كانت ستساهم في تحقيق التنمية أكثر من توجيهها لإنجاز سكنات وغيرها. وفي السياق ذاته ترى المتحدثة، إن النصوص القانونية المنظمة للأجهزة المكلفة بالاستثمار تعرقل المستثمر للولوج إلى الاستثمار في بعض المناطق. وفي سياق آخر تقول إن في الجزائر، هناك خلط، باعتبار أن المدينة ليست ميدانا للاستثمار، والحقيقة حسبها عكس ذلك، ودعت إلى ضرورة تكريس الاستثمار في المدن، ولن يكون ذلك حسبها، إلا بوجود أوعية عقارية تسمح بذلك، وهي معادلة، تقول إنها تضم العقار، والاستثمار والتنمية المستدامة، ولتحقيق هذه المعادلة تضيف نفس المتحدثة، أنه لابد من توفير العقار وهو العامل الأساسي في هذه المعادلة، حيث تؤكد أنه دون أوعية عقارية لا يكون هناك استثمار وتنمية مستدامة للمدن، وانطلاقا من هذه الفكرة يجب إيجاد حلول للإشكالات المطروحة، على حد قولها،خاصة ما يتعلق بالنصوص القانونية التي تنظم العقار والاستثمار في المدن، وتشير في هذا الإطار إلى أن النصوص القانونية الموجودة حاليا، هي نصوص قطاعية متفرقة، وكل قطاع له قانونه الذي ينظمه بصفة خاصة دون تنسيق مع القطاعات الأخرى، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان حسب تأكيدها، إلى إيجاد معوقات إما من قبل الهيئات المكلفة بالعقار، أو الهيئات المكلفة بمنح الاستثمارات أو الهيئات المكلفة بتسيير المدن. من جهة أخرى دعت الدكتورة عباس إلى ضرورة إيجاد مناخ استثماري مناسب، ولن يكون هذا المناخ حسبها، إلا بتعديل النصوص القانونية المتعلقة بالاستثمار، خاصة قانون الاستثمار لسنة 2016 الذي بقي عاجزا حسبها، على جلب المستثمرين للإجراءات المعقدة، مشيرة أن المستثمر يجد كل التسهيلات مع الأجهزة المكلفة بذلك، لكن عندما يصل إلى العقار يتوقف المشروع، مضيفة أن الوالي باعتباره المكلف بهذا الملف في الولاية لا يجد أوعية عقارية، كونه لا يملك حصيلة الأوعية العقارية الموجودة القابلة للاستثمار، ويبقى بذلك ملف المستثمر مجمدا. ن ع الدكتورة حياة كحيل أستاذة في العلوم السياسية يجب خلق نظام رقابي لتفادي التلاعب بالمحفظة العقارية ترى الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2 حياة كحيل، أن العقار في الجزائر يعاني من النصوص القانونية الهشة، التي تتطلب إعادة نظر وإعطاء ضمانات أكبر للمستثمر، الذي من أكبر المعوقات التي تقف في وجهه حسبها، هي العقار باعتبار النصوص القانونية هي نصوص غير ثابتة وغير مستقرة. ومن هذا المنطلق ترى الأستاذة كحيل، أن التعديلات التي تمس النظام القانوني للعقار تنعكس في نفس الوقت على المستثمر، الذي لا يمكنه التحكم في المنظومة القانونية، وبالتالي المستثمر دائما يتراجع حسبها، عن مشاريعه نظرا لهذه المعوقات المذكورة، ولذلك دعت المشرع الجزائري، إلى وضع نصوص قانونية تمتاز بنوع من الثبات والاستقرار، مع توفير ضمانات للمستثمر، والحفاظ في نفس الوقت على الوعاء العقاري الاستثماري دون فتح المجال أمام استنزافه، نظرا للدور الذي يلعبه العقار في تحقيق التنمية المستدامة. من جهة أخرى تؤكد الأستاذة، أن العقار عائق أساسي أمام تحقيق هذه التنمية في المدن، حيث دعت إلى الحفاظ على البيئة وعدم الاضرار بها لتحقيق تنمية مستدامة، وذلك باستخدام العقار في حدود عدم الإضرار بالبيئة من خلال استخدام تقنيات وآليات متطورة مثل الطاقات المتجددة و الرقمنة، وكذا العزل الحراري، وعرض الآليات التي يمكن أن تكون الدعامة الأساسية التي لابد للمشرع أن يضعها نصب عينيه، من أجل الرقي بهذا العقار وجعله بدلا أن يكون عائقا، محفزا للاستثمار، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة للمدن، لتكون عاملا من عوامل النهوض بالدولة ورقيها. وتضيف نفس المتحدثة أن العقار يعتبر حافزا أو دعامة حقيقية لمدينة حضارية متطورة، لذلك دأبت التشريعات على إنشاء نظم قانونية تجعل من العقار حقيقة دعامة لتحقيق التنمية المستدامة للمدن بما فيها العقار الصناعي، الفلاحي، والسياحي. وفي السياق ذاته دعت الدكتورة كحيل، إلى ضرورة تشديد آليات الرقابة ووضع دعائم رقابية وتكوين أشخاص مؤهلين يجمعون ما بين الجانب التقني والقانوني والاقتصادي، كما شددت على ضرورة تنظيم دورات تكوينية لهؤلاء المراقبين من أجل أن تكون المراقبة فعالة، وبالتالي إيجاد نظام رقابي حقيقي للعقار وتوجيهه نحو الهدف الأساسي، وهو تحقيق تنمية بدلا من التلاعب بالمحفظة العقارية أو توجيهها، على نحو لا يحقق الأهداف المرجوة من استخدامها. الدكتورة مسعودة عمارة أستاذة بكلية الحقوق يجب رقمنة كل الأجهزة المتدخلة في التسيير العقاري دعت الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2 الدكتورة مسعودة عمارة، إلى ضرورة رقمنة كل الأجهزة المتدخلة في التسيير العقاري، وقالت إن الإستراتجية التي تنتهجها الدولة حاليا هي رقمنة كل القطاعات الهامة، وكشفت عن مشروع أعدته الجزائر بدأ في سنة 2008 يتعلق بالجزائر الالكترونية، وتحاول من خلاله رقمنة كل القطاعات بما فيها القطاع المتعلق بتسيير العقار. وأشارت إلى أن من القطاعات التي أخذت أشواطا في مجال الرقمنة، قطاعات العدالة، والداخلية والجماعات المحلية، إضافة إلى الصحة و التعليم العالي، وبقي حاليا كل ما يتعلق بالأجهزة المتدخلة في التسيير العقاري، ومنها مديرية أملاك الدولة، ومديرية المسح العقاري، والمحافظة العقارية. وتضيف نفس المتحدثة أن الرقمنة لها دور كبير في مجال التنمية وجلب الاستثمارات وتحقيق المداخيل للدولة، كما دعت إلى ضرورة إعداد بطاقية وطنية للعقار ورقمنة كل الأجهزة المتدخلة في تسيير العقار، وكذا توفير البنية التحتية والبشرية وكفاءات لديها خبرة، وإعداد دورات تكوينية للطاقم البشري. من جانب آخر أوضحت الدكتورة عمارة أن الجزائر تفتقد لقانون الأمن المعلوماتي، ودعت إلى ضرورة إيجاد قانون يحمي الأمن المعلوماتي بشكل عام والأمن العقاري بشكل خاص، وأشارت إلى وجود اعتداءات عديدة في هذا المجال، مضيفة أن رقمنة كل المعلومات الشخصية أو العقارية يتطلب تحقيق شيء آخر وهو الأمن المعلوماتي، لأن هناك بيانات شخصية لأشخاص يتطلب حمايتها من الاعتداءات، مؤكدة أن الرقمنة تبقى غير كافية إذا لم يكن هناك قانون يحميها، وأشارت إلى مشروع قانون الجرائم الالكترونية، الذي ينتظر صدوره ليحمي كل الأجهزة المختلفة بعد رقمنتها. كما أوضحت نفس المتحدثة أن رقمنة العقار لها انعكاسات كبيرة على الاستثمار، ويساهم في تبسيط الإجراءات ويسهل على المستثمر الوطني والأجنبي الحصول على الوثائق واختصار الوقت، وإزالة كل العراقيل المرتبطة بالاستثمار، مشيرة إلى أن الرقمنة مسألة حتمية ولا بد للجزائر أن تلج هذا المجال وتدخله بثقة.